نيويورك تايمز: إسرائيل تستخدم عمليات الهدم عن بُعد لمحو أحياء سكنية بكاملها وتغيير شكل القطاع

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن- “القدس العربي”: نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريراً أعدّته لين أبراهام وبورا إريدن ونادر إبراهيم وإلينا شوا وهيلي ويلز جاء فيه أن عمليات الهدم التي تقوم بها القوات الإسرائيلية البرية تمحو مناطق واسعة من غزة، وتغيّر صورة المكان، فإلى جانب الغارات التي قصف فيها الطيران الإسرائيلي مجمعات وأحياء سكنية كاملة، فإن الهدم عن بُعد يدمر حياة الفلسطينيين، ويتركها أثراً بعد عين، وبـ “كبسة” على زرّ جهاز التحكم. فقد هدمت القوات الإسرائيلية عمارات سكنية، وفندقاً على البحر المتوسط، ومجمع المحاكم الذي بني عام 2018، وعشرات البيوت، وكلها ذهبت بثانية.

والتقطت الأقمار الاصطناعية صور الدمار الذي أحدثته الغارات الجوية، لكن ما تقوم به القوات على الأرض لم يكشف عن حجمه وخطورته على الحياة في القطاع بعد.

الصحيفة: مع  أن معظم الضرر حصل بسبب الغارات الجوية والقتال، إلا أن عمليات الهدم عن بُعد تمثل أكثر الطرق التدميرية التي حدثت في الحرب

وبحسب الصحيفة، فقد قامت إسرائيل، ومنذ تشرين الثاني/ نوفمبر، بـ 33 عملية هدم عن بُعد، دمرت فيها مئات المباني، بما فيها المساجد والمدارس وأحياء بكاملها.

وقام تحليل الصحيفة على  الصور التي التقطها الجيش الإسرائيلي، ولقطات فيديو نشرت على منصات التواصل الاجتماعي، وصور للأقمار الاصطناعية.

وفي تصريح للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، قال إن الجنود “يحدّدون ويدّمرون البنى التحتية المرفقة مع أشياء أخرى داخل البنايات” في المناطق المدنية، مضيفاً أن بعض الأحياء تخدم كـ “مجمع قتالي لحماس”.

 وفحصت “نيويورك تايمز” عشرات لقطات الفيديو المتوفرة من 15 تشرين الثاني/نوفمبر وحتى 24 كانون الثاني/يناير. ونقلت عن مسؤولين إسرائيليين، لم يكشفوا عن هويتهم، قولهم إن إسرائيل تريد هدم البنايات الفلسطينية القريبة من الحدود، كجزء من عملية إنشاء “منطقة عازلة” داخل غزة، ما يجعل من الصعوبة على المقاتلين القيام بعمليات عبور الحدود، كما فعلوا يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر.

إلا أن معظم عمليات الهدم التي حدّدتها “نيويورك تايمز” تقع خارج ما يطلق عليها المنطقة العازلة. والعدد الحقيقي لعمليات الهدم قد يكون أعلى، لأن الصحيفة قدرت الأضرار على البنى التحتية والمباني وممتلكات الفلسطينيين بناء على ما توفّر من صور ولقطات فيديو.

وأشارت الصحيفة إلى أن الهدم طال جباليا، التي ستقام عليها المنطقة العازلة، وساحة فلسطين، التي هدمت فيها عشرات العمارات. وفي الشجاعية، الحي الذي تم فيه محو أعداد كبيرة جداً من البيوت.

وتقول الصحيفة إن الجنود يدخلون البنايات المحددة للهدم ويزرعون في داخلها ألغاماً ومتفجرات، ثم يخرجون ويقومون بالضغط على الفتيل من مكان بعيد. وفي معظم الحالات يقوم الجيش بتأمين المناطق حول البنايات المحددة للهدم، لكن في مناطق القتال، فالهدم ليس بدون مخاطر. فقد قتل 21 جندياً إسرائيلياً، الأسبوع الماضي، عندما كانت وحدتهم تحضّر لتفجير عدة بنايات في وسط غزة. وقام المقاتلون الفلسطينيون برمي قذيفة صاروخية باتجاههم، ما أشعل الفتيل وقتَلَهم، حسبما قال المسؤولون الإسرائيليون.

 وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هغاري إن الجنود كانوا ينظفون المنطقة كي يُسمح لسكان البلدات الجنوبية القريبة من غزة العودة.

وفي كانون الأول/ديسمبر، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر إن إنشاء منطقة عازلة على طول الحدود مع غزة، والممتدة 36 ميلاً، سيكون “انتهاكاً” لموقف واشنطن المعروف بشأن تخفيض مساحة المنطقة في غزة.

ويقول الخبراء في القانون الدولي الإنساني إن عمليات الهدم، والتي ستمنع الفلسطينيين من العودة  إلى بيوتهم، قد تخرق قواعد الحرب التي تمنع التدمير المقصود للممتلكات المدنية.

الصحيفة: ظهر في لقطات فيديو أن الهدم موجّه لمسجد ومدرسة تابعة للأمم المتحدة، ومدارس وبنايات جامعة بما فيها هدم كلي لجامعة “الإسراء”

وفي فيديو التقط في تشرين الثاني/نوفمبر، دمّرَ انفجارٌ عدة أبراج سكنية ليست بعيدة عن مستشفى في مدينة غزة.

وفي عملية هدم أخرى تمت في كانون الأول/ديسمبر، دمّر انفجار بنايات حول ساحة فلسطين في مدينة غزة، والتي قال المسؤولون الإسرائيليون إنها منطقة لشبكة أنفاق.

ومنذ بداية الحرب تم تدمير، أو هدم جزئي، لنصف بنايات غزة، وذلك حسب تقدير قام على الصور التي التقطتها الأقمار الاصطناعية.

ومع  أن معظم الضرر حصل بسبب الغارات الجوية والقتال إلا أن عمليات الهدم عن بُعد تمثل أكثر الطرق التدميرية التي حدثت في الحرب.

 وفي بلدة خزاعة، الواقعة على خط المنطقة العازلة، شرقي خان يونس، التقطت صور للجنود وهم يضغطون على الزناد لتدمير حوالي 200 بيت. وكشف فيديو آخر عن جنود وهم يطلقون قنابل ضوئية ويصفقون وهم يقومون بالهدم.

ومن أضخم عمليات الهدم التي  حددتها “نيويورك تايمز” تلك التي حدثت في الشجاعية، الحي السكني الواقع على أطراف مدينة غزة.

 وتم محو عشرات البيوت، وعلى مدى ثلاثة أسابيع، وحسب الصور التي التقطتها الأقمار الاصطناعية. وفي بعض أشرطة الفيديو يظهر أن عملية الهدم تستهدف أنفاقاً أرضية، وظهر في لقطات أخرى أن الهدم موجّه لمسجد ومدرسة تابعة للأمم المتحدة، ومدارس وبنايات جامعة بما فيها هدم كلي لجامعة “الإسراء”.

وبعدما طرح المسؤولون الأمريكيون أسئلة عن سبب استهداف الجامعة، قال الجيش الإسرائيلي إن الحادث “قيد المراجعة”، وفي الوقت الذي قام به الجنود بتأمين المكان، قال المسؤولون العسكريون إن الجامعة استخدمتها “حماس” كمعسكر تدريب ومصنع للأسلحة، وهو زعم لم تستطع الصحيفة التحقق من صحته.

وقال ماركو ساسولي، أستاذ القانون بجامعة جنيف: “كون المكان استخدمه في السابق المقاتلون الأعداء لا يبرر تدميره”. وأكد ساسولي إن هذا الهدم لا يمكن عمله إلا في حالة استدعت الضرورة العسكرية، و”لكنني لا أستطيع تخيّل أن هذا هو الحال مع جامعة، بناية برلمان، مسجد، مدرسة أو فندق في وسط قطاع غزة”.

أستاذ قانون: كون المكان استخدمه في السابق المقاتلون الأعداء لا يبرر تدميره.. لكنني لا أستطيع تخيّل أن هذا هو الحال مع جامعة، بناية برلمان، مسجد، مدرسة أو فندق في وسط قطاع غزة

وزعم المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن القرارات التي يتخذها  “قائمة على الضرورة العسكرية وبناء على القانون الدولي”.

وبالنسبة للفلسطينيين، فالهدم هو صورة أخرى عن الهدم والخسارة، ما يطرح أسئلة حول مستقبل القطاع بعد عقود من التشريد والحصار. وقال السفير الفلسطيني في بريطانيا، حسام زملط: “الخطة هي تدمير غزة وجعلها غير قابلة للعيش، وبدون حياة”، و”كان هدف إسرائيل هو جعل عودة أبناء شعبنا إلى  أراضيهم مستحيلة”.

وبعد يومين من مقتل الـ 21 جندياً جرت عملية هدم، حيث قال أحد الجنود أمام كاميرا الفيديو إنه تم هدم 21 بيتاً من أجلهم.

وتقول الصحيفة إن مراسليها قاموا بمراجعة والتحقق من عشرات لقطات الفيديو مأخوذة من مصادر إسرائيلية رسمية وعدة مؤسسات إعلامية وحسابات على منصات التواصل، بما فيها لقطات صوّرها الجنود لعمليات الهدم وقارنوها بصور الأقمار الاصطناعية وقواعد البيانات الجغرافية المكانية والتأكد من موقعها وتاريخ الهدم ومداها المكاني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية