نيويورك تايمز: مواجهة بوتين مع أوكرانيا هي حربه الخاصة وعلينا ألا ننسى دور أمريكا والناتو فيها

حجم الخط
1

لندن- “القدس العربي”: نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالا للصحافي توماس فريدمان قال فيه إنه عندما يندلع نزاع كبير مثل أوكرانيا، يسأل الصحافيون أنفسهم دائما: “أين يجب أن أضع نفسي؟” كييف، موسكو، ميونخ، أم واشنطن؟. ويعلق قائلا “في هذه الحالة، جوابي ليس أيا منها. لأن المكان الوحيد لفهم هذه الحرب هو ما يجري في رأس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فهو أقوى زعيم روسي لا يكبحه شيء منذ ستالين، وتوقيت هذه الحرب هو نتاج طموحاته واستراتيجياته وشعوره بالظلم. ولكن مع كل ما قيل، فإن أمريكا ليست بريئة تماما من تأجيج نيرانه”. كيف ذلك؟.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو أقوى زعيم روسي لا يكبحه شيء منذ ستالين، وتوقيت حرب أوكرانيا هو نتاج طموحاته واستراتيجياته وشعوره بالظلم

يجيب فريدمان أن بوتين يتعامل مع طموح أوكرانيا ترك مجال نفوذه كخسارة إستراتيجية وإهانة شخصية ووطنية، مشيرا لما قاله يوم الإثنين في خطابه، إذ قال بالحرف الواحد إن أوكرانيا ليس لديها حق بالاستقلال لأنها جزء لا يتجزأ من روسيا – شعبها “مرتبط بنا بالدم والروابط الأسرية”. وهذا هو السبب في أن هجوم بوتين على حكومة أوكرانيا المنتخبة ديمقراطيا يبدو و”كأنه معادل جيوسياسي لجرائم الشرف”.

ويبدو أن بوتين يريد القول للأوكرانيين الذين يريد معظمهم الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أكثر من الناتو: “لقد وقعتم في حب الشخص الخطأ. لن تهربوا مع الناتو أو الاتحاد الأوروبي. وإذا اضطررت إلى ضرب حكومتكم حتى الموت وسحبكم إلى الوطن، فسأفعل”.

ويعلق الكاتب أن هذا أمر قبيح، ومع ذلك، هناك قصة خلفية ذات صلة. إن ارتباط بوتين بأوكرانيا ليس مجرد نزعة قومية صوفية.

وحسب فريدمان هناك جذعان ضخمان في شجرة يغذيان هذا الحريق. الجذع الأول يتمثل في قرار الولايات المتحدة غير المدروس في التسعينيات لتوسيع الناتو بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. أما الجذع الثاني والأكبر بكثير فهو كيف استغل بوتين بسخرية توسع الناتو بالقرب من حدود روسيا لحشد الروس إلى جانبه لتغطية فشل قيادته الهائل. فقد فشل بوتين تماما في بناء نموذج اقتصادي من شأنه أن يجذب جيرانها فعليا، ولا ينفرهم، ويلهم أكثر الأشخاص موهبة في تلك البلدان بالرغبة في البقاء، وليس الوقوف في طابور الحصول على تأشيرات سفر إلى الغرب.

ويعتقد فريدمان أن هناك حاجة للنظر إلى هذين الجذعين، فمن ناحية أمريكا، لم يول معظم الأمريكيين اهتماما كبيرا بتوسيع الناتو في أواخر التسعينيات وأوائل القرن الحادي والعشرين إلى دول في شرق ووسط أوروبا مثل بولندا والمجر وجمهورية التشيك ولاتفيا وليتوانيا وإستونيا، والتي كانت جميعها جزءا من الاتحاد السوفييتي السابق أو مجال نفوذها. لم يكن لغزا سبب رغبة هذه الدول في أن تكون جزءا من تحالف يلزم الولايات المتحدة بالدفاع عنها في حالة هجوم من قبل روسيا، وريثة الاتحاد السوفييتي.

ويكمن اللغز في أن تختار الولايات المتحدة – التي حلمت طوال الحرب الباردة بأن روسيا قد تشهد يوما ما ثورة ديمقراطية، وأن زعيما، مهما كان مترددا، سيحاول تحويل روسيا إلى دولة ديمقراطية والانضمام إلى الغرب – دفع الناتو سريعا في وجه روسيا عندما كانت ضعيفة.

وقامت مجموعة صغيرة جدا من المسؤولين وخبراء السياسة في ذلك الوقت، بمن فيهم الكاتب نفسه، بطرح نفس السؤال، لكن “لم يُستمع لأصواتنا”.

يبدو أن بوتين يريد القول للأوكرانيين الذين يريد معظمهم الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أكثر من الناتو: لقد وقعتم في حب الشخص الخطأ

الصوت الوحيد والأهم من إدارة كلينتون الذي طرح هذا السؤال لم يكن سوى وزير الدفاع بيل بيري، متذكرا تلك اللحظة بعد سنوات، قال بيري في عام 2016 في مؤتمر لصحيفة “الغارديان”: “في السنوات القليلة الماضية، يمكن توجيه معظم اللوم إلى الإجراءات التي اتخذها بوتين. لكن في السنوات الأولى يجب أن أقول إن الولايات المتحدة تستحق الكثير من اللوم. كان أول عمل اتخذناه حقا في اتجاه سيء هو عندما بدأ الناتو في التوسع، وجلب دولا من أوروبا الشرقية، بعضها على حدود روسيا”. و”في ذلك الوقت، كنا نعمل عن كثب مع روسيا وبدأوا في التعود على فكرة أن الناتو يمكن أن يكون صديقا وليس عدوا… لكنهم كانوا غير مرتاحين جدا لوجود الناتو مباشرة على حدودهم وأخذوا يناشدونا بقوة بألا نمضي قدما في ذلك”.

وفي الثاني من أيار/ مايو 1998، مباشرة بعد أن صادق مجلس الشيوخ على توسع الناتو، اتصل فريدمان بجورج كينان، مهندس احتواء أمريكا الناجح للاتحاد السوفييتي، بعد انضمامه إلى وزارة الخارجية عام 1926 والذي عمل سفيرا للولايات المتحدة في موسكو عام 1952، يمكن القول إن كينان كان أعظم خبير أمريكي في شؤون روسيا. على الرغم من أنه كان يبلغ من العمر 94 عاما في ذلك الوقت وكان صوته ضعيفا، إلا أنه كان حاد الذهن عندما طلب الكاتب رأيه في توسع الناتو. وهذا ما قاله تحديدا: “أعتقد أنها بداية حرب باردة جديدة. أعتقد أن الروس سوف يتصرفون تدريجيا بشكل عكسي وسيؤثر ذلك على سياساتهم. أعتقد أنه خطأ مأساوي. لم يكن هناك سبب لهذا على الإطلاق. لم يكن طرف يهدد أي طرف آخر. هذا التوسع سيجعل الآباء المؤسسين لهذا البلد يتحركون في قبورهم”.

وأضاف “لقد وقعنا على الاتفاقية لحماية مجموعة كاملة من البلدان، على الرغم من أننا لا نملك الموارد ولا النية للقيام بذلك بأي طريقة جادة. كان (توسع الناتو) ببساطة إجراء أرعنا من قبل مجلس الشيوخ الذي ليس لديه اهتمام حقيقي في الشؤون الخارجية. ما يزعجني هو مدى سطحية وخيبة نقاش مجلس الشيوخ برمته. لقد أزعجني بشكل خاص الإشارات إلى روسيا كدولة تحرص جدا على مهاجمة أوروبا الغربية”. وأضاف كينان: “ألا يفهم الناس؟ كانت خلافاتنا في الحرب الباردة مع النظام الشيوعي السوفييتي. والآن ندير ظهورنا للأشخاص الذين قاموا بأكبر ثورة غير دموية في التاريخ لإزالة ذلك النظام السوفييتي. والديمقراطية في روسيا متقدمة بنفس المقدار، إن لم يكن أكثر، من أي من هذه البلدان التي أضفناها للتو للدفاع عنها من روسيا. بالطبع سيكون هناك رد فعل سيء من روسيا، وبعد ذلك سيقول (من دعموا توسيع الناتو) إننا أخبرناكم دائما أن هذا هو حال الروس – لكن هذا بالتأكيد خطأ”. وهذا بالضبط ما حدث.
فمن المؤكد أن تطور روسيا بعد الحرب الباردة إلى نظام ليبرالي – كما فعلت ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية – لم يكن أمرا مؤكدا. ونظرا لتجربة روسيا الضئيلة مع الديمقراطية، فقد كان ذلك بعيد المنال. لكن البعض من المراقبين اعتقد بعد ذلك أنها كانت فرصة طويلة تستحق المحاولة، لأنه حتى روسيا الأقل ديمقراطية – إذا تم تضمينها بدلا من استبعادها من نظام أمني أوروبي جديد – ربما كان لديها اهتمام أو حافز أقل بكثير في تهديدها الجيران.

كل هذا بالتأكيد لا يبرر تفكيك بوتين لأوكرانيا. ففي خلال فترتي بوتين الأولين كرئيس – من عام 2000 إلى عام 2008، كان يتذمر أحيانا بشأن توسع الناتو لكنه لم يفعل أكثر من ذلك. كانت أسعار النفط مرتفعة في ذلك الوقت، كما كانت شعبية بوتين مرتفعة، لأنه كان يقود النمو المتصاعد للدخل الشخصي الروسي بعد عقد من إعادة الهيكلة المؤلمة والفقر في أعقاب انهيار الشيوعية.

ولكن على مدار العقد الماضي ومع ركود الاقتصاد الروسي، كان على بوتين إما أن يذهب إلى إصلاحات اقتصادية أعمق، والتي ربما كانت قد أضعفت سيطرته من أعلى إلى أسفل، أو مضاعفة حكمه الرأسمالي الفاسد.

عادة ما تتفاعل الدول والقادة مع الإذلال بإحدى طريقتين: العدوانية أو البحث عن الأسباب داخليا. وعندما شعر بوتين بالإهانة من الغرب بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتوسع الناتو، أجاب: “سأريكم. سأهزم أوكرانيا”

وأوضح ليون آرون، الخبير الروسي في معهد أمريكان إنتربرايز ومؤلف كتاب “يلتسين: حياة ثورية”، والذي يكتب الآن كتابا عن مستقبل روسيا بوتين، أن بوتين اختار الخيار الثاني. وقال آرون إنه من أجل تغطية هذا الخيار وصرف الانتباه عنه، حول بوتين أساس شعبيته من “كونه موزعا للثروة الجديدة لروسيا ومصلحا اقتصاديا إلى المدافع عن الوطن الأم”. وحين اختار بوتين لأسباب سياسية داخلية أن يصبح منتقما قوميا و”رئيسا في زمن الحرب”، كما قال آرون، فإن ما كان ينتظره هناك لكي يتشبث به كان التهديد الأكثر إثارة للمشاعر لحشد الشعب الروسي وراءه: ” ثمرة توسع الناتو الدانية”. وقد استغلها منذ ذلك الحين، على الرغم من أنه يعلم أن الناتو ليس لديه خطط للتوسع ليشمل أوكرانيا.

عادة ما تتفاعل الدول والقادة مع الإذلال بإحدى طريقتين – العدوانية أو البحث عن الأسباب داخليا. بعد أن عاشت الصين ما أسمته “قرن الإذلال” من الغرب، ردت في عهد دنغ شياو بينغ بالقول بشكل أساسي: “سنريكم. سنهزمكم في لعبتكم”. وعندما شعر بوتين بالإهانة من الغرب بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتوسع الناتو، أجاب: “سأريكم. سأهزم أوكرانيا”.

ويقول فريدمان “نعم، الأمر أكثر تعقيدا من ذلك، لكن وجهة نظري هي: هذه حرب بوتين. إنه زعيم سيء لروسيا وجيرانها. لكن أمريكا والناتو ليسا مجرد متفرجين أبرياء في تطوره”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ميساء:

    يعيش الدب الروسي بوتن،. حامي حمى الأمة الروسية الأرثوذكسية

إشترك في قائمتنا البريدية