لم تكن لدينا حتى الآن حرب كهذه الحرب. حرب الاتفاق المطلق؛ حرب الصمت الجارف؛ حرب التأييد الأعمى؛ حرب بدون معارضة، احتجاج، رفض، سواء في بدايتها أو في ذروتها؛ حرب بالإجماع مع الدعم الشامل من الجميع، باستثناء المواطنين العرب الذين تم منعهم من المعارضة، بدون أي علامات استفهام أو حتى أي تشكيك.
هل الحرب، التي قتل فيها حوالي 20 ألف شخص في غزة الذي أغلبيتهم من الأبرياء، ودمرت تقريباً كل بيوت وحياة سكان القطاع، هي الحرب العادلة جداً في تاريخ إسرائيل؟ هل الحرب التي تسبب المعاناة الفظيعة لمليوني شخص هي الحرب الأكثر أخلاقية في تاريخ إسرائيل؟ إذا كان الجواب لا، فكيف لا يوجد صوت يدعو إلى وقف حمام الدماء هذا؟ حتى سفك الدماء المتزايد في صفوف جنود الجيش الإسرائيلي لم يثر السؤال: إلى متى. كم تريدون أكثر؟
معظم حروب إسرائيل كانت اختيارية. تقريباً الجميع أيدوها في البداية، ولكن بعد فترة قصيرة عندما أصبح الثمن باهظاً وعدم الجدوى واضحاً، بدأت المعارضة. عندما انتهت هذه الحروب، أصبح كثيرون ضدها. بأثر رجعي، أصبح كثيرون ضدها. هكذا كان في الحربين الحقيرتين في لبنان وفي كل الهجمات في غزة والضفة الغربية. كانت مدتها أقل من الحرب الحالية التي لا نعرف متى نهايتها. وها هم في هذه المرة الجميع مع، ولا أحد يسأل شيئاً. وسائل الإعلام تقوم بغسل الأدمغة بقوة غير مسبوقة. جوقة تصديكوف ناهيك عن جوقة الجيش الأحمر في الأستوديوهات صبح مساء وحتى الذين بدأوا ربما يتشككون، لا يتجرأون على طرح شكوكهم علنا. معاً سننتصر.
هذا هو حكم الحرب التي اندلعت في أعقاب هجوم وحشي ومجرم، لكنها أصبحت منفلتة العقال منذ اندلاعها، لا حدود لها، وفي المقابل لا خلاف عليها أو معارضة. بالنسبة للإسرائيليين اليهود، فإن مصداقية الحرب في بدايتها تبرر أي شيء لاستمرارها. الآن بعد شهرين فظيعين، ربما بدأت الشكوك في الاستيقاظ.
المجتمع العربي يُصدم من المشاهد الصعبة. فهؤلاء إخوتهم وأقرباؤهم. خلافاً لليهود، فهم يشاهدون الوضع في غزة، الذي لا يسمح لليهود بمشاهدته بفضل وسائل الإعلام البائسة والدعائية. ولكن غير مسموح لعرب إسرائيل الاحتجاج. فهذه الحكومة تهددهم أكثر من كل الحكومات السابقة، وتكمم أفواههم بشكل وحشي وترسلهم إلى السجن. عرب إسرائيل يعيشون الآن الخوف من النظام ومن الشارع اليهودي، الذي لم يهدوا له مثيلاً منذ النكبة.
أيضاً في المجتمع اليهودي، إلى جانب الموافقة الكاسحة على الحرب بكل جرائمها، هناك من بدأوا يستوعبون الفظائع التي تتسبب بها إسرائيل. ولكن ثمة خوف من فتح الفم كبير بسبب رعبهم من الحكومة الحالية والشارع و”المستيقظين”. النتيجة: حرب بدون معارضة.
في روسيا-بوتين مظاهر تعارض الحرب في أوكرانيا أكثر مما في إسرائيل الديمقراطية من مظاهر تعارض الحرب في غزة. هذا لا يعني أن عدالة الحربين متشابهة؛ فالحرب في أوكرانيا أكثر إجرامية بما لا يقدر، ولكن وسائل الحربين ونتائجهما أصبحت متشابهة أكثر؛ ففيهما مشاهد فظيعة ومعاناة لا يمكن وصفها لملايين الأبرياء، وكل ذلك عبث.
المعاناة في غزة لن تؤدي إلى أي إنجاز لإسرائيل. الشتاء يقترب، وهذه المعاناة ستتضاعف وربما ستصل إلى ثلاثة أضعاف. إسرائيل لم تزرع مثل هذا الدمار يوماً ما، ولم تقتل هذا العدد الكبير من الأطفال والمسنين كما فعلت في هذه الحرب. عندما يتركز الخطاب العام فقط على إبراز الإنجازات العسكرية، الحقيقية والمتخيلة، والتمرغ الذي لا ينتهي بالمعاناة الإسرائيلية، فقط فيها، ومن جهة أخرى افتراس كل مظاهر المعارضة، فالنتيجة واضحة: بالنسبة للإسرائيليين، يمكن الاستمرار في هذه الحرب إلى ما لا نهاية، ومواصلة قتل جميع سكان القطاع وتدميره بالكامل. وهذا هو الأمر الأكثر أخلاقية والأكثر عدالة.
جدعون ليفي
هآرتس 14/12/2023