لندن- “القدس العربي”:
قال المعلق في صحيفة “نيويورك تايمز” تشارلز بلو، إن الرئيس دونالد ترامب هو أكبر خاسر مطلقا، فقد قضى حياته وهو يتلاعب بالنظام وليس غريبا عدم قبوله بالهزيمة.
وقال: “خسر دونالد ترامب الانتخابات، وهو يعرف هذا لكنه لا يريد الاعتراف به” و”هو يأمل بقيام المحاكم باستبعاد عدد كاف من الأصوات لحرف الانتخابات إلى صالحه، ولن يحدث هذا”.
وقال إن الدعاوى القضائية التي رفعها في الولايات المتأرجحة بالبلاد واجهت نكسات “ففي المحكمة عليك أن تقدم الدليل، فالأكاذيب والاتهامات ونظريات المؤامرة لا تقنعها. وظل ترامب طوال حياته يتلاعب مع النظام، وهو لا يفهم أن هذا النظام لا يمكن التلاعب به” أي الانتخابات.
ويقول بلو إن ترامب يأمل بدفع قضيته لكي تصل إلى المحكمة العليا حيث رشح وعيّن ثلاث قضاة محافظين و”هذه ليست استراتيجية ناجحة”. ذلك أن ترامب يعتقد بقدرته على استخدام القضاء ضد الشعب الأمريكي و”لن يسمح القضاء لنفسه بأن يستغل”. وبعيدا عن هذا فهو يحاول نزع الثقة عن العملية الانتخابية نفسها، فهو إن لم ينتصر “فهذا بسبب الخداع الذي تعرض له، وفي ذهنه فالفشل ليس إمكانية”.
وكما فعل طوال حياته في الرئاسة فهو يمارس الكذب ويلفق رواية منفصلة عن الواقع. فتغريداته منذ الانتخابات، حيث لم يظهر إلا قليلا ولم يصدر بيانا، تقوم بتغذية هجوم غير مسبوق على نزاهة الانتخابات والعملية الانتخابية بشكل عام. ويواصل كما يقول بلو “الشكوى بأن الانتخابات مزورة وأنها سرقت منه وأن “سوفت وير” حول ملايين الأصوات منه إلى جوزيف بايدن.
وفي يوم الأحد قال ترامب في تغريدة عن منافسه: “لقد فاز في عين الإعلام المزيف ولن أن أعترف بأي شيء وأمامنا طريق طويل وهذه انتخابات مزورة”. ولكن ترامب مضى بعيدا في هجومه حيث هاجم على ما يبدو الناخبين الذين صوتوا لبايدن. وأعاد نشر منشور من محطة تلفزيونية في ريتشموند فيرجينيا جاء فيه: “فيرجينيا، كتب البروفسور في جامعة ويزليان والعميد بول إيويل أن أي شخص صوت لبايدن هو جاهل و معاد لأمريكيا والمسيحية” وأضاف ترامب لتلك التغريدة: “التقدم”.
وبحلول 20 كانون الثاني/ يناير لن يكون ترامب رئيسا وهذه حقيقة ثابتة وتاريخ لا يمكن تغييره. وسيؤدي بايدن القسم وسيصبح رئيسا. ولكن ترامب لن يسمح بعملية انتقال سلسة للسلطة. وكان صعوده إلى السلطة صاخبا وسيؤجج النيران مع خروجه. وعلينا عدم استبعاد أي شيء فهو سيعمل ما يستطيع حتى لا يظهر بمظهر المهزوم. وسيبذل طاقته لتأمين مستقبل له ولعائلته، مريح وآمن. ولن يتخلى عن أي محاولة تعطيه الفرصة للبقاء في الرئاسة.
ويعلق بلو أن هجوم ترامب على النظام الانتخابي يضر بالديمقراطية الأمريكية وكذا رفضه الاعتراف بالهزيمة وعبوسه أيضا. ولكن ترامب لا تهمه الديمقراطية الأمريكية ولا حتى الديمقراطية بشكل عام. فما يهمه هو المال والسلطة. وما يهمه إدارة الرعاع ويهتم بالتبجيل والعبادة له.
ولكن المشكلة ليست ترامب وحده بل والحزب الجمهوري الذي يقوم نوابه في الكونغرس بتدليل خيالات ترامب مما يمنح تفكيره المعوج قيمة أمام أنصاره. ويقول الكاتب إن جزءا من انتصار ترامب في 2016 كان بسبب التدخل الروسي في الانتخابات، و”هذه حقيقة”.
وظل ترامب يشير إلى التحقيق في التدخل بالمزيف. ويقول مسؤولو الانتخابات إن الجولة الأخيرة هي الأكثر “أمنا في التاريخ الأمريكي” وهذه حقيقة، ولكن ترامب ظل يردد أنها عملية اتسمت بالفساد.
ويمكن التكهن بشخصية ترامب، فهو لا يكف عن الكذب والإنكار وبناء عالم يكون فيه المنتصر والبطل. ونعرف لماذا يفعل ترامب ما يفعل، لأنه فاسد. والجمهوريون في الكونغرس الذي يتبعونه سيثبتون مرة ثانية جبنهم وسينضمون إلى فساده.
وتؤكد مواقفهم أن الحزب الجمهوري لم يعد موجودا إلا بالإسم، فهو حزب اشتراه ترامب وموّله. ففي مرات سابقة كان النجوم الصاعدون من الحزب يخرجون ويعترفون بهزيمتهم وينتظرون النصر مرة ثانية، وليس هذه المرة، فهم خائفون لإخبار الخاسر أنه خسر.
ولو أعلن ترامب كما يتوقع البعض نيته الترشح في انتخابات 2024 فإنه سيخيف المرشحين الآخرين. وأي فكرة ستضعهم في مواجهة مع الرجل الذي حصل على رقم قياسي من أصوات الجمهوريين. وبعد خسارتهم في انتخابات 2012 قاموا بدراسة الأسباب ونشروا تقريرا مفصلا بهدف توسيع قاعدته. وبصعود ترامب تخلو عن كل هذا وأصبحوا الحزب الذي يعبر عن مظالم البيض.
وفي هذا العام لن تكون هناك عملية تشريح للخسارة بسبب رد ترامب بل جلسة لتحضير الأرواح. والحزب الجمهوري ميّت، قتله ترامب ويرقص “لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” على قبره والطريقة الوحيدة لتذكر ذلك الحزب هي استحضار روحه الميتة.
امريكا ليست عظيمه ولم تكن يوما عظيمه الا عندما سكنها الهنود الحمر وماتت عندما اتى لها الاوربيين بعنصريتهم وجشعهم وحبهم للقتل والتوسع
هذه الأحداث تعيدنا إلى ذكريات ديموقراطية مصر الموؤدة و تبرز الدور الأساسي للقضاء النزيه (غير الشامخ) في حماية الديموقراطية و كذلك دور الإعلام الحر و الشجاع في توعية الناخب إزاء حملات التجهيل و التعمية و التضليل.