بتقدير حذر يمكن ترجيح عملية برية للجيش الإسرائيلي في القطاع في نهاية المطاف، لن تكون كما يتخيل بعض المحللين المتحمسين في الاستوديوهات، لكن القوات الإسرائيلية ستدخل على الأقل إلى جزء من القطاع. سيصعب على إسرائيل تحقيق إنجاز عسكري حقيقي أمام حماس من خلال القصف الجوي فقط، وثمة إجماع في الحكومة وهيئة الأركان يقول إن المطلوب عملية برية ناجعة من أجل المس بحماس، وإعادة جزء من الردع العسكري لإسرائيل، الذي تلقى ضربة شديدة جداً في الهجوم الإرهابي في 7 تشرين الأول، وأيضاً من أجل محاولة ترميم ثقة الجمهور بالجيش الإسرائيلي.
لكن حجم العملية البرية وموعدها وطبيعتها سيتم تحديدها في المثلث بين الإدارة الأمريكية و”الكابينت الحربي” في إسرائيل وقيادة الجيش. ربما تتأخر العملية بضعة أيام وربما أكثر. اختيار التوقيت ومكان العملية والأسلوب ستحتاج إلى التفكير باعتبارات أخرى، مثل: توقعات الولايات المتحدة، لا سيما بشأن جهود مستمرة لإطلاق سراح جزء من المخطوفين من النساء والأطفال ومن لديهم جنسيات أجنبية، قبل اقتحام إسرائيل؛ والخطر من اشتعال جبهة أخرى مع “حزب الله” في لبنان؛ وتخوفات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو من تورط آخر في العملية البرية.
المتغير الأكثر دراماتيكية في الصورة الاستراتيجية لهذه الحرب مقارنة مع عمليات أصغر بكثير في السابق، يتعلق بالتدخل الأمريكي. الرئيس الأمريكي الذي زار البلاد الأسبوع الماضي، حضر تعبيراً عن دعم علني لإسرائيل، مدعوم بإرسال حاملات الطائرات. ولكنه أراد أيضاً تحقيق سيطرة على الوضع وإسماع صوت الولايات المتحدة قبل أن تتخذ إسرائيل القرارات. نشرت “نيويورك تايمز” مساء أمس بأن البنتاغون أرسل إلى البلاد الجنرال جيمس غلين، نائب قائد قوات المظليين، مع ضباط آخرين؛ لمناقشة خطط الحرب الإسرائيلية مع الجيش الإسرائيلي. ووفق ما نشر، فإن الإدارة الأمريكية تخشى من غياب أهداف عسكرية لإسرائيل قابلة للتحقيق في القطاع، وتعتقد أن هناك حاجة إلى فحص هذه الخطط بحذر، لكنها لا تقدم أي نصيحة لإسرائيل بإلغاء عملية الغزو.
وأكدت جهات أمنية في إسرائيل للصحيفة بأنه قد جرت وبحق محادثات مفصلة مع الأمريكيين، اعتمدت على دروس للجيش الأمريكي في المعارك مع “داعش” في العقد الماضي، التي شملت احتلال الموصل (في العراق، حيث حارب هناك غلين)، والرقة (في سوريا). ووفقاً لقولهم، فإن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن والجنرالات الأمريكيين فحصوا صورة الوضع بمهنية من خلال رؤية تقول إن الدول لا تشن الحرب مع مقاربة “إلى الأمام، اهجموا”. أراد الأمريكيون فهم طبيعة الأهداف المفصلة للعملية من نظرائهم الإسرائيليين، وما هي التطورات المتوقعة وما إذا تم فحص آلية الإنهاء المحتملة وما هو الوضع النهائي الذي تتطلع إسرائيل إليه في القطاع وفي الساحة الفلسطينية وفي المنطقة كلها.
أشار الأمريكيون في هذه المحادثات إلى ظاهرة تم ذكرها هنا مؤخراً، وهي أن القيادة السياسية والعسكرية تعرض رسمياً هدفاً طموحاً جداً، وهو تدمير سلطة حماس. ولكن بالنسبة لهم، فإن ما تبلور حتى الآن لا يضمن تحقيق هذا الهدف، ويعتمد على افتراض واثق جداً وكأن لإسرائيل زمناً غير محدود للعملية. يعود الضباط الأمريكيون إلى الخطوط التي رسمها الرئيس: لإسرائيل جدول زمني للعمل، إذا فعلت ذلك كما يجب وحققت إنجازات. يجب أن يحدث هذا، حسب فهمهم، بدون احتلال القطاع أو جرائم حرب تخرق القانون الدولي.
وحسب قولهم، يجب التوصل إلى إطلاق سراح المزيد من المخطوفين عن طريق المفاوضات، وضمان ممر آمن للمساعدات الإنسانية إلى جنوب القطاع، ولمنع معارضة دولية واسعة لمواصلة القتال الإسرائيلي. في أعقاب ملاحظات الضيوف، اتضح إدراك أصبح بارزاً لدى الكابنت والجيش، بأنه يجب العمل بصورة لا تحطم توقعات متبقية لدى الجمهور في البلاد من الجيش الإسرائيلي.
يأتي الأمريكيون إلى اللقاءات مع تجربة في المواجهة مع ما يسميه الجيش الأمريكي “تمرد وانتفاضة”. هذا يتطرق إلى القتال في العراق بعد حرب الخليج الثانية منذ 2005 فصاعداً، وانتهاء بالمعركة مع “داعش”. تقول إسرائيل: التشابه غير كامل. الوحشية القاتلة التي أظهرتها حماس في الواقع تذكر بـ “داعش”، لكن الحديث هنا يدور عن نظام نما قرب الحدود على بعد مئات الأمتار عن البيوت في البلدات. لذلك، يجب تدميره. الأمريكيون يوافقون على ذلك، لكنهم يذكرون بأن الحل ليس بالضرورة الانتقال من بيت إلى بيت (كما فعل الجنرال أريك شارون ضد الإرهاب في غزة في السبعينيات، أو عملية “السور الواقي” في الضفة الغربية في 2002). بالنسبة لهم، الحل قد يشمل أيضاً إطلاق النار من الجو واقتحامات برية متكررة وتصفية كبار القادة. كل ذلك سيكون جزءاً من حرب طويلة هدفها إحداث دمار وقتل في صفوف حماس.
الاعتبارات الأمريكية تتطرق أيضاً لإيران و”حزب الله”. في الوقت الحالي، يبدو أن إسرائيل والولايات المتحدة، مع أخذ الحذر اللازم في ضوء فشل يوم السبت الأسود، متفقتان في التقييم الاستخباري. حسب رأيهما، يساهم “حزب الله” بنصيبه من الشمال في النضال الفلسطيني، ويستغل ضعف إسرائيل الذي ظهر في غزة من أجل زيادة قوة المواجهة على الحدود مع لبنان. ولكن لا إيران ولا “حزب الله” معنيتان بالتضحية بالمشروع اللبناني من أجل إنقاذ المشروع الغزي الموجود -حسب رأيهما- في مكان تفضيل أقل. كما يبدو، إذا عملت إسرائيل في غزة بشكل جيد وأظهرت تصميماً في لبنان بدعم من أمريكا، فثم احتمالية معقولة لردعهما عن شن حرب إقليمية.
هذا تقدير يجب التعامل معه بتشكك. فـ “حزب الله” حقق إنجازاً عندما تسبب في إخلاء عشرات آلاف الإسرائيليين من منطقة الحدود وجذب عدداً من وحدات الاحتياط وثبتها هناك. “حزب الله” قام بعدد كبير من الهجمات، التي قتل فيها ستة جنود ومواطن إسرائيلي. وإيران تستعين بمليشياتها التي تمولها من أجل تنفيذ هجمات بالمسيرات والصواريخ على القواعد الأمريكية في سوريا والعراق، وتسخّن الأجواء بالتدريج في دول الخليج. تجري هنا لعبة خطيرة، التي قد تخرج بسهولة عن السيطرة حتى الآن. هذا ما يقلق الأمريكيين.
المزيد من الوقت للتفكير
ما الذي يفكر فيه نتنياهو؟ فرض رئيس الحكومة مساء أول أمس ظهوراً مشتركاً، مصطنعاً، لوزير الدفاع ورئيس الأركان من أجل إقناع الجمهور بعدم وجود خلافات أو أزمة ثقة بينهم. من حسن الحظ أن وسائل الإعلام لا تجري استطلاعات سريعة لفحص نسبة المواطنين الذين ما زالوا يصدقون هذا الهراء. نتنياهو أيضاً يبث أن توجهه هو نحو العملية البرية. ولكن الذعر الذي تنشره أبواقه في وسائل الإعلام الخاضعة له وفي الشبكات الاجتماعية، يدل كما يبدو على ما يفكر فيه.
لم يكن نتنياهو مؤيداً لاستخدام القوة البرية، سواء في قطاع غزة ولا في لبنان. عندما حاول رسم نوع من “حلم 2030” لبناء قوة إسرائيل العسكرية، أكد على استخدام سلاح الجو والنار الدقيقة والاستخبارات بدلاً من التركيز على الفرق المدرعة. الجنرال احتياط إسحق بريك هو الآن هداف البطولة، وقد التقى نتنياهو معه مرتين في الأسبوع الماضي لاعتباراته الخاصة. ولكن عندما نشر بريك ادعاءاته لأول مرة في “هآرتس” في 2018 فقد استصعب رئيس الحكومة (الذي كان اسمه بالصدفة نتنياهو، في حينه) إيجاد وقت يعطيه إياه. هو بالتأكيد لم يصغ لتحذيرات بريك وتحذيرات نائب رئيس الأركان قبل سنة الجنرال ايال زمير، من تقليص قوة المدرعات في الجيش الإسرائيلي.
في عملية “الجرف الصامد” في 2014 احتاج الأمر بضعة أسابيع إلى أن تقرر القيام بعملية برية محدودة لتدمير الأنفاق قرب الجدار في القطاع. استمرت العملية ثلاثة أضعاف الوقت الذي قدره الجيش، وحققت نتائج جزئية. رئيس “شاس”، آريه درعي، الذي يعمل كمراقب في “كابينت الحرب” ومقرب من أذن نتنياهو، قال في هذا الأسبوع إن الجيش الإسرائيلي يفتقد إلى خطة مناسبة لما هو مطلوب الآن في غزة، لذا نحتاج إلى وقت آخر من أجل الاستعداد.
يبدو أن نتنياهو متشكك وغاضب، وبدرجة كبيرة من الأحقية، إزاء ما كشف بشأن أداء الجيش الإسرائيلي في 7 تشرين الأول، ليس على مستوى الاستخبارات فحسب. ولهذه الأسباب كلها، ربما هناك حاجة لمزيد من الوقت والتفكير إلى حين اتخاذ القرار النهائي بشأن مضمون العملية البرية. في هذه الأثناء، سلاح الجو يقصف أهداف حماس ويخلف دماراً غير مسبوق هناك. مراسلون في القطاع وصفوا، الإثنين الماضي، بأنه أصعب يوم تمر به غزة في حياتها. وطيارون قدامى في سلاح الجو، الذين شاركوا في العمليات في غزة وفي الحرب الأخيرة بلبنان، قالوا إنهم لم يهاجموا بمثل هذه القوة على مدى خدمتهم. من الجدير الحذر من التنبؤات العبثية بشأن انكسار مسبق لروح أعضاء حماس المتمركزين في الأنفاق. وهذا لم يحدث أيضاً في الجولات السابقة. ولكن يبدو أن هناك أهمية عملياتية معينة لاستمرار عمليات القصف.
عاموس هرئيل
هآرتس 25/10/2023