نيويورك تايمز: زيارة ماكرون للجزائر كانت محاولة للمصالحة مع الماضي بدون ندم أو اعتذار رسمي

إبراهيم درويش
حجم الخط
1

لندن ـ “القدس العربي”:
علق مراسل صحيفة “نيويورك تايمز” روجر كوهين على زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي استمرت ثلاثة أيام للجزائر بأنها  كانت محاولة لإعادة تشكيل علاقة مؤلمة مع الجزائر، حيث قال ماكرون إنه يبحث عن “الحقيقة والإعتراف” بالحرب والإستعمار.
وأشار كوهين إلى أن الرئيس مر على القبور المسيحية في مقبرة سانت يوجين، ومضى في طريقه قبل أن يضع إكليل ورود على ضريح لمن “ماتوا من أجل فرنسا”. وللحظة، فموضوع فرنسا في الجزائر هو من أكثر الفصول المؤلمة، والواضحة في أشباح من سكنوا فرنسا تلك على الجانب الآخر من البحر المتوسط كما قال ماكرون في هذا العام.
وقال جيل كيبل، المؤرخ المختص بالشرق الأوسط والمبعوث الخاص لماكرون وهو يتحدث وسط أشجارالصنوبر والنخيل ووسط جوقة من ذباب السيكادا التي تنافس النشيد الوطني الفرنسي “تذكرتي بمقبرة في الأقاليم الفرنسية”، وصمت للحظة قائلا “وهي، في الحقيقة، ما كانت عليه”. وعلى مدى 132 عاما وقبل أن تنهي حرب الثمانية أعوام القاسية سيطرة فرنسا على الجزائر عام 1962، كانت الجزائر أكثر من كونها مستعمرة، فقد كانت رسميا جزءا من فرنسا، نسجت بشكل عميق في النفسية الوطنية، بحيث لم تؤد 60 عاما على استقلال الجزائر لإنهاء فكرة الانفصال.

قال جيل كيبل، المؤرخ  والمبعوث الخاص لماكرون وهو يتحدث وسط أشجارالصنوبر والنخيل ووسط جوقة من ذباب السيكادا التي تنافس النشيد الوطني الفرنسي “تذكرتي بمقبرة في الأقاليم الفرنسية”، وصمت للحظة قائلا “وهي، في الحقيقة، ما كانت عليه”

ويريد ماكرون، 44 عاما، والذي يعمل على مشروع تحويلي تغيير هذا الواقع. ومن أجل تحقيق هذا جلب معه وفدا كبيرا، ضم عددا من الفرنسيين- الجزائريين من حملة الجنسية المزدوجة في رحلته التي استمرت ثلاثة أيام للجزائر القلقة. ومدح الشركات الناشئة وراقب عرضا راقصا وترأس اجتماعا غير مسبوق للجنرالات الفرنسيين والجزائريين ووقع على “إعلان الجزائر” والذي حدد معالم التعاون في مجالات تشمل على الطاقة والتنمية والرياضة.
ووصف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، 76 عاما، بلهجة رتيبة تتناقض مع لهجة ماكرون المفعمة بالنشاط الزيارة بأنها “ممتازة، ضرورية ونافعة”.
ووصل تبون إلى السلطة بعد انتخابات مختلف عليها عام 2019 وفي أعقاب الثورة الشعبية التي أنهت عشرين عاما من حكم عبد العزيز بوتفليقة. وفشلت الحركة في كسر جهاز الدولة القمعي الذي اعتمد على موارد النفط والغاز للحد من الحرية والفرص. والسؤال عن إمكانية التغيير مع حكومة لم تتغير ووصفها ماكرون العام الماضي بطريقة اغضبت الجزائريين بأنها تعيش على “المعاش المدفوع من الماضي”، حيث قصد في كلامه توطيد الحكام سلطانهم من خلال التركيز المستمر على جرائم الفرنسيين.
وفي نفس الوقت، تساءل ماكرون إن “كانت هناك في الحقيقة أمة جزائرية قبل الإستعمار الفرنسي”. وكانت الزيارة محاولة لتجاوز آثار الشجار وتداعيات تصريحاته السلبية. ونقل الكاتب عن صاحب مطعم في وهران، ثاني كبرى المدن الجزائرية، نور الدين سعود، “أشك في تغير أي شيء”. وأضاف “قادتنا يقومون بالتسوق في فرنسا ولم يسمحوا لي حتى ببناء شرفة خارج المطعم، وبدون أي سبب، وبأي شيء يهتمون؟”.
وكانت العاصمة الجزائرية مغلقة تقريبا، حيث تأكدت شبكة الجيش والأمن التي تمارس السلطة العليا في البلاد منذ عقود، من عدم وجود أي عرقلة. وكانت الشرطة في كل مكان، وهذا بلد لديه 1.000 ميل مربع على شاطئ البحر المتوسط وبدون سياحة لأن السياح يحضرون معهم الكاميرات ليفتحوا العيون ويجلبوا الموارد وفرص العمل.
وبحسب الكاتب ففي وهران حيث التقى ماكرون وجها لوجه مع الجزائريين، تخلل الترحيب به هتافات استعادت “الشهداء”، وهو “تذكير بالعقلية الرجعية التي يحاول ماكرون التغلب عليها”.
وقال كمال داوود، الكاتب والمثقف الذي يعيش في وهران “في الجزائر، كل شيء كالمعتاد ونفس الطقوس ونفس النفق السياسي القديم” و “لكن في وهران، أدار ماكرون حوارا مع ممثلي الجزائريين في البلد، وكان ماكرون مباشرا لديه فهم مع تبون وأعتقد أنها اللحظة الأخيرة لإنعاش العلاقات الميتة”.
واتفق ماكرون مع تبون على فتح شامل للأرشيف الوطني في البلدين وتشكيل لجنة مشتركة من المؤرخين تقوم بفحص ما تبقى من الماضي المر، وهناك خلاف حول ضحايا الحرب بين الفرنسيين والجزائريين، نصف مليون أو مليون ونصف. وعندما وقف ماكرون أمام المقبرة قال إنه جاء للبحث عن “الحقيقة والإعتراف” ورفض “الندم”، أو تقديم اعتذار رسمي فيما وصفها عام 2017 وقبل أن يصبح رئيسا بـ “الجريمة ضد الإنسانية” في الجزائر. وبدا عنوان ثالث صحيفة في الجزائر “لو سوار دالجيري” واضحا في التعبير عن غياب الشجاعة عند ماكرون “في الجزائر، افتقد ماكرون شجاعة القادة العظام” واتهمته في تعليق على الصفحة الأولى بأنه فشل في التراجع عن “الكذبة الكبرى”، وهذه إشارة على أن السخط العميق سيظل باقيا.
وتعتبر الجزائر مصلحة وطنية فرنسية، وأصبحت مهمة مع الحرب في أوكرانيا التي أثرت على أسعار الطاقة وأجبرتها على تنويع مصادر الطاقة بعيدا عن الغاز الروسي، مع أن اقتصاد فرنسا أقل اعتماد على الغاز من بعض الدول الأوروبية. ولدى فرنسا ثالث أكبر السفارات في الجزائر بعد واشنطن وبيحين. ويضع ملايين الفرنسيين من ذوي الأصول الجزائرية والمرتبطين بالجزائر عبر الجنسية المزدوجة إلى جانب 900.000 فرنسي جزائري يعرفون بأصحاب الأقدام السوداء وتم ترحيلهم عام 1962 ، البلد في قلب السياسة المحلية الفرنسية. ولم يعبر اليمين الفرنسي المتطرف عن استعداد لتناسي الجزائر، فالمشاريع القاتمة حول المدن تعطي صورة عن استبعاد المهاجرين. وأدت الهجمات التي نفذها متشددون إسلاميون لزيادة المشاعر الساخطة من المهاجرين. وتعمق سوء الفهم المتبادل. وفي افتتاحه للجمعية الوطنية الـ 16 في الجمهورية الخامسة، قال أكبر عضو فيها خوسيه غونزاليس، 79 وأحد ممثلي التجمع الوطني المتطرف “أنا رجل لا تزال روحه مجروحة وللأبد بشعور الهجران” في إشارة لمغادرته وهران “لقد نزعتني عاصفة التاريخ من وطني”. وكان تذكيرا بأن الجراح لم تلتئم. ولم يحاول أي رئيس فرنسي مثلما حاول ماكرون المولود بعد استقلال الجزائر لإعادة تشكيل طبيعة العلاقة بين البلدين. فقد اعترف ولأول مرة باستخدام القوات الفرنسية الواسع التعذيب وطلب المغفرة للتخلي عن مئات الألاف من الجزائرين المعروفين بالحركيين والذين قاتلوا إلى جانب فرنسا في حرب الإستقلال. وقال بنجامين ستورا المؤرخ الذي أعد تقريرا طلبته الحكومة عن الجزائر ورافق ماكرون في زيارته ” لن نقلب كل شيء في خطاب واحد أو زيارة واحدة”و “لكننا نريد تحرير التاريخ وتحرير المزيد من الناس والتداول والعرض، مع عدد من الفرنسيين- الجزائريين في وفدنا ما هي فرنسا الحقيقية اليوم””. ورافق طهاة، أكاديميون، ونجوم الفن واقتصاديون وساسة ماكرون في زيارته. وقال كيبل، المؤرخ الذي كان ضمن الوفد إنه لاحظ أن ربع الجوازات التي جمعت على الطائرة الرئاسية كانت خضراء أو جزائرية.

إلى حد ما فقد حرفت الجزائر نظرها عن فرنسا. وبنت الجامع الكبير الذي يتسع لـ 120 ألف مصل وبكلفة غير معروفة، وأصدرت امرا لتبني الإنكليزية بدلا من الفرنسية في المدارس الإبتدائية وقوت علاقاتها مع الرئيس فلاديمير بوتين.

وإلى حد ما فقد حرفت أكبر دولة في افريقيا نظرها عن فرنسا. وبنت الجزائر في الجزائر الجامع الكبي، الذي يتسع لـ 120.000 مصل وبكلفة غير معروفة وبمساعدة من الشركات الصينية، وأصدرت أمرا لتبني اللغة الإنكليزية بدلا من الفرنسية في المدارس الإبتدائية وقوت علاقاتها مع الرئيس فلاديمير بوتين.
وبالنسبة للحرب في أوكرانيا توصل ماكرون إلى أن “الأمة الجزائرية نشأت من الحرب ضد الاستعمار والإمبريالية، والحرب في أوكرانيا حرب قوة إمبريالية واستعمارية ضد بلد جار” و”لهذا فالشعب الجزائري هو ضد الحرب الإستعمارية”. لو كان هذا ببساطة، فمعظم الجزائريين مثل سكان العالم الثالث يرون الإمبريالية متجسدة في مرحلة ما بعد الحرب الباردة في توسع حلف الناتو.
وفي المقبرة تبع الوفد ماكرون إلى مقبرة لليهود الذي كان عددهم في الجزائر يصل إلى 130.00 وكلهم ذهبوا. وتذكرهم ماكرون في خطاب عاطفي هذا العام للفرنسيين الجزائرين ووصف شعور الكثيرين بسوء الفهم و قال “عوملتم باحتقار بسبب قيمكم ولغتكم ولهجتكم وثقافتكم وذكائكم” وهم “ينتقلون من شاطئ إلى آخر”. وعندما سئل ماكرون عن نقده للحكومة الجزائرية في العام الماضي وإن تم تناسيه قال “هذه قصة حب بجانب تراجيدي، لا تستطيع المصالحة لو لم تكن غاضبا. وحاولت منذ أن اصبحت رئيسا مواجهة الماضي وجها لوجه”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ميساء فلسطين:

    ستعتذر فرنسا حتما إن لم يكن اليوم فغدا،. لننتظر ونراقب فالشتاء قادم

إشترك في قائمتنا البريدية