نيويورك تايمز: علاقة معقدة بين أردوغان وبوتين تدفعها المصالح والعداء المتبادل

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن- “القدس العربي”: نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعده ستيفن إرلانغر، حلل فيه ملامح العلاقة المعقدة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب أردوغان، وأشار إلى أنها مدفوعة بالمصالح. فأردوغان يريد تدفق المال والتجارة والغاز الطبيعي ويتطلع لانتخابات حاسمة في العام المقبل، أما بوتين فهو يبحث عن أصدقاء لتجنب العقوبات الغربية.

وقال الكاتب إن الزعيم التركي يواجه مصاعب سياسية قبل انتخابات العام المقبل، اقتصاد في حالة انهيار، وبنك مركزي بدون عملة أجنبية تقريبا، وتضخم عال بنسبة 80% سنويا. أما فلاديمير بوتين فلديه مشاكله النابعة من الحرب في أوكرانيا، والمستنقع الذي خلقته له والعقوبات الاقتصادية القاسية التي ضربت الصناعة الروسية والاقتصاد بشكل عام. ودفعت التحديات المتبادلة الزعيمين للتعاون بشكل وثيق، حيث التقيا مرتين خلال الأسابيع الماضية، آخرهما في منتجع سوتشي الروسي للتخلص من مكامن الضعف وتوسيع ملامح الاتفاق في الشراكة بينهما في المجال الاقتصادي والتي يأمل أردوغان أن تصل إلى 100 مليار دولار. وهذا يثير غضب حلفاء أردوغان في الناتو الذين حاولوا زيادة سقف العقوبات ضد بوتين، وبناء إجماع يوقف حربه في أوكرانيا.

أردوغان يريد تدفق المال والتجارة والغاز الطبيعي ويتطلع لانتخابات حاسمة في العام المقبل، أما بوتين فهو يبحث عن أصدقاء لتجنب العقوبات الغربية.

وهناك من يتساءل عن ولاء أردوغان، أبعد من مصالحه الشخصية. وهناك من يشك في أن العلاقة المشتركة أثمرت منافع لأي منهما، وذلك بعد نشر التفاصيل عما جرى بينهما. بالنسبة لبوتين، فالمنافع تشمل الطاقة وصفقات السلاح ورابطة مع دولة عضو في الناتو، التحالف الذي يحاول عزله وهزيمته في أوكرانيا. أما تركيا التي ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي، فقد رفضت فرض العقوبات الغربية ضد روسيا. وهي تحاول البحث عن طرق للعمل مع البنوك الروسية التي فُرضت عليها العقوبات وقبول مدفوعات من خلال القروض الائتمانية الروسية.

ولم يتوقف الغاز الروسي عبر أنبوب “ترك ستريم”. وهناك تقارير عن محاولات روسية للحصول على دعم تركي من خلال “أنظمة فرعية” لأسلحتها التي لم تعد قادرة على الحصول على المكونات الغربية مباشرة. ويعتبر التعاون بالنسبة لأردوغان مصدرا للمال وتدفقه إلى المصرف المركزي والحصول على أهمية دولية وسوق كبير للصادرات الروسية وعودة السياحة الروسية، والموافقة على جهوده لسحق المقاتلين الأكراد الذين يحظون بدعم روسيا وحكومة بشار الأسد. ولكنّ الزعيمين لا يزالان “عدوان صديقان” جمع كلاهما سلطات في يديه، ولا يستشيران إلا نفسيهما.

وعندما التقيا في طهران الشهر الماضي، ترك أردوغان بوتين ينتظر دقيقة، حيث وقف الزعيم الروسي المعروف بهذا التصرف وترك زواره ينتظرون، غير مرتاح أمام عدسات الكاميرا. وتم تفسير التحرك بأنه تعبير لطيف عن تغير ميزان القوة بينهما، فقد ترك بوتين أردوغان منتظرا في السابق، حتى عندما عملا معا، مؤكدا على أن اليد العليا هي له.

وفي النهاية، اتسمت العلاقات بين البلدين عبر العلاقة الشخصية بين الزعيمين، حيث عقدت الاجتماعات خلف الأبواب المغلقة بدون معرفة وزير الخارجية التركي أو الرأي العام لماهية ما يجري بينهما. ويقول إلهان أوزغيل الذي درّس العلوم السياسية بجامعة أنقرة قبل عزله بمرسوم رئاسي: “دخلت السياسة الخارجية التركية مرحلة خطيرة”،  و”يلتقي الزعيمان معا ويتفاوضان، ولكنهما يجلسان في القصر إلى جانب عدد قليل من الأشخاص، ولا يعرف محتوى هذه المفاوضات سوى مجموعة صغيرة”.

واشترى أردوغان نظام دفاع صاروخي روسي متقدم، وهدد باستخدام الفيتو لمنع انضمام كل من السويد وفنلندا إلى حلف الناتو، وهناك معوقات أخرى قبل أن يصادق البرلمان التركي على انضمام الدولتين رسميا.

يتفق المحللون الأتراك على أن الهدف الرئيسي لأردوغان هو إعادة انتخابه، والمساعدة لمواجهة الإرهاب الكردي في سوريا والداخل

وتراقب واشنطن الوضع عن قرب، وقالت: “لقد حذرنا تركيا من عدم تحولها إلى ملجأ آمن للأرصدة والعقود الروسية غير الشرعية” وحثت تركيا على تخفيف اعتمادها على الطاقة الروسية. وجاء في بيان واشنطن، أن تركيا تدعم سيادة الأراضي الأوكرانية وتعتبر الغزو الروسي “غير مقبول”. وبالتأكيد فقد عارضت تركيا الغزو الروسي، ومنعت مرور البوارج الحربية الروسية عبر المضائق التركية إلى البحر الأسود، كما باعت الطائرات المسيرات لأوكرانيا والتي ساهمت في قتل الجنود الروس.

وبالنسبة للغرب، فتعامل أردوغان مع بوتين لم يكن سيئا، فقد حافظت تركيا على علاقاتها الدبلوماسية مع موسكو، وأصبحت الوسيط بين روسيا وأوكرانيا لتصدير القمح، وعقدت جولات لسلام ممكن. ويتحدث أردوغان ومساعدوه مع بوتين والرئيس الأوكراني فولديمير زيلينسكي بشكل منتظم.

وقال إيفو دالدر، السفير الأمريكي السابق في الناتو: “ترك أردوغان كل خياراته مفتوحة، وهو ما تفعله الدول عندما تفكر بمصالحها الذاتية، وما لا تفعله الدول الحليفة. لقد وجد طريقا لممارسة لعبته، لكنه يلعبها على حساب التحالف المهم لأمنه”. لكن دالدر أشار إلى أن وجود حليف بالناتو على علاقة مع بوتين أمر جيد “طالما قال الأمور الصحيحة، وحاول حل الموضوعات المترابطة مع أهداف التحالف وليس إضعافه”.

ويتفق المحللون الأتراك على أن الهدف الرئيسي لأردوغان هو إعادة انتخابه، والمساعدة لمواجهة الإرهاب الكردي في سوريا والداخل. ويقول أوزغيل: “أهداف حكومة أردوغان لا علاقة لها بتخفيف الضغط عن بوتين، لكن الطريق الصحيح لها في مسار الانتخابات”، ويضيف: “يواجه أردوغان ثلاث مظاهر قلق: الأول، إخبار الغرب أنه يستطيع التعامل مع بوتين، الثاني: يتوقع وصول المال من روسيا لكي يخفف معدلات العملة، وثالثا: يريد أن يكون متفقا مع روسيا في عملية التوغل التي يريد القيام بها في سوريا”.

وتراجعت شعبية أردوغان في استطلاعات الرأي قبل الانتخابات في العام المقبل، وتظل نقطة ضعفه هي الاقتصاد والتعب الشعبي والسخط على وجود ملايين اللاجئين السوريين في تركيا. وتقول أصلي أيدنطشباش، من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: “في كلا الموضعين لدى بوتين نفوذ كبير على أردوغان”. فروسيا هي مصدر العملة الصعبة والطاقة الرخيصة والوظائف. ولن تحتاج  روسيا إلا لعدد من الغارات الجوية على شمال سوريا لكي تدفع بمليوني لاجئ سوري إلى تركيا.

لا أحد في أنقرة راض عن سيطرة روسيا على جزء من المجال الشمالي لتركيا في البحر الأسود وأجزاء من مجالها الجنوبي في سوريا، ولكنهم يعرفون أن هناك حاجة لإقامة علاقات مع روسيا والتفاوض على تسويات مؤقتة لأن الخيار الآخر هو القتال

وفي ملف التهديدات الأمنية، تحتاج تركيا لعلاقات عمل متوازنة  مع روسيا، كما يقول سنان أولغين من معهد إيدام في إسطنبول، فقد دعمت تركيا أذربيجان في الحرب لاستعادة إقليم ناغورنو كارباخ، أما روسيا فقد تدخلت لإنقاذ أرمينيا. وقال أولغين: “تريد تركيا شراكة دبلوماسية مع روسيا في جوارنا، وفي ظل مناطق النزاع من ناغورنو كارباخ إلى سوريا، ولا تستطيع عزل روسيا”.

ويرى أولغين أن قدرة أردوغان على استضافة وزيري الخارجية الروسي والأوكراني والتوصل لصفقة مرور القمح الروسي والأوكراني عبر البحر الأسود “تثبت نهج تركيا المتوازن من روسيا”، مضيفا: “تركيا كانت داعمة لأوكرانيا بدون معاداة روسيا”. وقال إن المسؤولين الأتراك يعون حساسية الوضع من ناحية تنفيذ العقوبات ومنح انطباع أنهم يساعدون روسيا على تجنبها.

وتقول أيدنطشباش، إن العلاقة بين بوتين وأردوغان غريبة من ناحية أن كلا البلدين يتعاونان ويشاركان في الوقت نفسه بحروب وكالة في سوريا وليبيا، وفي الوقت نفسه تريد تركيا موافقة موسكو على التوغل في سوريا لمواجهة الأكراد هناك والحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار الهش. وتضيف: “لا أحد في أنقرة راض عن سيطرة روسيا على جزء من المجال الشمالي لتركيا على البحر الأسود وأجزاء من مجالها الجنوبي في سوريا، ولكنهم يعرفون أن هناك حاجة لإقامة علاقات مع روسيا والتفاوض على تسويات مؤقتة لأن الخيار الآخر هو القتال”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية