لندن- “القدس العربي”- إبراهيم درويش: ربما تقترب المعاناة السورية الطويلة من نهايتها الحاسمة حيث يحشد نظام الرئيس بشار الأسد وحلفاؤه الروس والإيرانيون قواتهم لعملية عسكرية في محافظة إدلب التي تعد آخر معاقل المقاتلين المعارضين للنظام.
ورغم اعتماد الأسد على روسيا وإيران في مجال الدعم المالي والعسكري فإنه كما تقول صحيفة “نيويورك تايمز” في افتتاحيتها على أعتاب سحق الثورة وبمخاطر كارثة إنسانية.
فهناك ثلاثة ملايين نسمة منهم مليون طفل يعيشون في إدلب الواقعة على الطريق إلى تركيا. ولا شك ان هجوما شاملا قد يؤدي إلى الموت والدمار والنزوح الذي سيتفوق على الوحشية التي شوهدت من قبل.
وعانى المدنيون بشكل فظيع خلال السبعة أعوام الماضية من النزاع حيث توقفت منظمات الإغاثة عن إحصاء ضحاياه بعد وصوله إلى 400.000 شخص.
وترى الصحيفة أن سوريا التي استعصت على أي حل بسبب وجود القوى الأجنبية والمحلية والإرهابيين المتنافسين فيها، فيما أعاق غياب الاستراتيجية الأمريكية وتشوش اهدافها اي جهد وحد بالضرورة من نفوذها.
ولا تزال تعاني من هذا، فنيكي هيلي، سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة هي التي حذرت يوم الخميس من أن هجوما للنظام “سيكون تصعيدا متهورا” و”الأمر يعود إلى روسيا كي تمنع حدوثه”.
ولم تؤد النشاطات الدبلوماسية الأخيرة بما فيها جلسة لمجلس الأمن الدولي يوم الجمعة إلا لسلسلة تحذيرات إلى روسيا وسوريا وليس غير.
ولكن على الغرب المحاولة خاصة أن الأسد حشد قواته حول إدلب فيما حركت روسيا 26 بارجة حربية 36 مقاتلة إلى الساحل السوري. ولو سيطرت قوات النظام على إدلب فيكون الأسد تغلب على التمرد واستعاد معظم الأراضي التي خسرها منذ بداية الحرب الأهلية وعليه فستكون نهاية الحرب والقتل.
والسؤال هو كيف يتم إنهاء المذبحة وماذا يجب عمله لتجميع القطع السورية؟ فالأمريكيون وحلفاؤهم لا يستطيعون إملاء الطريق الذي يجب أن تسير عليه سوريا ولا يتوقع منهم إصلاح كل المشاكل التي خلقها الأسد والروس. وبالإضافة لهذا فليس لديهم النفوذ للتأثير على الأحداث أكثر مما كان لهم في السابق.
ولهذا يجب التركيز على منع هجوم شامل على إدلب في الوقت الحالي، والتأكد من أن سوريا لديها مستقبل مستقر، وهذه بالضرورة مصلحة أمريكية على المدى البعيد.
وحتى تظل محتفظة بنفوذ فيجب أن تبقي على 2.200 جندي الذي أرسلوا للمساعدة في قتال تنظيم الدولة في شرق سوريا والتأكيد من أن على نظام الأسد تغيير سلوكه حتى يحصل على المناطق الغنية بالنفط والمصادر الطبيعية ويتم التعامل مع بالدبلوماسية.
وتعتقد الصحيفة أن العقوبات هي وسيلة ناجعة، ففي يوم الخميس زادت الولايات المتحدة الضغوط على سوريا من خلال فرض عقوبات مالية على أربعة أفراد وخمس شركات لتزويدهم النظام بالسلاح والوقود.
وتعد إدلب واحدة من أربع مناطق خفض للتوتر اتفقت عليها روسيا وإيران وتركيا.
وساعدت روسيا النظام من خلال القوة ومفاوضات استسلام الأسد للسيطرة على 3 مناطق وبقيت إدلب التي تحولت لملجأ للمدنيين ولأكثر من 10.000 مقاتل إسلامي مرتبطين بالقاعدة.
ونشرت تركيا فواتها على الحدود الشمالية التي أغلقتها بعدما قبلت 3.5 مليون لاجيء وأنشأت نقاط مراقبة وقام بالفصل بين الجماعات المعتدلة من تلك المتشددة المرتبطة بتنظيم القاعدة.
ومن موقعها المعارض في النزاع تعاونت تركيا مع إيران وروسيا لوقف إطلاق النار وتطوير خطة تسوية سياسية.
ورفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اجتماع طهران يوم الجمعة خطة وقف إطلاق نار تقدم بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وتحاول أنقرة منع هجوم روسي- سوري على إدلب من خلال إقناع المتطرفين الإنسحاب منها إلى المنطقة العازلة التي تراقبها القوات المعتدلة الموالية لتركيا.
وتخشى أنقرة من هجوم جديد قد يؤدي إلى موجة لجوء جديدة. وظل بوتين من اهم مساعدي الأسد حيث وفر له السلاح وتدخل عام 2015 لإنقاذه بعدما كاد نظامه أن ينهار.
أنقرة تخشى من هجوم جديد قد يؤدي إلى موجة لجوء جديدة
وفي الوقت الذي ارتكب فيه المتشددون الإسلاميون جرائم حرب متعددة في سوريا إلا أن غارات الطيران الأمريكي على مواقع تنظيم الدولة قتلت الكثير من المدنيين كما يقول المراقبون. وكذا الجماعات الموالية للأسد التي كانت مسؤولة عن معظم الجرائم طوال الحرب.
وفي الوقت الذي حذر فيه دونالد ترامب نظام الأسد من استخدام السلاح الكيماوي في إدلب إلا أن تحركاته السابقة، أي في نيسان (إبريل) 2017 ونيسان (إبريل) 2018 لم تؤد إلى سياسة.
وترى الصحيفة أن هناك فرصة لكي تتحسن الأمور بعد تعيين جيمس جيفري،السفير السابق في كل من تركي والعراق كمبعوث خاص في سوريا.
وفي يوم الخميس نشرت صحيفة “واشنطن بوست” أن ترامب وبعد أشهر من التهديد بإجلاء القوات الأمريكية من سوريا وافق على استراتيجية بقاء القوات ولمدة غير محددة هناك. والقيام بحملة دبلوماسية تؤكد خروج إيران والجماعات الوكيلة لها من البلاد.
وقال جيفري إن الإدارة لم تعد تؤكد على رحيل الأسد كما طالبت إدارة باراك أوباما.
ولم تقدم الإدارة تفاصيل عن خطتها إلا أن تؤشر لمشاركة أمريكية عميقة في الحرب.
وتختم الصحيفة بالقول إن الحرب لو انتهت غدا فإن سوريا ستواجه تحديات كبرى ومن بينها الاقتصاد المدمر والغالبية السنية الغاضبة من وحشية الأسد.
ورغم مسؤولية بوتين عن تدمير سوريا فإنه لا يملك المصادر ولا المهارات لإصلاحها. وهو بحاجة لمساعدة من الولايات المتحدة والدول الأخرى الكبر لإنجاز أهدافه وإعادة إعمار سوريا كي تنضم من جديد للعالم.
وليست مجبرة أمريكا على المساعدة في إعادة الإعمار ويمكنها المساعدة في توفير الاستقرار للمناطق المحررة من تنظيم الدولة والعمل مع روسيا للحصول على تمويل الإعمار من دول الخليج ودفع الأسد لتبني نموذج سياسي أقل ديكتاتورية.
وعلى بوتين معرفة أن إنجاز أي من هذا مستحيل لو نفذ حمام دم في إدلب.