لندن- “القدس العربي: كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير أعده رونين بيرغمان ومارك مازيتي، قالا فيه إن الحكومة الإسرائيلية رفضت في السنوات الأخيرة، طلبات من أوكرانيا وإستونيا لشراء واستخدام برنامج التجسس بيغاسوس، لاختراق أرقام الهواتف المحمولة الروسية، وفقا لأشخاص على دراية بالمناقشات. وقالوا إن إسرائيل تخشى أن بيع السلاح الإلكتروني لخصوم روسيا سيلحق الضرر بعلاقة إسرائيل مع الكرملين.
وكانت كل من أوكرانيا وإستونيا تأملان في شراء بيغاسوس للوصول إلى الهواتف الروسية، كجزء من عمليات استخباراتية تستهدف، على الأرجح جارتها التي شكلت تهديدا متزايدا في السنوات التي سبقت غزو روسيا لأوكرانيا.
لكن وزارة الدفاع الإسرائيلية رفضت منح تراخيص لمجموعة أن أس أو، الشركة المنتجة لبيغاسوس، لبيعه إلى إستونيا وأوكرانيا إذا كان هدف تلك الدول هو استخدام السلاح ضد روسيا. وجاءت هذه القرارات بعد سنوات من قيام إسرائيل بمنح تراخيص لحكومات أجنبية تستخدم برامج التجسس كأداة للقمع المحلي.
ويعتبر بيغاسوس، أداة القرصنة بدون نقرة، مما يعني أنه يمكنه استخراج كل شيء وعن بعد من الهاتف المحمول المستهدف، بما في ذلك الصور وجهات الاتصال والرسائل وتسجيلات الفيديو، دون أن يضطر المستخدم إلى النقر على رابط تصيد لإعطاء بيغاسوس الوصول عن بعد. ويمكنه أيضا تحويل الهاتف المحمول إلى جهاز تتبع وتسجيل سري، مما يسمح للهاتف بالتجسس على صاحبه.
وفي حالة أوكرانيا، تعود طلبات بيغاسوس إلى عدة سنوات. منذ الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم في عام 2014، اعتبرت البلاد نفسها بشكل متزايد هدفا مباشرا للعدوان الروسي والتجسس. سعى المسؤولون الأوكرانيون للحصول على معدات دفاعية إسرائيلية لمواجهة التهديد الروسي، لكن إسرائيل فرضت حظرا شبه كامل على بيع الأسلحة، بما في ذلك بيغاسوس، إلى أوكرانيا.
وفي الحالة الإستونية، بدأت المفاوضات لشراء بيغاسوس في عام 2018، وسمحت إسرائيل في البداية لإستونيا بالحصول على النظام، على ما يبدو غير مدركة أن إستونيا تخطط لاستخدام النظام لمهاجمة الهواتف الروسية. قدمت الحكومة الإستونية مبلغا مقدما كبيرا من مبلغ 30 مليون دولار ثمنا للنظام.
إلا أن مسؤولا دفاعيا روسيا بارزا اتصل بعد عام، بوكالات الأمن الإسرائيلية لإخطارها بأن روسيا علمت بخطط إستونيا لاستخدام بيغاسوس ضد روسيا.
وبعد نقاش حاد بين المسؤولين الإسرائيليين، منعت وزارة الدفاع الإسرائيلية إستونيا من استخدام برامج التجسس على أي أرقام هواتف محمولة روسية في جميع أنحاء العالم.
وتخضع علاقة إسرائيل مع روسيا للتدقيق الدقيق منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا قبل عدة أسابيع، وقد انتقد المسؤولون الأوكرانيون علنا حكومة إسرائيل لتقديمها دعما محدودا فقط للحكومة الأوكرانية المحاصرة ورضوخها للضغوط الروسية.
وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، قد انتقد في خطاب افتراضي أمام الكنيست، يوم الأحد، إسرائيل لعدم تزويد بلاده بنظام القبة الحديدية المضادة للصواريخ وأسلحة دفاعية أخرى، ولعدم انضمامها إلى الدول الغربية الأخرى في فرض عقوبات اقتصادية صارمة على روسيا.
وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الشهر الماضي أن مسؤولين إسرائيليين رفضوا في آب/ أغسطس طلبا من وفد أوكراني لشراء بيغاسوس، في وقت كانت القوات الروسية تحتشد على الحدود الأوكرانية.
وفي صباح يوم الأربعاء، ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” و”الغارديان”، وهي جزء من كونسورتيوم من المؤسسات الإخبارية يدعى مشروع بيغاسوس، أن هذه المناقشات تعود إلى عام 2019، وأفادت أولا أن إسرائيل منعت جهود إستونيا للحصول على بيغاسوس.
وقال مسؤول أوكراني كبير مطلع على محاولات الحصول على نظام بيغاسوس إن مسؤولي المخابرات الأوكرانيين أصيبوا بخيبة أمل عندما رفضت إسرائيل السماح لأوكرانيا بشراء النظام، والذي كان يمكن أن يكون حاسما لمراقبة البرامج العسكرية الروسية وتقييم أهداف السياسة الخارجية للبلاد.
وقال المسؤول إن وجهة نظر أوكرانيا كانت أن إسرائيل، في اتخاذ قراراتها بشأن ترخيص بيغاسوس، أعطت أهمية أكبر لعلاقة الحكومة مع الكرملين من سجله في مجال حقوق الإنسان. وامتنع ممثلو السفارة الأوكرانية في واشنطن ووزارة الخارجية الإستونية عن التعليق. وقالت مجموعة أن أس أو في بيان لها إن الشركة “لا يمكنها الإشارة إلى العملاء المزعومين ولن تشير إلى الإشاعات والتلميحات السياسية”.
وكانت كل من أوكرانيا وإستونيا ذات يوم جزءا من الاتحاد السوفيتي، ومنذ ذلك الحين تعين عليهما العيش في الظل الطويل للجيش الروسي. وانضمت إستونيا إلى حلف الناتو.
وتلعب روسيا دورا قويا في جميع أنحاء الشرق الأوسط، لا سيما في سوريا، وتخشى إسرائيل من إغضاب موسكو بشأن قضايا أمنية حساسة. على وجه الخصوص، سمحت روسيا بشكل عام لإسرائيل بضرب أهداف إيرانية ولبنانية داخل سوريا – وهي غارات يرى الجيش الإسرائيلي أنها ضرورية لوقف تدفق الأسلحة التي ترسلها إيران إلى القوات العميلة المتمركزة بالقرب من الحدود الشمالية لإسرائيل.
ولطالما نظرت الحكومة الإسرائيلية إلى نظام بيغاسوس على أنه أداة مهمة لسياستها الخارجية. فقد كشفت مقالة نشرتها مجلة نيويورك تايمز هذا العام كيف أن إسرائيل، لأكثر من عقد من الزمان، اتخذت قرارات إستراتيجية بشأن الدول التي تسمح لها بالحصول على تراخيص لبيغاسوس، وأي الدول تحجبها عنها. كما واستخدمت إسرائيل الأداة كورقة مساومة في المفاوضات الدبلوماسية.
ومنذ أن باعت شركة أن أس أو بيغاسوس لأول مرة إلى حكومة المكسيك منذ أكثر من عقد من الزمان، تم استخدام برامج التجسس من قبل عشرات الدول لتعقب المجرمين والإرهابيين وتجار المخدرات. لكن إساءة استخدام الأداة كانت واسعة النطاق أيضا، بدءا من استخدام السعودية لنظام بيغاسوس كجزء من حملة قمع وحشية ضد المعارضين داخل المملكة، إلى قيام رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان بتفويض أجهزة المخابرات وإنفاذ القانون الخاصة به لنشر برامج التجسس ضد معارضيه السياسيين.
وقررت الإدارة الأمريكية في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، الشركة أن أس أو وشركة إلكترونية إسرائيلية أخرى على “القائمة السوداء” للشركات المحظور عليها القيام بأعمال تجارية مع الشركات الأمريكية.