الناصرة- “القدس العربي”: تواصل انتقادات المخرج البريطاني جوناثان غليزر للاحتلال الإسرائيلي إثارة أصداء واسعة في إسرائيل أيضاً، كونها تصدر عن مواطن يهودي وتصبّ الماء على الطاحونة الفلسطينية ضمن المعركة المفتوحة على الوعي بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. بيد أن هناك جهات إسرائيلية غير رسمية تعبّر عن موافقتها على انتقادات غليزر، وتُحمّل الاحتلال مسؤولية النزيف المستمر.
تحت عنوان “المخرج البريطاني اليهودي غليزر كان محقاً” قالت صحيفة “هآرتس”، في افتتاحيتها اليوم، إن إسرائيل تشهد ضجّة مرة، كل عدة أيام، نتيجةَ انتقاد لهذا أو ذاك ضد أفعالها، منوهةً بأن العاصفة الحالية أنتجها المخرج اليهودي البريطاني غليزر، بعدما فاز فيلمه “منطقة الاهتمام” بجائزة “الأوسكار” عن فئة أفضل فيلم أجنبي، في الحفل الذي أقامته الأكاديمية الأمريكية لفنون وعلوم الصور المتحركة.
الصحيفة: خسارة أن أعضاء الحكومة يعربون عن “زعزعة عميقة”، رداً على كلّ مقولة في البلاد أو العالم، ولا يصابون بزعزعة حيال الكارثة التي أوقعوها على إسرائيل
وكان غليزر قد قال، في كلمته خلال الاحتفالية، إن الاحتلال يحاول الاستئثار بالمحرقة اليهودية “فقامت القيامة”، كما تقول “هآرتس” في افتتاحيتها. وتضيف: “كيف يستطيع يهوديٌّ قول ذلك فيما تُواصل إسرائيل عَدّ قتلاها منذ السابع من أكتوبر، وفيما ما زال مخطوفوها في أسر “حماس” داخل غزة، وفيما يعرّض جنودها حياتهم للخطر دفاعاً عن الوطن. بيد أن الحقيقة هي أن غليزر كان محقّاً، حتى لو كان سماع ذلك ليس لطيفاً لدى قسم من المواطنين الإسرائيليين”.
وتقول “هآرتس” إنه رغم عدم وجود أيّ مبرّر، أو طريق لفهم المذبحة البشعة في السابع من أكتوبر من صنع “حماس”، فإن السياق الذي عملت فيه هو الاحتلال، وبشكل أدق الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي”.
كما تقول “هآرتس” إن “حماس” اقتحمت الحدود، واحتلت مستوطنات، وقتلت مواطنين وجنوداً، رجالاً ونساء وأطفالاً، وخطفت 250 منهم، ولكن مع ذلك سيكون من الخطأ تعريف ما حصل كمحرقة (بوغروم) إضافية في تاريخ اليهود، وهذه المرة في بلادهم”.
وعن الخطأ تتابع: “حقيقة أن لليهود دولة خاصة بهم قطعت التواصل التاريخي الذي كانوا فيه مجموعة يهودية دون حماية وملاحقة وضحية اللاسامية”.
وتوضح “هآرتس” أن “مذبحة السابع من أكتوبر وقعت لأن الدولة والجيش لم يقوما بوظائفهما، وفشلا في الدفاع، ومَكّنا العدو من المساس بمواطني الدولة بشكل غير مسبوق”. وتؤكد أن “خلفية الهجمة هو صراع قومي يلعب فيه الدين دوراً جوهرياً أكثر فأكثر، لكن ليس لاسامية، بدليل أن “حماس” لم ترحم حتى غير اليهود، فهناك قتلى ومخطوفون مسلمون وتايلانديون وأجانب آخرون”.
وترى “هآرتس” أن “كل مقارنة مع المحرقة اليهودية تقزّم ذكراها، وتقزّم دولة إسرائيل ومواطنيها”، منوهة بأنه “لا يمكن تجاهل الحقيقة أن من استخدم المقارنة الساخرة بين السابع من أكتوبر والمحرقة هم في الأساس من أهملوا الدولة ومواطنيها، وأوقعوا مصيبة علينا، واليوم يواصلون إهمال المخطوفين”.
وتشدد “هآرتس” أن “هؤلاء يستخدمون المحرقة من أجل تبرير المساس بالأبرياء الفلسطينيين، بما يشمل تجويعهم ومواصلة حرب بلا طائل لا تخدم هدف استعادة الأسرى، بل ربما بالعكس”.
وتضيف: “خسارة أن أعضاء الحكومة يعربون عن “زعزعة عميقة”، رداً على كلّ مقولة في البلاد أو العالم، ولا يصابون بزعزعة حيال الكارثة التي أوقعوها على إسرائيل والتي تبدو نهايتها غير واضحة طالما أن الاحتلال متواصل”.
وقال بنيامين طوبياس، محاضر وناقد سينمائي إسرائيلي، إن “كل الإسرائيليين يقفزون غضباً كلما أعلن فنانٌ ما يشذّ عن الرسائل التوافقية”، داعياً للابتعاد عن المبالغة، وللفهم أنه هنا إشارة تحذير تُظهِر كيف ينظر العالم لإسرائيل اليوم.
سينمائي إسرائيلي: ميري ريغف، صاحبة المزاج الساخن، لا تستطيع فرض الرقابة على أقوال غليزر وتطبيعه، فهي لا تسيطر على ميزانياته مثلما فعلت مع السينما الإسرائيلية
ويحذّر من الظاهرة: “الموضوع هنا أن وزيرة المواصلات، وزيرة الثقافة سابقاً، ميري ريغف، صاحبة المزاج الساخن، كمثال، لا تستطيع فرض الرقابة على أقوال غليزر وتطبيعه، فهي لا تسيطر على ميزانياته مثلما فعلت مع السينما الإسرائيلية. غليزر في هوليوود، ونحن هنا نتفجّر غضباً”.
في مقال نشره موقع “واينت” العبري يقول طوبياس إنه بالإمكان تحويل “أمثال غليزر لأعداء الأمة، كما فعلت ميري ريغف مع عدد من الإسرائيليين، مثلما من الممكن مغادرة حالة الراحة، ومحاولة استيعاب عمق الضائقة: طالما كانت إسرائيل معزولة في العالم، ليس بسبب لاساميين ومعادين للصهيونية فحسب، بل لأن أصدقاءها أيضاً، بمن فيهم يهود العالم الذين أفزعتْهم أحداثُ السابع من أكتوبر، يستصعبون اليوم تفسير ما تقوم به في هذه الأيام”.
ويخلص طوبياس للقول: “يأخذ عدد اليهود في العالم المستعدّين للتضامن مع إسرائيل بالتناقص، ليس لأنهم صاروا من داعمي “حماس”، أو طلاباً متحمّسين ينشدون “من البحر للنهر”، بل بسبب أفعال إسرائيل وصلنا إلى هنا”.
ويوضح شانير كلاين، ضابط في حركة “يكسرون الصمت” المعارضة للاحتلال، أن غليزر قال ما قاله يوفال أفرهام، مخرج إسرائيلي آخر فاز قبل أسبوع بجائزة الفيلم الوثائقي الأفضل في مهرجان برلين السينمائي مع زميله باسل عدرا، ما عرّضه لردود فعل اتهمتْه بعدم ذكر المخطوفين في السابع من أكتوبر، كما فعل غليزر، بل تحدث عن واقع الأبرتهايد داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
في المقابل، بعث رئيس صندوق الناجين من المحرقة في الولايات المتحدة رسالةً لغليزر دعاه فيها للخجل لاستخدامه كلمة “أوشفيتس” من أجل توجيه الانتقادات لإسرائيل، جاء فيها: “أنتجتَ فيلماً كارثياً وفُزت بالأوسكار. أنا سعيد من أجلك، لكن من المخجل أن تتحدث باسم ستة ملايين يهودي”.