نيويورك : تنحية الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن منصبه باتت ضرورة ملحة نظرا لإيجابيات مثل هذه الخطوة بالنسبة للولايات المتحدة ككل، خاصة في ظل عدم وضوح الرؤية بشأن مآل البلاد في حال أشرف ترامب، على إدارتها لسنتين إضافيتين، وفقا لما قاله الكاتب توماس فريدمان في صحيفة “نيويورك تايمز”، الذي حذر، ايضاً، من استمرار ترامب في منصبه، موضحاً أن ذلك يزعزع استقرار الولايات المتحدة ويضر باقتصادها، وهو ما يحيل إلى ضرورة اقتراح تنحيته عن منصبه رئيسا للبلاد.
وطالب فريدمان قادة الحزب الجمهوري بالتصريح أنه في حال عدم إحداث ترامب، لأي تغيير على طريقته في إدارة الحزب، فإنهم سيضطرون إلى الضغط عليه حتى يقدم استقالته، وبشكل عام، يجدر بهذه المطالب أن تنبثق من صلب الجمهوريين أنفسهم، كما أن المساعي الرامية لإقالة الرئيس الحالي للولايات المتحدة يجب أن تدور في فلك الوحدة الوطنية، أو أنها ستحقق نتائج عكسية وتؤدي إلى تمزيق البلاد بشكل أكبر.
سلوك ترامب أصبح متقلبا للغاية، في حين أن سلسلة أكاذيبه لا تزال مستمرة، فضلا عن أن استعداده لأداء الوظائف الرئاسية التي يتطلبها منصبه يكاد يكون منعدما
ولاحظ الكاتب المعروف أن سلوك ترامب أصبح متقلبا للغاية، في حين أن سلسلة أكاذيبه لا تزال مستمرة، فضلا عن أن استعداده لأداء الوظائف الرئاسية التي يتطلبها منصبه يكاد يكون منعدما. وفي الغالب، يتعين على الرئيس استشارة الخبراء الحكوميين قبل إجراء تغييرات كبيرة وتعيين موظفين يتسمون بالكفاءة.
وقال: “تضمنت فترة ولاية ترامب تبني سياسات قائمة على ربط قنوات التواصل مع روسيا وازدراء الحلفاء والسخرية منهم، وهو ما يعتبر أمرا مزعجا للغاية. ومن هذا المنطلق، يمكن لاستمرار دونالد ترامب في منصبه لسنتين إضافيتين أن يمثل تهديدا أمنيا حقيقيا للولايات المتحدة الأمريكية، كما من المستبعد أن يكون نائبه مايك بنس أسوأ منه في حال توليه هذا المنصب فور تنحية ترامب”.
وأوضح أن الولايات المتحدة الأمريكية حجر أساس الاستقرار الأمني في العالم، وأن الضرر الذي يحدثه ترامب سيقوض هذا الاستقرار ويخلق حالة اضطراب على مستوى باقي الدول. ويبدو أن دونالد ترامب لا يعرف شيئاً عن تاريخ الولايات المتحدة الزاخر بالازدهار ودعم حقوق الإنسان والحريات، وهو ما تجلى من خلال خطاب استقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس.
يمكن لاستمرار دونالد ترامب في منصبه لسنتين إضافيتين أن يمثل تهديدا أمنيا حقيقيا للولايات المتحدة الأمريكية
وأوضح الكاتب أن ترامب يتجنب النظر في المعضلات التي يواجهها الاتحاد الأوروبي ويفكر في الانسحاب من حلف الناتو بشكل سري، وهو ما يعكس عدم مبالاته إزاء هذه المؤسسات التي تحتاج إلى التدخل الأمريكي من أجل إصلاحها. ونتيجة لذلك، تحولت الولايات المتحدة من مرساة للاستقرار العالمي إلى محرك لعدم الاستقرار، ومن دولة ديمقراطية قوامها الثقة والحقيقة إلى دولة يهاجم رئيسها هذه المبادئ بشكل مستمر.
و لفت الكاتب الانتباه إلى أن آخر مناسبة شهدت انعزال الولايات المتحدة عن العالم بهذا الشكل كانت خلال فترة الثلاثينات، التي تلتها الحرب العالمية الثانية. وغالبا ما تواجه عدة المؤسسات، مثل منظمة حلف الشمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي ومنظمة التجارة العالمية، تفككا سريعا عند مرور الولايات المتحدة بفترة فراغ أو عند سقوطها في قبضة رئيس وقح مثل ترامب.
وعلى سبيل المقارنة، في حال كان رئيس تنفيذي لشركة أمريكية يتصرف مثل ترامب على مدى السنتين الماضيتين، ويغلب على مواقفه الكذب والتخلي عن مساعديه دون إيلائهم أي اهتمام، ويعمد إلى نشر تغريدات مثل المراهقين وتجاهل نصيحة الخبراء، كان سيقع طرده من قبل مجلس إدارة الشركة منذ فترة طويلة. لذلك لا يجب أن نتوقع أقل من هذا المصير لترامب.
وأشار الكاتب إلى أن عدم الاستقرار الذي خلفته سياسات ترامب، بما في ذلك هجماته على رئيس مجلس المحافظين للنظام الاحتياطي الفدرالي، الأمر الذي يجعل المستثمرين يتساءلون بشأن حقيقة وجود إدارة اقتصادية وجيوسياسية في ظل تباطؤ الاقتصاد وإمكانية وقوع البلاد في أزمة اقتصادية.
وتتواتر مثل هذه الشكوك في ظل حكم رئيس تدفعه غريزته لإلقاء اللوم على الآخرين وقد سبق له وأن تخلى عن أكثر السياسيين المحيطين به رصانة، كان ماتيس آخر هؤلاء السياسيين الذين غادروا إدارته.
من الواضح للعيان أن دونالد ترامب رئيس مختلف. وأحترم الأشخاص الذين صوتوا لصالح ترامب لأنهم اعتقدوا أن النظام يحتاج إلى شخص قادر “على إحداث تغيير كبير” وقد نجح في القيام بهذا الأمر في مجالات عديدة. وأتفق مع ترامب حول الحاجة إلى إرساء بعض التغييرات فيما يتعلق بالوضع الراهن الذي يميز العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وإعادة التفكير في الانتشار الأمريكي في دول على غرار سوريا وأفغانستان.
وأشار فريدمان إلى أن المواطنين كانوا يطمحون إلى إرساء تغييرات، لكن ترامب قدم لهم الدمار والارتباك والجهل المطلق. على الرغم من أنه من الضروري إحداث تغييرات في بعض المجالات، إلا أن البلاد في حاجة ماسة إلى الابتكار في مجالات أخرى. وفي حين أنه من الجوهري إقامة جسور تواصل في القرن الواحد والعشرين، كل ما يستطيع ترامب التحدث عنه هو بناء جدار يفصل الولايات المتحدة عن المكسيك، وهو عمل سياسي يهدف إلى تعزيز قاعدته الجماهيرية بدلا من قيامه بإصلاحات متعلقة بالهجرة الشاملة التي يحتاجها الشعب حقا.
و أضاف أن أبرز التغييرات التي قام بها ترامب تتمثل في تقويض القواعد والقيم التي كان من المفترض أن يتمتع بها رئيس الولايات المتحدة والقيادة الأمريكية. كما جسد ترامب صورة غير ملائمة للمنصب الذي يتقلده. وحسب آخر إحصاء لصحيفة واشنطن بوست، قدم ترامب سبعة آلاف و546 ادعاء كاذب ومضلل حتى 20 كانون الأول/ ديسمبر، أي بعد 700 يوم من بداية ولايته.
وأفاد الكتاب أنه في حال قامت الولايات المتحدة الأمريكية بالتصرف بأنانية ووقاحة مثل ما يفعل ترامب، سيخيم على العالم جو من عدم الاستقرار. كما يمكن أن يحدث ذلك خللا في الأسواق العالمية وعلى المستوى الجغراسياسي، لن تتمكن الولايات المتحدة في حد ذاتها من مجابهته والتعامل معه.