لندن- “القدس العربي”: نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالا للمشاركة في صفحة الرأي بالصحيفة ميغان كي ستاك، بعنوان “لا تحرف النظر عن اتهامات الإبادة الجماعية ضد إسرائيل”.
وعملت ستاك مراسلة لشؤون الشرق الأوسط بصحيفة “لوس أنجليس تايمز” حيث قالت “التزمت إدارة بايدن في مسألة ما إن ارتكبت إسرائيل إبادة جماعية، والمقدمة لمحكمة العدل الدولية بنبرة رافضة وبطريقة عفوية”. وكانت عبارة “عديمة القيمة” هي الصيغة التي يبدو أن المسؤولين الأمريكيين اتفقوا عليها. وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن من منصة في تل أبيب هذا الأسبوع إن “تهمة الإبادة الجماعية لا قيمة لها”. وهتف المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي صارخا: “لا قيمة لها وتؤدي إلى نتائج عكسية وبلا أساس مهما كانت”.
يعطي الموقف اللامبالي للمسؤولين الأمريكيين بالقضية المرفوعة ضد إسرائيل صورة عن ثقل السذاجة
ويعطي الموقف اللامبالي للمسؤولين الأمريكيين صورة عن ثقل السذاجة، فالملف المكون من 84 صفحة والمقدم من جنوب إفريقيا إلى المحكمة حافل بالأدلة المدمرة، وأن إسرائيل خرقت التزاماتها بناء على ميثاق الإبادة الجماعية لعام 1948، والذي يعرف الإبادة الجماعية بأنها “فعل يرتكب بنية تدمير، كلي أو جزئي لجماعة وطنية، إثنية، عرقية أو دينية”. وتحتوي الوثيقة المقدمة للمحكمة على هوامش دقيقة ومشفعة بالمصادر. ويقول الكثير من الخبراء إنها قوية بشكل غير عادي.
وتعلق الكاتبة أن كبار القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين ساعدوا على تقوية حالة الاتهام ضد حكومتهم. وتم عرض كلمات المسؤولين الإسرائيليين في الوثيقة، كدليل على نية الإبادة، من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي حث الإسرائيليين على “تذكر” العهد القديم وقصة مذبحة العماليق “لا تتركوا أحدا، واقتلوا الرجال والنساء على حد سواء والمواليد الجدد والرضع”، إلى وزير الدفاع يواف غالانت الذي أقسم بأن “غزة لن تعود لما كانت عليه وسنمحو كل شيء”، ووزير الطاقة والبنى التحتية الذي تعهد بأن أهل غزة “لن يحصلوا ولو على نقطة ماء أو بطارية بسيطة حتى يغادروا هذا العالم”. ومن خلال الإعلان عن تدمير غزة وتشريد سكانها فقد نشروا، ما كان منكرا أو مخفيا في حالات إبادة جماعية أخرى.
ولا أحد يعرف كيف سيجادل كل طرف حالته أو كيف سيحكم القضاة، فجلسة الاستماع هذا الأسبوع في لاهاي لن تجيب على سؤال ارتكاب إسرائيل إبادة جماعية، لأن الحكم النهائي يحتاج إلى سنوات من تقديم الأدلة وجمعها بدقة. وكل ما تطالب فيه جنوب إفريقيا المحكمة الآن و”كموضوع عاجل للغاية” إصدار أمر بوقف الهجوم الإسرائيلي والاحتفاظ بالأدلة.
ويجب إقناع لجنة القضاة بأن اتهام الإبادة الجماعية معقول ويستحق إصدار تدابير مؤقتة في الأيام والأسابيع المقبلة. وحتى التأكيد على الأدلة التي تقترح إبادة جماعية سيجبر المجتمع الدولي للتحرك وحماية سكان غزة المصدومين والجوعى والمطالبة بوقف إطلاق النار وإغراق الفلسطينيين بالمساعدات الإنسانية.
وعلى المدى البعيد، فالقضية قد تضع الأسس لعقوبات ضد إسرائيل أو محاكمة مسؤوليها. وتعتبر العملية في لاهاي مهمة وذات معنى للولايات المتحدة. فإدارة بايدن كانت الراعي الذي لا يستغنى عنه للحرب، تسليح وتمويل وحماية دبلوماسية، رغم التقارير المستمرة حول مقتل الفلسطينيين وتشريدهم.
إذا تم التوصل إلى أن العنف في غزة هو إبادة جماعية، فقد تواجه الولايات المتحدة تهمة التواطؤ بالجريمة
ولو تم التوصل إلى أن العنف في غزة هو إبادة جماعية، فقد تواجه الولايات المتحدة تهمة التواطؤ بالجريمة. وفي ضوء تأثير الولايات المتحدة في المجتمع الدولي فإن التداعيات قد تكون صغيرة، لكن يجب على الأمريكيين فهم أن حكومتهم متورطة في الجريمة.
وستضع إسرائيل وداعموها في الولايات المتحدة القضية بطريقة مختلفة، سيحاولون الإشارة إلى أن إسرائيل عانت في 7 تشرين الأول/أكتوبر ضربة لا تحتمل من حماس التي قامت بجرائم في جنوب إسرائيل وذبحت مئات المدنيين وجرت المئات إلى غزة كرهائن. وتحدث الأمريكيون والإسرائيليون عن حق الدفاع عن النفس، وهو ما سيشكل دفاع إسرائيل في المحكمة.
ولكن حق الدفاع عن النفس لا يبرر الهجوم الإسرائيلي الذي لم يكن متناسبا مع جرائم 7 تشرين الأول/أكتوبر. إسرائيل نفذت عملية انتقام مستهدفة ضد حماس ولم تقم بمتابعة استراتيجية لتحرير الرهائن. ولم تحرر إسرائيل سوى رهينة واحدة وقتل الإسرائيليون ثلاث رهائن كانوا يلوحون بالعلم الأبيض. زعم الجيش الإسرائيلي لاحقا أنه ضربهم لاعتقاده بأنهم فلسطينيون. وكل الرهائن الـ110 الذين حرروا خرجوا بسبب اتفاق هدنة قصيرة.
وبعد ساعات من هجوم حماس، فرضت إسرائيل حصارا على غزة، وقطعت الماء والكهرباء ومنعت الوقود والطعام وحاصرت 2,2 مليون نسمة تقريبا نصفهم من الأطفال تقريبا. والحصار نفسه يصل إلى جريمة حرب وعقاب جماعي، ولكنه كان بداية لرفع الستارة، فبعد ساعات بدأ القصف ولم يتوقف حتى اليوم.
وقتلت إسرائيل 23 ألفا في غزة، حسب وزارة الصحة الفلسطينية منهم 9 آلاف طفل، وعانى ألف طفل من عمليات بتر أطراف بدون تخدير، وأنجبت نساء أطفال في عمليات قيصرية بدون تخدير. وتم تدمير أحياء بكاملها وتشريد 85% من أهالي القطاع.
بعد ساعات من هجوم حماس، فرضت إسرائيل حصارا على غزة، وقطعت الماء والكهرباء ومنعت الوقود والطعام، وحاصرت 2,2 مليون نسمة تقريبا نصفهم من الأطفال. والحصار نفسه يصل إلى جريمة حرب وعقاب جماعي
وفي لقطة موثقة في الطلب الجنوب إفريقي، قال العقيد يوغيف بار- شيشت من غزة: “من سيعود، هذا إن عادوا سيجد أرضا محروقة” و”لا بيوت ولا زراعة ولا شيء ولن يكون لهم مستقبل”. و”لكي تفهم فورة العنف غير القابلة للتصديق بأنها دفاع عن النفس، عليك أن تقبل بفكرة أن فرصة إسرائيل الوحيدة للأمن تعتمد على سحق غزة وإفراغها من سكانها- بالقتل أو التشريد”.
وبالتأكيد قال المسؤولون الإسرائيلي هذا وأكثر. فقد قالت سفيرة إسرائيل في بريطانيا تسيبي هوتوفلي لقناة بريطانية إن على إسرائيل جعل غزة خرابا وتدمير “كل مدرسة وكل مسجد وكل بيت ثان” مرتبط بأنفاق حماس. ورد المذيع الذي قابلها إيان ديلي “هذا جدال من يريد تدمير كل غزة وكل بناية فيها”، فردت هوتوفلي “هل لديك حل آخر”.
وحاولت إسرائيل مع اقتراب المحاكمة تلطيف صورتها وأصدرت فيديو قالت فيه إن حربها هي مع حماس وليس ضد الفلسطينيين. ونشرت القناة 12 خبرا قالت فيه إن نتنياهو طلب من وزرائه “اختاروا كلماتكم بعناية”. واتهم وزير الخارجية الإسرائيلي جنوب إفريقيا بمتابعة ما أسماها “فرية الدم”. وتقول الكاتبة إن اتهام جنوب إفريقيا بأنها تمارس تقليدا شنيعا وقديما من معاداة السامية يلمس الحساسية التي تحيط بالقضية. فمعظم مواثيق جرائم الحرب والإبادة نشأت من رعب الهولوكوست، وأن تتحول الاتهامات إلى بلد ظهر من هذا الرعب يدعو لعدم تصديق اليهود والأمريكيين بإمكانية حدوث هذا.
وقال المؤرخ راز سيغال والخبير الإسرائيلي في الإبادة الجماعية إن ما تقوم به إسرائيل في غزة هو حالة تامة من الإبادة الجماعية. وقال للكاتبة إن “فكرة ارتكاب الدولة اليهودية جرائم حرب علاوة على إبادة جماعية كانت منذ البداية غير مفكر بها” و”تم تأكيد حصانة إسرائيل في النظام”.
وقال المحامي الجنوب إفريقي ماكس دو بلسيس قبل المحاكمة إن قمع إسرائيل للفلسطينيين على مدى العقود الماضية هو سياق العنف في غزة ويجب ألا ينظر إليه على أنه نزاع بسيط بين طرفين. وقال إن إسرائيل قوة محتلة “عرضت الشعب الفلسطيني للقمع وخرق مستمر لحقهم في تقرير المصير ولأكثر من نصف قرن. وحدثت هذه الانتهاكات في عالم اعتبرت فيه إسرائيل نفسها دائما خارج وفوق القانون”.
وتقول الكاتبة إن كلمة إبادة جماعية تتردد بصوت عال في مخيلتنا، ونتذكر رواندا والبوسنة والأرمن وطريق الدموع وبالطبع الهولوكوست، “وجدت الكثيرين يرفضون فكرة أن غزة تواجه إبادة جماعية، فقد محا الهولوكوست 60% من يهود أوروبا، وحرب إسرائيل التي حدثت بسبب قتل اليهود، محت نسبة 1% من سكان غزة، واحد بالمئة قليل ولكنه إبادة جماعية”.
حرب إسرائيل محت نسبة 1% من سكان غزة، واحد بالمئة قليل ولكنه إبادة جماعية
وتعود لتعريف الإبادة الجماعية وتقول إن هناك إمكانية لقتل عدد قليل من الناس ولكنه يظل إبادة جماعية. وعلينا التعامل مع المسألة بتواضع، لأن الأمريكيين والغرب بارعون في التعامل مع الإبادة عبر الماضي، وكل إبادة جماعية معترف بها اليوم والهولوكوست منها قوبلت بالشك والمراوغة ولكن بعد فوات الأوان.
ففي رواندا ضيع المسؤولون أسابيع مهمة للتدخل ومنعها، فيما رفض المسؤولون الأمريكيون التلفظ بكلمة إبادة جماعية في سياق البوسنة. و”عندما أقرأ الوثائق التي جمعتها جنوب إفريقيا، أتساءل، كيف حدث هذا؟ ولماذا سمح بحدوثه؟”. الرعب في غزة مستمر، سحق النظام الصحي، ذبح عمال الصحة، قتل الصحافيين والحرب ضد المكتبات وبيوت العبادة والثقافة وتدمير العائلات والاحتياجات الاقتصادية وإمكانيات الحياة. “لا مكان آمن في غزة”، وهي عبارة تكررها دعوى جنوب إفريقيا، معظم الناس جوعى، 70% من الموتى نساء وأطفال، وتقتل الحرب كل ساعة اثنتين من الأمهات، حسب تقدير الأمم المتحدة.
وأشار المحامي تيمبيكا ننغوكتيبا، من وفد جنوب إفريقيا للحرمان من الوقود والماء في غزة، وتدمير المخابز وشبكات الكهرباء، وأنابيب الماء والصرف الصحي ورفع الأعلام الإسرائيلية فوق الأنقاض، والدعوات المطالبة بعودة المستوطنين إلى غزة.
وتعلق الكاتبة: “لست بحاجة للتساؤل كيف سمح بحدوث هذا، فهو يحدث الآن وكلنا نشاهد”.