نيويورك تايمز: إدارة بايدن تزيد من جهودها الدبلوماسية للتطبيع بين السعودية وإسرائيل

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن – “القدس العربي”:

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعده مارك مازيتي ورونين بيرغمان وإدوارد وونغ ونيفين نيريم قالوا فيه إن إدارة بايدن تقوم بمهمة طويلة المدى للتوصل إلى صفقة تطبيع بين السعودية وإسرائيل.

 وقالوا إن الرئيس ومساعديه يقومون بجهود دبلوماسية قوية في وقت باتت فيه الرياض تقدم مطالب محددة مقابل التطبيع مع إسرائيل بما فيها معاهدة أمنية مع الولايات المتحدة. وتقول الصحيفة إن أنطوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي وبعد فترة قصيرة من إقلاع طائرته من مطار الرياض التي عقد فيها لقاء مطولا مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، اتصل برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وقدم في المكالمة التي استمرت 40 دقيقة إحاطة لنتنياهو حول المطالب المحددة من محمد بن سلمان التي تقدم بها للموافقة على التطبيع الدبلوماسي مع إسرائيل، وحصل المسؤول الإسرائيلي على معلومات جديدة عن المطالب. ووصف مسؤولان أمريكيان المكالمة بأنها كانت جزءا من جهد طويل الأمد لتحقيق صفقة دبلوماسية بين السعودية وإسرائيل.

 فالبيت الأبيض الذي رضي بالجلوس بعيدا عن لعبة البوكر الدبلوماسية في الشرق الأوسط، قرر أخيرا المحاولة والبحث عن حظه ولعب بعض بيادقه. وهي في وسط محادثات معقدة مع ثلاثة زعماء كل لديه أسبابه لعقد الصفقة ويطالبون بمطالب قد تكون مكلفة إلى جانب أنهم لا يثقون ببعضهم البعض. وقال عدد من المسؤولين الأمريكيين إن فرص تحقيق صفقة هي أقل من 50% وقال بلينكن إنه “لا وهم” لديه بأن الطريق لصفقة سيكون سريعا.

ومع ذلك يظل التطبيع بين السعودية وإسرائيل تحولا مهما في عمليات إعادة الاصطفاف الجارية بالشرق الأوسط وقد ينفع قادة البلدين وكذا الرئيس بايدن الذي سيواجه حملات انتخابية العام المقبل. وسيعطي الاتفاق لو حدث فكرة أن واحدة من أكثر الدول تأثيرا في الشرق الأوسط باتت تنظر لدعم القضية الفلسطينية كأولوية ثانوية. وبالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي فإن التطبيع مع السعودية سيكون انتصارا سياسيا للزعيم المحاصر والذي تواجه حكومة اليمين المتطرف التي يقودها معارضة محلية.

ومن جانبه يرغب ولي العهد السعودي بتقوية العلاقات الأمنية مع الولايات المتحدة والحصول على أسلحة متقدمة وموافقة أمريكية لتخصيب اليورانيوم كجزء من برنامج نووي مدني الطابع، وهو أمر قاومته واشنطن. وبالنسبة لبايدن فالتقارب مع السعودية يحمل معه مخاطر سياسية، فقد تعهد في حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2020 بجعل السعودية “منبوذة” إلا أن معاهدة سياسية في الشرق الأوسط قد تكون دعما لحملته في 2024.

ويرى المسؤولون الأمريكيون منافع استراتيجية لتقوية العلاقات مع السعودية وطريقة لإبعاد الرياض عن الصين، وهما البلدان اللذان يقيمان علاقات دافئة. وحتى يتحقق الاتفاق، يجب على كل طرف التراجع عن موقف ثابت: بالنسبة لإسرائيل التي قالت إنها لن تسمح بتخصيب اليورانيوم في المملكة، وبالنسبة للرياض فستتخلى عن تعهد بعدم التطبيع مع إسرائيل إلا في حالة قيام الدولة الفلسطينية، أما بايدن فسيكون أمام امتحان حول سبب تغيير موقفه من الأمير محمد.

ووصف المسؤولون الأمريكيون الوضع الحالي للمفاوضات بشرط عدم الكشف عن هويتهم وقالوا إن تلاقي العوامل قد فتح نافذة زمنية، ربما في العام المقبل وعندما يشتد أوار الانتخابات الأمريكية، والتوصل إلى اتفاق ممكن. وواحد من العوامل هو أن الرئيس الديمقراطي قد تكون لديه فرصة لتسويق صفقة تطبيع أفضل من رئيس جمهوري وجلب الأطراف المعارضة لدعمه. وتقول الصحيفة إن إدارة بايدن، زادت من وتيرة زيارات المسؤولين البارزين الذين سافروا إلى الرياض وتل أبيب والتقوا مع الأمير محمد ونتنياهو. فبعد أيام من زيارة بلينكن، سافر مستشار البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغيرك على رأس وفد كبير وبرحلة غير معلنة لاستكمال المفاوضات، وزار مستشار الأمن القومي جيك سوليفان السعودية في أيار/مايو.

 وقال السفير الأمريكي السابق مارتن إنديك “قرر بايدن المضي فيها، وكل واحد في الإدارة يفهم الآن أن الرئيس يريد هذا” و”عندما تتحدث عن السلام في الشرق الأوسط فأنت تتحدث عن رقصة تانغو مكونة من ثلاثة”.

وتضيف الصحيفة أن معاهدة دفاعية أو صفقة نووية مع السعودية ربما واجهت معارضة من الكونغرس المنقسم، حيث سيصوت أعضاء في حزب بايدن ضدها، إلا أن تحالفات غريبة عقدت، حيث بات السناتور الجمهوري عن ساوث كارولينا ليندزي غراهام يساعد في المفاوضات.

ولم تعلق السفارة السعودية في واشنطن على التقرير وكذا مجلس الأمن القومي الذي اكتفى المتحدث باسمه للقول إن إدارة بايدن لم تخف رغبتها بتوسيع اتفاقيات إبراهيم، كما ولم يخف نتنياهو رغبته بعقد صفقة مع السعودية. ويجري الحديث عن تطبيع سعودي- إسرائيلي منذ عدة أعوام، وعندما أدارت إدارة دونالد ترامب محادثات مع دول عربية أفضت لما عرف باتفاقيات إبراهيم عام 2020 لم تكن السعودية جاهزة للانضمام.

واتسمت العلاقة بين بايدن والسعودية بالبرودة، وهذا راجع لمقتل الصحافي في واشنطن بوست، جمال خاشقجي، ومع ذلك زار بايدن السعودية صيف العام الماضي. ووصلت العلاقة بين البلدين لمرحلة متدنية في تشرين الأول/أكتوبر عندما قام السعوديون بخفض مستوى إنتاج النفط، وهو قرار فاجأ الأمريكيين. وبدأت حكومتا البلدين بإصلاح العلاقات في الشتاء، وفي أيار/مايو زار سوليفان الرياض حيث عبر الأمير محمد عن استعداد للتطبيع مع إسرائيل.

ووافق مع سوليفان أن العام الحالي مناسب لتحقيق التطبيع ولكن بالثمن المناسب، حسبما قال شخصان على معرفة بالنقاشات. وكانت الرسالة التي نقلها سوليفان للرئيس وراء تغيير الأخير مساره وسارع للدفع بهذا الاتجاه. وقاد هذا لزيارة بلينكن إلى السعودية هذا الشهر وتبعها ماكغيرك. وبالنسبة للسعوديين فالتطبيع هو أقل عن العلاقة مع إسرائيل وأكثر عما ستحصل عليه من الولايات المتحدة الحليف التقليدي لها. وفي ضوء الشعبية المتدنية لإسرائيل بين المواطنين السعوديين، فالتطبيع سيكلف محمد بن سلمان رأس مال سياسيا، حسب مسؤولين سعوديين. ومن أجل تبرير هذا فهو يريد تنازلات مهمة من الولايات المتحدة وبعين على ردع إيران.

إلا أن مطالب الأمير محمد كانت كبيرة بما فيها ضمانات أمريكية للدفاع عن السعودية حالة واجهت هجمات وكذا شراكة أمريكية- سعودية لتخصيب اليورانيوم لبرنامج نووي وقيود أقل على صفقات السلاح الأمريكي. واجتمع ريتشارد غولدبيرغ، المسؤول السابق في إدارة ترامب والمستشار الحالي لمجموعة “الدفاع عن الديمقراطية” مع المسؤولين السعوديين هذا الشهر. وقال إنهم تحدثوا عن التنقيب عن اليورانيوم والتخصيب للحصول على موارد، لكنه يعتقد أن الهدف الحقيقي هو أن تكون لديك القدرات النووية لو فعلت إيران نفس الشيء.

وقال “السؤال المفتاح وعلامة الاستفهام الكبرى هو: هل تخصيب اليورانيوم خط أحمر، كما يقول محمد بن سلمان أم أنه موقف مفتوح؟” و”إن كان موقفا للمقايضة أم خط أحمر، لا أحد يعرف”. ويواجه نتنياهو أزمة سياسية حادة وملاحقات قضائية بالفساد. ويرى محللون أنه لو عقدت انتخابات غدا لخسر نتنياهو، إلا أن السماح للسعودية بتخصيب اليورانيوم يعد تراجعا عن تعهد إسرائيلي بعدم السماح للمملكة بتخصيب اليورانيوم ومنع سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط. وربما واجه نتنياهو ضغوطا من مؤسسة الأمن القومي لو وافق على فكرة تخصيب السعودية اليورانيوم.

وأوكل نتنياهو مهمة التفاوض للتطبيع مع الرياض إلى فريق خاص موثوق به، ومنهم رون ديرمر، السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن ووزير الشؤون الإستراتيجية إلى جانب تساحي هانغبي، مستشار الأمن القومي وكلاهما زار واشنطن عدة مرات في الأشهر الأخيرة.

وبوجود حكومة متطرفة في إسرائيل فلا يوجد هناك منظور لتقديم تنازلات إلى الفلسطينيين إلا أن السعوديين وإدارة بايدن اتفقوا على ضرورة شمل أي اتفاقية على لفتات قوية للفلسطينيين، بدون تحديد طبيعتها. وقال انديك “يحتاج بيبي إلى هذا بشكل كبير ويشعر أنه يتذوقه”. وبدون أن يكون هناك تنازلات إسرائيلية للفلسطينيين فأي صفقة لن تدوم وتنازلات الولايات المتحدة للسعودية ستضيع “من المفترض أن يحقق السعوديون إنجازات للعالم الإسلامي ولكن لو سمحت الولايات المتحدة لمحمد بن سلمان التخلي عن الفلسطينيين فإن الأمر كله لن يكون مستقرا”. وكرر السعوديون خطأ وهو أن أي تطبيع مع إسرائيل مشروط بدولة فلسطينية، وهذا كلام يرددونه منذ مبادرة 2002، وكرر بن سلمان هذا الكلام أمام قمة الجامعة العربية الأخيرة في جدة.

ويظل الرأي العام من العوامل التي تحجز ضد تقارب مع إسرائيل، ففي الوقت الذي يميل فيه حكام الخليج باتجاه عقد معاهدات وصفقات مع إسرائيل إلا أن مواطني الخليج يعارضون التطبيع الكامل. وفي استطلاع نظمه معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى وجد أن نسبة 78% من السعوديين وصفوا اتفاقيات إبراهيم بالسلبية على المنطقة. ومن جانب أمريكا، فأي اتفاقية نووية أو معاهدة مع السعودية تحتاج إلى موافقة من الكونغرس، وهذا طموح عال في ظل عدوانية الكثير من المشرعين الديمقراطيين للسعودية. وشجبوا إلى جانب مشرعين جمهوريين ولي العهد بعد مقتل خاشقجي والحرب في اليمن.

وعلق سناتور ديمقراطي وهو روبرت ميننديز عن نيوجيرسي صفقة أسلحة للسعودية. ويعارض المشرعون أي تحرك باتجاه تخصيب اليورانيوم خوفا من انتشار السلاح النووي. وقالت وزارة الخارجية إنها تقوم بالتفاوض على ما يطلق عليه “اتفاق 123” مع السعوديين والذي يضع أرضية بشأن عدم انتشار السلاح النووي والتعاون الأمريكي في برنامج مدني للطاقة النووية، إلا أن السعوديين ترددوا بسبب البرنامج النووي الإيراني. وعقدت الولايات المتحدة اتفاقية مع الإمارات العربية المتحدة التي تمنعها من تخصيب اليورانيوم. ولكن المشرعين الجمهوريين والديمقراطيين يرون أن صفقة تطبيع جديدة تقوي دعم المؤيدين لإسرائيل من الناخبين.

ويقوم ميننديز وجيم ريستش، الجمهوري عن ولاية إيداهو بإعداد مشروع قرار يدعو لتوسيع عمليات التطبيع و”التكامل الإقليمي”. وكشف غراهام عن جهوده في مساعدة إدارة بايدن للتطبيع بين السعودية وإسرائيل، وقال بمقابلة “وقف النزاع العربي – الإسرائيلي سيكون تغييرا لقواعد اللعبة للعالم ويعزل إيران”. وقال إنه تحادث مع زعيم الأقلية بمجلس الشيوخ ميتش ماكونيل وإن هناك دعما من الجمهوريين للتطبيع. والتقى مع الأمير محمد بداية هذا العام وعقد محادثات مع الديمقراطيين. ومع أن بايدن كان من أشد الناقدين لمحمد بن سلمان بعد مقتل خاشقجي إلا أنه غير نبرته الآن.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية