لندن – “القدس العربي”: منذ سبعينات القرن العشرين لعبت الولايات المتحدة دور الموازن والعراب النزيه في منطقة الشرق الأوسط، ولو تخلت عن دورها فستترك وراءها “شرق أوسطيين فقراء مجانين” هذا ما يراه المعلق توماس فريدمان في صحيفة “نيويورك تايمز”.
وهو هنا يوقع على عنوان فيلم شهير كل الممثلين والعاملين فيه آسيويين حطم شباك التذاكر في الولايات تحت عنوان “Crazy Rich Aisians” (آسيويون أثرياء مجانين). وكتب فريدمان “لقد استمتعت بالفيلم لأنه وبعيداً عن المواقف المضحكة ذكرني بنقطة مهمة: آسيا الثرية غنية في الحقيقة – ليس لأن فيها خلافات سياسية وإثنية ودينية مثل بقية المناطق بل لأنها في مناطق وفي أكثر من يوم تعلم سكانها وضع خلافاتهم جانباً وتركز على بناء أسس الثروة المستمرة: التعليم والتجارة والبنية التحتية والثروة البشرية وفي بعض الأماكن الناجحة حكم القانون. ويضيف أن معظم الدول الآسيوية أصبحت مزدهرة ليس من خلال اكتشاف مصادرها الطبيعية بل من خلال الإعتماد على ثرواتها البشرية بشكل منحها القدرة على اكتشاف إمكانياتها. وقال إن أحداً لو فكر بعمل شيء ممائل فسيكون “Crazy Poor Middleasterns” (شرق أوسطيون فقراء مجانين) لأن المنطقة وباستثناءات قليلة لم تكن في فوضى مثلما هي الآن ولديها أناس يتقاتلون على أشجار الزيتون ولديها مدن تحولت إلى حطام من الطوائف المتنافسة وضيعت إمكانياتها بشكل كبير.
وقال إن هذه المنطقة من العالم التي يجب أن تكون غنية جعلت نفسها فقيرة من خلال السماح للماضي كي يدفن المستقبل وهي المنطقة التي جعلت نفسها فقيرة لأنها سمحت للمستقبل كي يدفن الماضي.
أحمق
ويعلق الكاتب قائلاً إن الرئيس دونالد ترامب يريد الخروج من الشرق الأوسط ولكن خيارات الولايات المتحدة ليست البقاء أو الخروج بل هي أن تكون ذكياً أو أحمقا. وفي هذا المقام تصرف ترامب كأحمق. فقد قام بتحويل المسؤولية لمتعهدين محليين مثل السعودية وإسرائيل وصديقه فلاديمير بوتين. ومن هنا فترامب يتعلم الدرس بشأن ما يحدث عندما تكتب أمريكا صكوكاً على بياض للحلفاء والرفاق ممن يشاركون الولايات المتحدة ببعض المصالح ولكنهم يحملون دوافع متطرفة خاصة بهم بالإضافة إلى أنها تخلت عن قيادتها الدبلوماسية الحقيقية.
إيران
ويضيف إننا لو نظرنا إلى الصورة الأوسع فسنرى إيران قد توسعت أكبر من طاقتها ونشرت تأثيرها الديني والعسكري والسياسي الخبيث في اليمن والعراق ولبنان وسوريا حيث أقامت شراكة مع نظام الطائفة العلوية لبشار الأسد من أجل القيام بعملية تطهير عرقي للسنة من البلاد واستبدالها بالتشيع وهذا أمر قبيح قبيح.
أما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فقد أقام خلال السنوات الثلاث الماضية علاقة ذكية مع فلاديمير بوتين من أجل تغطية الغارات الجوية على المواقع الإيرانية في سوريا والتأكد من إبعاد روسيا الميليشيات الموالية لإيران عن الحدود مع إسرائيل. ويعلق فريدمان أنه حتى لو استطاعت إسرائيل اكتشاف شحنات إيرانية وهي في طريقها إلى الحرس الثوري في دمشق حوالي الساعة السادسة صباحاً ودمرتها في الساعة الثامنة صباحاً فإن إيران لم تتخل عن محاولاتها تحويل سوريا إلى قاعدة صواريخ متقدمة ضد إسرائيل.
وأشار الكاتب هنا لبداية الغارات الجوية الروسية على إدلب آخر المعاقل التابعة للمعارضة في سوريا وملجأ ملايين السنة الذين فروا من هجمات الغاز السام والغارات الأخرى. وأشار إلى تغريدة ترامب: “يجب على الرئيس بشار الأسد ان لا يهاجم بتهور محافظة إدلب. وسيرتكب الروسيون والإيرانيون خطأ إنسانياً في المشاركة في هذه المأساة الإنسانية المحتملة. وقد يقتل مئات الآلاف من الناس، لا تدع هذا الأمر يحدث”. ويبدو وكأن ترامب قد رسم خطاً أحمر في تغريدته هذه ولكن روسيا وإيران تخبران الولايات المتحدة وإسرائيل: بدون قوات على الأرض فلا صوت لكم ونحن ذاهبون للحرب.
والسؤال ماذا سيفعل ترامب لو تجاهله الأسد وروسيا وإيران؟ وماذا يفعل فريق ترامب في إسرائيل؟ يجيب أنه قام أولاً بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس ومنح حكومة بيبي نتنياهو الجائزة التي يريدها دون مقابل. وكان من الأجدر لو قال ترامب لنتنياهو إنه سينقل السفارة مقابل وقف النشاطات الإستيطانية في المناطق ذات الكثافة العربية والتي يمكن أن تخضع للفلسطينيين حالة تحقق السلام. وربما أسهم هذا في تقدم العملية السلمية لكن أمريكا قدمت أهم رصيد تملكه دون مقابل، أي حماقة هذه؟
معاقبة
والآن يقوم فريق ترامب بمعاقبة الفلسطينيين لأنهم رفضوا التفاوض مع نتنياهو، من خلال قطع الدعم عن السلطة والتي تذهب لمشاريع المياه ومعالجة المياه الصحية. كما أوقفت الدعم لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) والتي تعد لاعباً مهماً في الضفة الغربية وغزة ومصدراً للتعليم العلماني لا الديني للفلسطينيين. ويعتقد ترامب أنه قادر على ضرب الفلسطينيين بالهراوات بدون الطلب من إسرائيل ومنع الأمور من التدهور في الوقت نفسه. وستزداد الأمور سوءاً بالطبع حيث يمكن أن تؤدي لانهيار السلطة الوطنية. ومن الصعب بناؤها من جديد رغم ضعفها وفسادها. وستضطر إسرائيل لإدارة الحكم في الضفة وتدفع الثمن لهذا.
بن سلمان
وهناك السعودية، حيث يرى فريدمان أن ولي العهد محمد بن سلمان هو الوحيد بين العائلة المالكة الذي تجرأ وقام بتغييرات اجتماعية واقتصادية ودينية. وهو الوحيد الذي تبنى سياسة خارجية تقوم على البلطجة ويملك سلطة في الداخل وتبذيرًا في شراء الأمور الشخصية. وهذان هما نصفا رزمة بن سلمان: “ووظيفتنا هي المساعدة في الحد من الدوافع السيئة وتربية الجيدة منها ولكن ترامب لم يعين بعد سفيرا في الرياض”. وأكد الكاتب أن الديمقراطية ليست على أجندة السعودية ولكن الإصلاح الإجتماعي والإقتصادي والديني هو على الأجندة.
ولم يغير فريدمان موقفه من بن سلمان حيث دافع عنه وقال إن حكومته هي الأولى في التي عينت نساء في البلديات. وقارن بين دور السعودية في تصدير الإسلام الطهوري في مرحلة ما بعد عام 1979 والذي ساعد لاحقاً على هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
ويعلق قائلاً “ففكرة أن السعودية لديها اليوم زعيما يمكن أن يبدأ بتحويل الإسلام السني إلى معتدل ومنفتح، إسلام يمكن أن يعزل الراديكاليين الإسلاميين ويقوي المعتدلين في كل مكان هو في مصلحة أمريكية كبيرة وعليها دعمه”.
ويقول فريدمان إن بن سلمان بدأ في الفترة الأخيرة باتخاذ خطوات غير موفقة والتي تضر به وبالسعودية والولايات المتحدة. وحمل الكاتب هنا المستشارين الذين يظلون ينصحونه باتباع “المثال الصيني”. فقد أكدت الصين قوتها في بحر الصين الجنوبي واشتكى العالم وانتهى الأمر به التراجع عن شكواه. ومن هنا عندما انتقدت كندا سجلات حقوق الإنسان في السعودية رد بن سلمان وقطع العلاقات مع كندا “وكان رداً مفرطاً وغريباً. فالسعودية ليست الصين وهي بحاجة لأصدقاء ويجب ان تكون مثل دبي لا شنغهاي قوة ناعمة أكثر وبلطجة أقل”. وكل ما حققه بن سلمان من تغطية جيدة عندما سمح للمرأة بقيادة السيارة خربه عندما اعتقل الناشطات المدافعات عن حق المرأة بالقيادة بتهم علاقتهن بناشطين معادين للسعودية في لندن. ويتساءل فريدمان، هل حقيقة تشعر السعودية بتهديد من الناشطات؟ في وقت تورطت فيه السعودية والإمارات بحرب اليمن بسبب عقم الطيران السعودي وهما متهمتان الآن بجرائم حرب محتملة.
ويرى الكاتب أن مستقبل واستقرار منطقة الخليج يعتمدان على الإصلاحات في السعودية والتي تحتاج لاستثمارات سعودية وأجنبية في القطاع الخاص يوفر فرص العمل. وقال إن بن سلمان الذيو وضع السياسة والأمن قبل الإستثمار واعتمد على الحرس القديم ربما فقد البوصلة وخلق غموضا بدلا من الحصول على الإحترام. وهذا أدى إلى خروح أموال سعودية واستثمارات بدلاً من دخولها وهذه إشارات سيئة.
وفي النهاية يرى فريدمان أن فريق ترامب لا يفهم أن نقل التعهدات والنظام في المنطقة لإسرائيل وروسيا والسعودية وكتابة صكوك بيضاء لهم لا ينفع خاصة ان قادة هذه الدول بحاجة للولايات المتحدة لوضع الخطوط الحمراء حتى يقول للرؤوس القاسية من المتشددين “نحن معكم ولكن أمريكا لا تسمح لنا بفعل هذا”.