هآرتس: العشائر ترد و”ميناء بايدن” يجبر مصر على “بلع ريقها”.. وتل أبيب في تدوينة “العصابات تسرق وإسرائيل تحمي” 

حجم الخط
0

“العائلات والحمائل في غزة تنفي التقارير التي تفيد بأنها اجتمعت مع جهة دولية معينة. ونؤكد أننا مستعدون للجلوس مع المؤسسات الدولية غير المرتبطة بالحكومات الخاضعة لرعاية الفصائل، ولكن مع التي تعمل في ظل مصدر الصلاحيات الفلسطينية، الذي هو م.ت.ف، الممثلة الوحيدة للشعب الفلسطيني… اتصل الاحتلال هاتفياً مع عدد من الشخصيات من أبناء العائلات الكبيرة وقوبل طلبه بالرفض. نرحب بموقف العائلات بأن م.ت.ف هي الممثل الحصري للشعب الفلسطيني، وأن غزة جزء لا يتجزأ من فلسطين. ونحذر كل من سيتعاون مع الاحتلال بهدف إثارة الفتنة والفوضى وإحداث انقسام جغرافي وفصل القطاع عن فلسطين. ونطالب حماس بالتوقف عن إلقاء تهمة التكفير والخيانة. شعبنا لم يعد يتحمل هذه الأفكار الغريبة التي تحاول حماس نشرها بواسطة وسائل إعلامها المسمومة”.

كانت هذه لغة البيان الملتوي ومتعدد الوجوه الذي نشره “تحالف العائلات والحمائل في المحافظات الجنوبية” في الأسبوع الماضي. يتضح بأن العائلات الكبيرة غير مستعدة للتعاون مع حماس، ولا مع إسرائيل أيضاً. وربما توافق على العمل مع السلطة الفلسطينية، لكن هل ستوافق السلطة على هذا التحالف، في حين أن خلافاً داخل م.ت.ف نفسها يثور حول سلوك محمود عباس، لتعيينه محمد مصطفى رئيساً للحكومة؟

هذا البيان الاستثنائي لتحالف العائلات نشر قبل فترة قصيرة من نشر نبأ في الشبكات الاجتماعية في غزة مصدره تقارير إسرائيلية تفيد بأن حماس قتلت مختار عائلة دغمش، الحاج صالح عاشور، للاشتباه بأنه أجرى اتصالات مع جهات إسرائيلية، وكتحذير لكل العائلات الكبيرة في غزة كي لا تتجرأ على التعاون مع إسرائيل أو مع جهات مرتبطة بها في قضية إدارة المساعدات الإنسانية وإنشاء أجهزة مدنية تستبدل أجهزة حماس. عائلة دغمش تنفي مسؤولية حماس عن عملية القتل. وقالت إن عاشور وعدداً من أبناء عائلته قتلوا في قصف إسرائيلي في 16 تشرين الثاني أثناء وجودهم في مسجد العائلة. العاصفة التي ثارت حول قتل مختار عائلة كبيرة في غزة، تدل على التوتر الكبير الذي يتطور في القطاع عقب منشورات عن نية إسرائيل نقل السيطرة على توزيع المساعدات الإنسانية، وبعد ذلك معالجة البنى التحتية المدنية لرجال أعمال فلسطينيين، ورؤساء عائلات كبيرة وجهات فلسطينية أخرى غير مرتبطة بالسلطة الفلسطينية، وبالطبع ليس بحماس.

ليس الغزيون وحدهم غزة المنزعجين مما يبدو كخطة لـ “اليوم التالي” التي وضعتها إسرائيل، بل إن مصر أيضاً قلقة من هذه الخطة. حسب تقرير في موقع “القدس العربي”، اتصلت شخصيات مصرية رفيعة مع رؤساء عدد من العائلات الكبيرة في غزة لإقناعهم بـ “صد محاولات إسرائيل التي تستهدف تنسيق ترتيبات مستقبلية بشكل فردي مع العائلات في غزة”. وأشارت المصادر بأن مصر “بلعت ريقها” ولم ترد علناً على الخطة الأمريكية لإنشاء ميناء مؤقت في غزة، لكن غضب القاهرة كبير إزاء احتمالية أن يشكل الميناء المؤقت التفافة على سيطرة مصر على معبر رفح ومن خلاله على سلوك حماس، وفي المستقبل على أي جهة فلسطينية تدير غزة. ولكن مصر التي خضعت للشروط التي وضعتها إسرائيل والولايات المتحدة لعبور المساعدات الإنسانية إلى غزة ولم تفتح معبر رفح، لا يمكنها أن تعارض أي عملية تهدف إلى زيادة حجم المساعدات. ولكن عندما بدأت إسرائيل في وضع خطط تتعلق بإدارة قطاع غزة بواسطة العائلات المحلية، يمكن لمصر أن تقف على أعقاب أرجلها إزاء ما قد يسحب السيطرة على القطاع من يدها.

إن نية تشغيل عائلات أو رجال أعمال محليين كبديل عن حماس، ربما تولد انطباعاً وكأن الأمر يتعلق بجسم تمثيلي، مدني محايد، من ناحية سياسية، وبالأساس معارض شديد لحماس. الحقيقة بعيدة قليلاً عن ذلك. “تحالف العشائر والعائلات” تشكل في العام 2012 بمبادرة من محمود عباس كي ينشغل بحل النزاعات المحلية، ويستخدم كامتداد غير رسمي للسلطة الفلسطينية بعد أقالت قامت حماس موظفي السلطة في 2007. اعتبر عباس هذا التحالف، الذي انضم إليه 850 ممثلاً عن العشائر والعائلات الكبيرة في غزة كـ “سلاح اجتماعي لـ م.ت. ف في غزة”، الذين إضافة إلى علاجهم للنزاع المحلية، أسسوا لجان مصالحة لإنهاء النزاع الدموي الذي اندلع في حزيران 2007 عندما سيطرت حماس على قطاع غزة.

وقالت السلطة في حينه إن عباس أمر بتخصيص ميزانيات سخية لتحالف العشائر، في حين قال رؤساء التحالف بأنهم لم يحصلوا على أي دولار من السلطة منذ 2012، وأن كل نفقاتهم دفعوها من جيوبهم. ولكن عباس قرر في 2019 حل هذا التحالف وأوقف دعمه بسبب علاقته الوثيقة مع خصمه اللدود محمد دحلان، الذي يطرح نفسه الآن كمرشح لإدارة الجهاز المدني في غزة بدعم من الإمارات. ولكن قرار عباس لم يؤثر وبحق على التحالف، واستمر في العمل من خلال كونه ذراع مساعدة مدنية في سلطة حماس، بعد أن نجحت في تفكيك معظم المليشيات العائلية المسلحة واعتقلت مئات من رؤساء العشائر، وفي الوقت نفسه، منحهم صلاحيات مدنية، رسمية وغير رسمية، أوجدت لهم مصادر دخل جيدة. واستخدمت بعض هذه العائلات الأنفاق التجارية والعسكرية، وجبت رسوم عبور وتصدير واستيراد بضائع من القطاع واليه، وكل ذلك تحت رعاية حماس وإشرافها.

هذا التعاون عانى من ارتفاعات وانخفاضات عنيفة عندما أسس رؤساء العائلات لأنفسهم مليشيات مسلحة، أصبحت جزءاً من “اللجان الشعبية”، بل وتحدوا سلطة حماس، بالأساس في كل ما يتعلق بالسيطرة على مصادر المداخل. ولكن لم يحدث هدوء حتى داخل العائلات نفسها. مثلاً، أسس ممتاز دغمش في 2006 تنظيماً باسم “جيش الإسلام”، الذي انضم بعد ذلك للقاعدة وحارب ضد حماس في القطاع. شخص رفيع آخر في عائلة دغمش هو زكريا دغمش، الذي عمل على رأس “اللجان الشعبية”، وتعاون مع حماس لفترة طويلة.

        علاقة متواصلة

في العام 2010 “اشتكى” قائد تنظيم محلي باسم “كتائب الناصر صلاح الدين”، جسم صغير فصل نفسه عن لجان المقاومة الشعبية، اشتكى من سلوك زكريا دغمش. وفي الرسالة التي أرسلها إلى خالد مشعل، الذي كان رئيس المكتب السياسي لحماس، توسل إليه كي يعزل دغمش من منصبه، الذي حسب قوله “سرق التنظيم ودمره لمصالحه الشخصية”. وكتب صائغو الرسالة بأنهم يتوجهون إلى مشعل عبر وسائل الإعلام بعد أن فشلوا في تحقيق المصالحة مع دغمش بواسطة زعماء حماس في القطاع. وكتبوا بأن هذه الرسالة نشرت في موقع “فراس” الفلسطيني، لأننا “لا نملك أي وسيلة للوقوف ضد الاحتلال، لأن أبو قاسم (دغمش) منعنا من إطلاق حتى لو رصاصة واحدة على العدو الصهيوني منذ سنة، ويجمع أسلحتنا ويهدد بإغلاق الذراع العسكري للجان. في عملية “الرصاص المصبوب” جلسنا في البيوت كالنساء ولم نقاوم. والآن سمعنا أن أبو القاسم يطلب منكم الأموال عن أضرار الحرب في غزة”. كُتاب الرسالة قالوا أيضاً إن دغمش يحصل على 30 ألف دولار في الشهر من قيادة حماس، وأنه وحده يتولى توزيعها.

هذه العلاقة بين حماس واللجان لم تنقطع حتى في الحرب الحالية. في الأسابيع الأخيرة، نشرت تقارير في غزة تفيد بأنه وفقاً لطلب حماس، تقوم اللجان الشعبية والمليشيات العائلية بحماية قوافل المساعدات الداخلة إلى القطاع، لأن رجال شرطة حماس يخشون لك خوفاً من هذه العصابات. ولكن يصعب وضع حدود بين مجال نشاطات اللجان الشعبية التابعة للعائلات الكبيرة وبين العصابات، التي تم منها أعضاء محسوبين على هذه العشائر والعائلات. ليست قوافل الغذاء وحدها التي تتعر للسرقة، فثنة سرقة للبيوت المتروكة التي أصبحت فرعاً لكسب المال. يقول السكان إنهم يشاهدون أثاثهم وأدواتهم المنزلية معروضة للبيع في أسواق مرتجلة. والمسؤولون عن هذا البيع هم بائعون من أبناء العائلات المعروفة. هذه المليشيات العائلية التي ترافق الشاحنات تؤجر المخازن والمباني لمنظمات الإغاثة مقابل مبالغ مرتفعة، إضافة إلى الأجزاء التي تأخذها لنفسها وتبيعها للسكان بسعر مرتفع جداً.

تتحدث إسرائيل عن نية تجنيد “رجال أعمال” لإدارة منظومة المساعدات المدنية، لكن هؤلاء هم نفس الأشخاص الذين يديرون أجهزة السلب الآن. تدرك إسرائيل وواشنطن الفوضى الكبيرة التي ترافق مشروع المساعدات.

اقتراح إغراق القطاع بالسلع لتحويل السرقة إلى أمر غير مجد أو لفض الأسعار، أمر يشبه الخيال. ما دامت المليشيات الشعبية والعصابات المسلحة أو الأقوياء هم الذين يسيطرون على الشارع ويسيطرون على المخازن ووسائل النقل، فكثرة البضائع تعني ربحاً كثيراً للمافيا المحلية، أي العائلات الكبيرة و”رجال الأعمال”، الذين أصبحوا فجأة الأمل الكبير الذي سيحرر إسرائيل من التعاون مع السلطة الفلسطينية.

في غزة، بالمناسبة، يقولون إن عصابات الجريمة لا يمكن أن تتشكل لولا أنها تخدم مصالح إسرائيل. “العصابات تسرق وإسرائيل تحميها”، كتب في أحد الحسابات في “اكس” (تويتر سابقاً). المشكلة أنه كلما استمر هذا الوضع، لن تعثر إسرائيل على جهة حقيقية مسؤولة، لا توافق فقط، بل ولا يمكنها مواجهة القوات المسلحة؛ لأنه حتى لو وافقت السلطة على الدخول إلى غزة فستحتاج إلى قوة شرطة كبيرة مسلحة بشكل جيد ومدربة وماهرة للبدء في فرض النظام. في هذه الفترة، إسرائيل التي تخاف من إعادة ترسخ حماس وتعمل على تصفية قدراتها المدنية وليس فقط العسكرية، تخلق في غزة واقع فوضى لسلطة عصابات مسلحة، التي قد تصبح تهديداً أخطر من حماس.

 تسفي برئيل

 هآرتس 22/3/2024



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية