نيويورك تايمز: هل استيلاء سعيّد على السلطة ينهي وعود “الثورة الكاذبة” أم أن الديمقراطية قادرة على تصحيح نفسها؟

إبراهيم درويش
حجم الخط
1

لندن- “القدس العربي”: قالت مراسلة صحيفة “نيويورك تايمز” فيفيان يي، إن تونس التي كانت مهد الربيع العربي، تشير بعد عقد من الزمان إلى أن الوعد الذي حمله كان فاشلا.

وقالت إن علي بوسليمي ظل بعد 3 أشهر من الإطاحة بالديكتاتور زين العابدين بن علي “سعيدا جدا”. وفي العقد الذي تلا الثورة، صوّت التونسيون على دستور جديد وعقدوا انتخابات حرة ونزيهة وحصلوا على حرية في التعبير. وبالنسبة لبوسليمي، فقد كان العقد يحمل الكثير من الوعود له، حيث أنشأ جماعة للدفاع عن حقوق المثليين، والتي كانت مستحيلة قبل عام 2011 عندما أُجبر المثليون مثله على النشاط سرا.

 إلا أن الآمال العالية للثورة تخثرت وتحولت إلى فوضى سياسية وفشل اقتصادي. وبدأ بوسليمي يتساءل مثل البقية إن كان حكم الفرد هو الحل للبلد أو كان قويا بدرجة تؤدي إلى إنجاز الأمور. ويقول بوسليمي: “سألت نفسي ماذا صنعنا بالديمقراطية؟”. وأضاف بوسليمي، مدير منظمة “موجودين”: “لدينا أعضاء فاسدون في البرلمان، وإن خرجت للشارع ستجد ناسا لا يستطيعون حتى شراء ساندويتش، ثم يظهر شخص بعصا سحرية ويقول إن كل الأمور ستكون على ما يرام”.

وحمل هذه العصا، قيس سعيد، الرئيس المنتخب والذي جمّد البرلمان في 25 تموز/ يوليو، وعزل رئيس الوزراء وتعهد بمكافحة الفساد، واتفقت معه غالبية التونسيين بفرح وراحة. وقالت يي، إن 25 تموز/ يوليو عقّدت من إمكانية الحديث عن ربيع عربي يحمل الأمل. فقد ظلت تونس بالنسبة للداعمين الغربيين والمتعاطفين العرب معها دليلا عن إمكانية ازدهار الديمقراطية في الشرق الأوسط، ولكنها تبدو اليوم إثباتا على أن الانتفاضات هي “وعد كاذب”، فمهد الثورات العربية تحكم عبر مرسوم رئاسي من شخص واحد.

وفي مناطق أخرى، والتي تبعت الثورة التونسية، فقد أعقبت الانتفاضات دمار في سوريا واليمن وليبيا وخنق المستبدون الانتفاضات في الخليج، فيما انتخب المصريون رئيسا قبل أن تتحول البلاد إلى ديكتاتورية عسكرية. لكن الثورات العربية أثبت أن القوة النابعة عادة من السلطات العليا، يمكن أن تشعل في الشوارع. وهو درس أكده التونسيون الذي تدفقوا إلى الشوارع مرة أخرى ضد البرلمان ومع سعيد، ولكن المتظاهرين هذه المرة هاجموا الديمقراطية. وقال طارق المجريسي، المتخصص في شؤون شمال أفريقيا بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: “سيتواصل الربيع العربي مهما حاولت قمعه ومهما تغيرت الظروف حوله، فالناس اليائسون سيحاولون تأمين حقوقهم”.

وتنبع شعبية الرئيس سعيد من نفس المظالم التي دفعت التونسيين والبحرينيين والمصريين واليمنيين والسوريين والليبيين للتظاهر قبل عقد من الزمان: الفساد، البطالة، القمع وعدم القدرة على توفير المعيشة اليومية. وبعد عشرة أعوام، شعر التونسيون أنهم ينزلقون للوراء في كل شيء باستثناء حرية التعبير. وقالت هيام بوكشينا (48 عاما) المقيمة في الجبل الأحمر، الحي الذي تسكنه الطبقة العاملة في العاصمة تونس: “لم نحصل على شيء من الثورة. لا نعرف ما هي الخطة ولكننا نعيش على الأمل”.

وتعلق يي أن التداعيات الشعبية تظل تهديدا للحكم المستبد. فالحكام العرب الذين يعون المظالم المتزايدة لشعوبهم ضاعفوا من القمع بدلا من معالجة الموضوعات، والوحشية التي مارسوها تدعو إلى ثورات جديدة في المستقبل، كما حذر المحللون. وفي حالة سعيد، فرهانه يعتمد على التقدم الاقتصادي، وتواجه تونس أزمة مالية تلوح بالأفق، وأزمة ديْن بالمليارات مستحقة هذا الخريف.

ولو عزلت الحكومة الموظفين في المؤسسات العامة وأوقفت الدعم وخفضت من الرواتب ولم تتحسن معدلات البطالة، فستتغير مشاعر الرأي العامة وترتد 180 درجة. ولن تمثل الأزمة الاقتصادية تحديا لسعيد فقط بل لأوروبا أيضا، التي لا تبعد إلا أميالا عن الشواطئ التونسية، والتي ستجذب إليها قوارب المهاجرين التونسيين بالآلاف.

لكن مكتب سعيد لم يتصل مع صندوق النقد الدولي الذي ينتظر مسؤولوه للتفاوض على حزمة إنقاذ، حسب دبلوماسي غربي بارز. ولم يتخذ أية خطوات باستثناء الطلب من باعة الدواجن وتجار الحديد لتخفيض الأسعار باعتبار هذا واجبا وطنيا.  وقال المجريسي: “الناس لا يدعمون بالضرورة سعيد ولكنهم كانوا يكرهون ما فككه. الأمور ستتغير بسرعة عندما يجدون أنه لم يقدم أي شيء”.

وبالنسبة للحكومات الغربية التي دعمت بداية الانتفاضات ثم عادت ودعمت الحكومات المستبدة باسم الاستقرار، فقد تكون تونس تذكيرا عما دفع المحتجين العرب للتظاهر قبل عقد، وما يمكن أن يجلبهم مرة ثانية إلى الشوارع. وفي الوقت الذي طالب فيه الكثير من المتظاهرين بعودة الديمقراطية، طالب آخرون بنتائج ملموسة: نهاية الفساد وأسعار رخيصة للطعام ووظائف.

ومن الخارج كان من السهل متابعة مئات الآلاف الذين تدفقوا على ميدان التحرير في القاهرة، ومن السهل أيضا نسيان عشرات الملايين الذين ظلوا في بيوتهم. وقال النائب المستقل ياسين العياري الذي سجن قبل فترة لانتقاده استيلاء سعيد على السلطة “الناس الذين هتفوا من أجل البرلمان والديمقراطية والحريات لم يكونوا الجزء الأكبر من الثورة. ربما لم يكن الكثير من التونسيين يريدون الثورة. ربما كان الناس يريدون فقط بيرة وأمن، وهذا سؤال صعب لا أريد نفسي طرحه. لكنني لا ألوم الناس، فقد كانت لدينا الفرصة لإظهار كيف تغير الديمقراطية حياتهم وفشلنا”. ويضيف أن الثورة زودت التونسيين بأدوات حل المشاكل ولكن ليست الحلول التي توقعوها، وباحتياجات أكثر من الاهتمام بتجربة الحكم ولهذا لم يكن لديهم صبر مع فوضى الديمقراطية التي تستنزف الوقت.

ولم يؤد الدستور وصندوق الاقتراع والبرلمان بشكل أتوماتيكي إلى فرصة أو محاسبة، وهو وضع مألوف لدى الغربيين. فقد انزلق البرلمان لمهاترات كلامية وشجارات، وظهرت الأحزاب السياسية واختفت لتظهر من جديد بدون تقديم أفكار جيدة واننشر الفساد.

وتقول إليزابيث كيندال، أستاذة الدراسات العربية والإسلامية في جامعة أوكسفورد: “لا أعتقد أن ديمقراطية على الشكل الليبرالي الغربي يمكن أو يجب أن تكون شيئا ينزل كالبراشوت. لا يمكنك قراءة مساق “الديمقراطية الغربية 101″ وتستوعبه ثم تكتب دستورا وتأمل بنجاح كل شيء، والانتخابات هي مجرد البداية”.

وعادة ما يشير المثقفون العرب إلى أن عقودا مرت على الديمقراطية الفرنسية لكي تتجذر بعد الثورة، ونفس الأمر حدث في أجزاء من أوروبا الشرقية وأفريقيا. وتظهر الاستطلاعات أن غالبية واسعة في العالم العربي تدعم الديمقراطية، لكن نصف المشاركين يقولون إن دولهم ليست جاهزة  لها. وأصبحت تونس، تحديدا، مرتبطة بالتدهور الاقتصادي والخلل الوظيفي. وأدت التجربة التونسية البعض الذين آمنوا بالديمقراطية كفكرة مجردة دعم ما يصفها أستاذ القانون الدستوري عدنان الإمام “ديكتاتورية قصيرة الأمد”. لكن كيندال  من جامعة أوكسفورد ترى أنه من الباكر الحديث عن وفاة الثورة.

ففي تونس لا يعني رفض النظام الذي تطور على مدى عقد لا يعني دعما لحكم الرجل الواحد. فقد اعتقل سعيد عددا كبيرا من معارضيه واستولى على السلطة وعطل في الشهر الماضي معظم الدستور واستولى على السلطة الوحيدة التي تشرّع القوانين، شعر الكثير من التونسيين خاصة العلمانيين والمثقفين بعد الراحة.

وقالت الصيدلانية عزة الجعار من تونس: “كان يجب عمل شيء لكنه خرج عن الطريق”. وقالت إنها دعمت سعيد خوفا من النهضة المتهمة بكل مشاكل البلاد: “آمل بعدم وجود إسلاميين ولكنني لا أريد ديكتاتورية”.

ويعول الكثيرون على الجيل الشاب الذي ليس من السهل التخلي عن حرياته. ويقول جوهر بن مبارك، الزميل السابق لسعيد والذي يقوم بالمساعدة على تنظيم التظاهرات المضادة لسعيد “لم نقم بالاستثمار في الثقافة الديمقراطية لمدة عقد عبثا. في يوم سيرون أن حريتهم في خطر وسيغيرون رأيهم”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول باختصار مفيد:

    تحتاج الديمقراطية لكي تؤتي ثمارها الى نفس سنوات الدكتاتورية، ويمكن اختزال المدة بتوفيق من الله فقط.

إشترك في قائمتنا البريدية