لندن- “القدس العربي”:
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقال رأي للصحافية مويا لوثيان ماكلين قالت فيه إن بريطانيا منقسمة اليوم بين ساستها الداعمين للحرب في غزة وإسرائيل وشعبها الرافض للحرب والمطالب بوقف إطلاق النار.
وقالت إن يوم الهدنة في بريطانيا هو شأن مفهوم يتم تذكره بدقيقتي صمت في الساعة الحادية عشرة صباحا. ولكنه تحول هذا العام إلى حدث باحتجاجين مختلفين تدفقا على لندن. الأول تكون من مئات الآلاف من الناس الداعين لوقف إطلاق النار خط طريقه مثل الثعبان وبسلام في غرب العاصمة وفوق جسر نهر التيمز، خليط من الأحمر والأبيض والأسود والأخضر. أما الاحتجاج الثاني فقد شمل على مئات من متطرفي اليمين المتطرف وشبكات الغوغائيين من مشجعي كرة القدم وتجمعوا ليس بعيدا عن البرلمان وعلى ما يبدو لحماية نصب الحرب التذكاري.
ومع نهاية اليوم تم اعتقال 145 شخصا معظمهم من عناصر اليمين المتطرف. وتقف خلف الاضطرابات وزيرة الداخلية السابقة سويلا بريفرمان التي قضت أياما وهي تضغط على قوات الأمن لكي تلغي التظاهرة المؤيدة للفلسطينيين والتي اعتبرت المشاركين فيها “دعاة كراهية”، وعندما فشلت محاولاتها هذه كتبت مقالا بدون موافقة على ما يبدو من رئيس الوزراء ريشي سوناك واتهمت فيه الشرطة بالتحيز وهو تدخل تحريضي كان له الأثر في دفع اليمين المتطرف إلى لندن السبت.
وعزلها سوناك الإثنين، وترافق عزلها مع العودة الصادمة للساحة السياسية لرئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون، مهندس سياسة التقشف والبريكست. ورغم مواقفها المتطرفة، إلا أن بريفرمان هي جزء من إجماع المؤسسة السياسية البريطانية على دعم حرب إسرائيل في غزة. وفي نفس الوقت، ومع تصاعد الكارثة الإنسانية في القطاع، هناك حركة شعبية تدعو إلى وقف إطلاق النار وتتزايد قوة وتجد دعما من كل البلد تقريبا، إلا أن قادة ويستمنستر لم يتزحزحوا عن دعمهم للعمل العسكري، حيث ينقسم الواقع في بريطانيا إلى قسمين في ظل التباعد بين الساسة والرأي العام.
وبدأت التظاهرات مباشرة بعد هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر وبعد خمسة أسابيع لا يزال الرأي العام ينتظر الساسة لتفهم حجم الكارثة الإنسانية. وتقود حملات الاحتجاج، جماعات مناصرة الفلسطينيين وناشطو السلام ونقابات العمال حيث شاركت فيها أعداد لا تصدق من أنحاء البلاد. ورغم التباين في عدد المشاركين الذي يقدمه المنظمون والشرطة، إلا أن حركة الاحتجاج بدون شك هي أضخم حركة تشهدها بريطانيا منذ 20 عاما. وتعتمد على عدد من الأساليب، فإلى جانب احتجاجات السبت في لندن، هناك اعتصامات ومحاولات للتظاهر أمام مصانع الأسلحة.
وتم استقبال هذه التحركات ومنذ البداية بالشك وحملات التشويه من الرموز السياسية المؤثرة والمشهد الإعلامي. وكان الاتهام الرئيسي هو أن معارضة الحملة العسكرية هي نوع من معاداة السامية، وهو اتهام لم يؤد إلى قمع الزيادة الحقيقية في معاداة السامية في البلد وتعمل اتهاماتهم كل جهدها على تعزيز الانقسامات.
وفي الوقت التي عكرت الشيطنة صفو المشاركين في المسيرات إلا أنها لم تخفف من المطلب الرئيسي وهو أن غالبية البريطانيين تدعم وقف إطلاق النار. ولكن ليس ساسة بريطانيا، فلم يطالب إلا زعيم سياسي واحد بوقف إطلاق النار ألا وهو رئيس وزراء اسكتلندا، حمزة يوسف، الذي لديه أفراد عائلة في غزة. أما نظيره الويلزي مارك دريكفورد فليس لديه هذا المعتقد.
ورفض سوناك وزعيم العمال كير ستارمر دعم وقف إطلاق النار ولكن يدعمون وقفات إنسانية. وأصبحت هذه العبارة التي لم تكن موجودة في الخطاب السياسي من قبل، مبتذلة ويلوح بها من في البرلمان كدرع. ويأمل أمثال سوناك وستارمر أن يؤدي دعمهم للتوقف الإنساني والذي يتظاهر بدعم المدنيين والكارثة التي حلت بهم، بمنع النقد لهم برفضهم الدعوة لوقف إطلاق النار وإصرارهم على أن عملية إسرائيل في غزة هي دفاع عن النفس.
وبالنسبة لسوناك، فهذا النهج ليس مستغربا، فلطالما ربط حزب المحافظين نفسه بإسرائيل ورفض النواب المحافظون الحاليون إظهار أي اهتمام بقيادة أخلاقية. والتوقعات من سوناك، وهو بطة عرجاء تمشي نحو هزيمة منكرة، تظل متدنية.
والأمر مختلف بالنسبة لكير ستارمر، الذي بنى سمعته على أنها أبرز محامي حقوق إنسان في بريطانيا. وبنى صورته لقيادة البلد بأنه القانوني. فكمدير سابق لمكتب النيابة العامة، أبعد نفسه عن قادة المحافظين المشكوك بنواياهم وعزز إيمانه بالقانون والنظام، وزعم دائما أن بوصلته تتجه نحو الشمال. ولهذا فإن التردد حول ما تصفه الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي صوابا في تقييمها لحرب إسرائيل في غزة وخرقها للقانون الدولي وقد تصل إلى حد التطهير العرقي، كما يقول خبير حقوق إنسان في الأمم المتحدة، كشف عن الفساد الأخلاقي العميق لستارمر، وبخاصة مقابلته في تشرين الأول/أكتوبر التي دعم بها حصار إسرائيل لغزة و”حقها” بمنع الطعام والشراب عن السكان.
وترك حوالي 50 عضوا في المجالس بالمحلية ببريطانيا الحزب احتجاجا على موقف ستارمر، واستقال عدد من وزرائه في المقاعد الأمامية. وكان عمران حسين، قد استقال من أجل أن يكون حرا في التصويت على مشروع قرار تقدم به الحزب الأسكتلندي لوقف إطلاق النار. وقال نواب الحزب إنهم تلقوا وابلا من الأسئلة بشأن موقف الحزب من غزة. وفي يوم الأربعاء قرر 56 نائبا تحدي ستارمر وصوتوا لصالح وقف إطلاق النار.
ولم يتغير وضع الحزب في استطلاعات الرأي لكن مواقف ستارمر من الحرب أصبحت محل النظر. وربما منح الجدل حول التعديل الوزاري ستارمر فرصة للتنفس، ومع اهتمام الصحافة بعودة كاميرون للسياسة تعرض أكبر مستشفى في غزة، الشفاء لاقتحام وتحول لقنبلة حية، علق فيه الأطباء وهم يحاولون إنقاذ الأطفال الخدج الذين أخرجوا من الحاضنات بعد نفاد الأوكسجين. وفي مشهد الرعب، يحرف ساسة بريطانيا نظرهم ويقف الرأي العام شاهدا.