“نيويورك تايمز”: 20 عاماً على غزو العراق ولا أحد يعرف سببه ولا الدوافع وراءه

إبراهيم درويش
حجم الخط
23

لندن- “القدس العربي”: في 20 آذار/مارس غزت الولايات المتحدة، بدعم من بريطانيا، العراق، وأطاحت بنظام الرئيس العراقي صدام حسين، الذي قالت إدارة جورج دبليو بوش إن التخلص منه ضروري نظراً لبرامج أسلحة الدمار الشامل التي زعمت أنها بحوزته.

بعد عقدين على الحرب، لا يزال السؤال حاضراً حول من كان يعرف، ومتى، وما هو الدافع الحقيقي الذي كان مهماً أكثر. وفي  تقرير أعدّه ماكس فيشر لصحيفة “نيويورك تايمز” جاء: “هناك سؤال لا يزال  حاضراً بعد 20 عاماً على الغزو الذي قادته الولايات المتحدة ضد العراق، موضوعاً لغموض عميق ونقاش بين المؤرخين وعلماء السياسة، وحتى المسؤولين الذين ساعدوا على الحرب”.

 لا يتعلق السؤال بحصيلة القتلى من الأمريكيين، حوالي 1.600 جندي، ولا حياة العراقيين الذين كانوا ضحية الحرب، حوالي 300.000 عراقي قتلوا مباشرة في الحرب، ولا الثمن المالي الذي دفعته الولايات المتحدة، 815 مليار دولار، من دون حسبة الكلفة غير المباشرة مثل خسارة الإنتاج.

 ولا يتعلق الأمر حتى بتداعيات الحرب التي أدخلت العراق في حرب أهلية، أو صعود الجهاديين وتقويض الرؤية الأمريكية للتدخل العسكري.

 لا يوجد هناك لغز أو سر تم إخفاؤه، بل على العكس، فقد استكشف الباحثون والصحافيون والمحققون كل وجه من وجوه الحرب.

السؤال بسيط: لماذا قررت الولايات المتحدة غزو العراق؟

فهل كان الهدف تحييد العراق وترسانته من أسلحة الدمار الشامل، كما زعمت إدارة بوش وتبيّن كذبها؟ وهل كان الأمر يتعلق بالشك الضمني بأن صدام حسين كان متورطاً في هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 وتبيّن عدم صحته؟ وهل كان الأمر متعلقاً برغبة لتحرير العراق ونشر الديمقراطية فيه، كما زعمت الإدارة لاحقاً؟ هل كان النفط؟ المعلومات الاستخباراتية الخاطئة؟ تحقيق منافع جيوسياسية؟ الثقة المفرطة بالنفس؟ الرغبة الشعبية لشن حرب، أي حرب، واستعادة الكرامة الوطنية؟ أو كما حدث في الحرب العالمية الأولى؛ سوء تواصل متبادل أدى لدفع الدول باتجاه النزاع؟

ويعلق ريتشارد هاس، المسؤول البارز في وزارة الخارجية أثناء الحرب: “سأذهب إلى قبري دون معرفة السبب، ولا أستطيع الجواب عليه”. والمشكلة في الحرب على العراق أنه لا يوجد هناك لغز أو سر تم إخفاؤه، بل على العكس، فقد استكشف الباحثون والصحافيون والمحققون كل وجه من وجوه الحرب.

والمشكلة التي واجهت الجميع هي تحديد الدافع الذي كان يهم أو لا يهم وأسهم في احتلال بلد في الشرق الأوسط. وما هي المصالح الأيديولوجية والإستراتيجية، وحتى البيروقراطية، التي جمعت مهندسي الحرب. وهل كان الزحف للحرب هو مجرد انحراف بدأ في 11 أيلول/سبتمبر كما اقترح بعض المؤرخين. ربما لن يعثر أحد على جواب، فسبب الحرب العالمية الأولى لا يزال محلاً للنقاش، وبعد قرن على انتهائها، ونفس الأمر ينسحب على فيتنام والحرب الكورية.

كل هذا يعطي صورة عن وضع غير مريح، فالقرارات التي غيّرت التاريخ عادة ما دفعت من اتخذوها إلى عمليات وفهم معقد ليس واضحاً حتى على المشاركين فيها. وربما مات مئات الآلاف في الحرب، وانزلق بلد في حرب أهلية من دون أن يعرف أحد السبب.

وبعد عشرين عاماً، فإننا اقتربنا من معرفة السبب من خلال عدة نظريات، متداخلة أحياناً، وتحقيقات لا تهتم بالماضي بقدر ما تركز على المستقبل. وتقول إليزابيث سوندرز، من جامعة جورجتاون: “لو أردت منع حدوث هذا مرة أخرى، فأنت بحاجة إلى  تشخيص الوضع بشكل جيد”. والسؤال الأهم يتعلق بإيمان الإدارة الأمريكية بمبررات الغزو، أم أنها قامت بهندستها كذريعة؟

فقد كشفت شهادات الذين عملوا فيها عن رفض المسؤولين كميات من الأدلة التي تناقض منطقهم ومواقفهم واختيارهم، منها ما يوافق رأيهم الداعم للحرب. وبدأ هذا بعد ساعات من هجمات 9/11، عندما طلب مساعد وزير الدفاع في حينه، بول وولفويتز من مساعديه البحث عن أدلة تربط صدام حسين بها، وبعد أربعة أيام ناقش، في لقاء بكامب ديفيد، بأن صدام حسين كان مسؤولاً على الأرجح عنها، ودعا بوش التفكير بعمل عسكري. وقال  بوش لمستشاري الأمن القومي بعد يومين: “أعتقد أن صدام  متورط”، ولكنه لا يملك الأدلة بعد، وهذا ما جمعه بوب وودورد من شهادات.

كان العراق الفقير غير صالح لأن يكون منافساً للولايات المتحدة، لكن المحافظين الجدد كانوا بحاجة لعدو يظهر أن العالم لا يسير وراء أمريكا.

وعندما لم يتم العثور على أدلة، بدأ المسؤولون بالحديث عن علاقته علنا، وغيّروا الرواية، مؤكدين على ملكية صدام حسين أسلحة نووية وبيولوجية وكيماوية ينوي استخدامها ضد الولايات المتحدة. ورقص الإعلام على إيقاعهم، وبالغ في المزاعم. ونعرف الآن أن مسؤولين أساؤوا فهم ما لديهم  من أدلة، ولكن الأوراق ومحاضر الجلسات تظهر أنهم لم يكونوا يحاولون الترويج لفكرة تهديد الأسلحة التي كانوا يعرفون أنها ليست موجودة، ولم يتم تضليلهم بمعلومات أمنية غير صحيحة. بل تقترح السجلات أن الأمر كان تافهاً، فهناك مجموعة من المسؤولين تجمعوا معاً واتحدوا على فكرة الإطاحة بصدام حسين، كل لأسبابه الخاصة. وقال وولفويتز لمجلة “فانيتي فير”، عام 2003: “الحقيقة” هي و”لأسباب تتعلق ببيروقراطية الحكومة الأمريكية، اخترنا موضوعاً واحداً اتفق عليه الجميع، وهو أسلحة الدمار الشامل كسبب جوهري”. ووصفت سوندرز، من جامعة جورجتاون، هذا بأنه “لفافة السجل” و”كل واحد منهم كانت لديه أسبابه وتحيزاته”، و”ساعد غياب التجربة على المستوى الرئاسي على دعم التحيزات هذه”. وكان موضوع أسلحة الدمار الشامل شيئاً يأمل الجميع أنه صحيح.

وفي هذا السياق كان قرار الغزو بمثابة عملية تراكمية لتحيّزات الأفراد وانهيار النظام الذي خلق زخماً له. وقال هاس: “كان نوعاً من التراكم وصل نقطة التحول”، و”لم يتم اتخاذ القرار، بل وحدث، ولكنك لا تعرف متى وكيف”.

ولكن ما هو الداعي للحرب من دون أساس، يرى محللون أن صدام حسين عبّر عن رغبة بضرب أمريكا، وأخفى مشاريعه لأسلحة الدمار الشامل كحيلة لردع أمريكا، لكن واشنطن صدقته، ولم تقرأ الحيلة التي وضعتها بغداد، لكن سوء التواصل لا يعتبر تفسيراً لشنّ حرب واسعة، وبخاصة أن بغداد سمحت لمفتشي الأمم المتحدة تفتيش المواقع العراقية. وهناك من يرى أن أمريكا شعرت، بعد هجمات 9/11، بحاجة لاستعادة مكانتها، كما يقول إحسان بط: “لو كان هناك سبب خفي، فما سمعته دائماً هو الحاجة بأن علينا تغيير الزخم بعد 11 أيلول/ سبتمبر”.

هاس: سأذهب إلى قبري دون معرفة السبب، من دون أن أستطيع الجواب على سؤال لماذا الحرب على العراق.

وشكّ الباحثون بهذا المفهوم، كما شكّوا في أن الهدف من الغزو هو السيطرة على النفط العراقي. وأشار كتاب إلى أن غزو العراق لم يكن مثالاً كلاسيكياً عن محاولة السيطرة على المصادر، ذلك أن الولايات المتحدة لم تسيطر على حقول النفط للتربح منها. وعليه بدأ الباحثون بحرف النظر عن فترة 18 شهراً، ما بين هجمات أيلول/سبتمبر إلى غزو العراق في 2003، والتركيز على عقد التسعينات من القرن الماضي، حيث تحول العراق إلى موضوع مهم في السياسة الخارجية الأمريكية. وقال جوزيف ستيب، من الكلية الحربية البحرية إن فترة التسعينات كانت بمثابة الدعامة الفكرية والثقافية للحرب في 2003.

 فبعد نهاية الحرب الباردة وجدت مجموعة أطلقت على نفسها “المحافظون الجدد” أهمية بقيام الولايات المتحدة باستخدام هيمنتها كقوة خير. وبعد سنوات من الإحياء الفكري، وجدَ المحافظون الجدد أنفسهم في مركز القرار بالحزب الجمهوري، فقد احتاج رئيس مجلس النواب الجمهوري نويت غينغرتش لمساعدتهم بعد هزيمة 1996، ومن أعضاء المجموعة ديك تشيني ودونالد رمسفيلد وكوندوليزا رايس إلى جانب وولفويتز، وكلهم أصبحوا مسؤولين في إدارة بوش. وكان المحافظون الجدد وراء “مشروع القرن الأمريكي الجديد”، وهو مركز أبحاث أصبح ناطقاً بلسان حال الجمهوريين. وأول عمل قام به المركز هو إرسال رسالة مفتوحة لبيل كلينتون جاء فيها: “ربما واجهنا تهديداً من الشرق الأوسط أكبر من ذلك الذي واجهنا منذ نهاية الحرب الباردة”. وحثوا كلينتون للعمل على الإطاحة بصدام حسين. وكان العراق الفقير غير صالح لأن يكون منافساً للولايات المتحدة، لكن المحافظين الجدد كانوا بحاجة لعدو يظهر أن العالم لا يسير وراء أمريكا. وفي العقد الأخير من القرن الماضي كانت هناك أمثلة قليلة مرشحة لأن تكون عدوة لأمريكا. وكان العراق جذاباً للمحافظين الجدد، لأن صدام طردَ مفتشي الأمم المتحدة، والذي نظر إليه كإهانة في واشنطن وفشل لكلينتون. وعندما أضعفت الفضيحة الرئيس الأمريكي ضربَ الجمهوريون ضربتهم ومرروا قانون تحرير العراق والإطاحة بصدام، حيث أصبحت سياسة أمريكية. ورغم رفض كلينتون لفكرة الإطاحة بصدام إلا أنه استخدمها كذريعة لضرب العراق. ولم تعد الحرب مجرد فكرة نظرية بل وعملية، ومن هنا بات المحافظون الجدد يرون في العراق ساحة لتطبيق فكرتهم عن نشر القوة الأمريكية في الشرق الأوسط، فالديمقراطية ستظهر في عراق ما بعد صدام وتنتشر في كل دول المنطقة. وعندما جاء بوش إلى السلطة ملأ إدارته برموز المحافظين الجدد. ويقول ماديسون شارمان من جامعة تورنتو “كلما درست هذا كلما تيقنت أنها  استمرارية للسياسة” التي تعود لنهاية القرن الماضي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول المتوكل بالله:

    تدمير العراق بل وسحقه كان مطلبا صهيوني خليجيا أمريكيا بريطانيا

1 2 3

إشترك في قائمتنا البريدية