يبدأ العالم برسم حدود واضحة بين إسرائيل الشرعية من جهة ومشروع الاستيطان الإجرامي في المناطق المحتلة من جهة أخرى. عقب مرسوم نشره رئيس الولايات المتحدة الأسبوع الماضي، فرضت فيه عقوبات على بؤرتين في الضفة وعلى ثلاثة مستوطنين بسبب العنف تجاه الفلسطينيين (إضافة إلى أربعة آخرين سبق أن فرضت عقوبات عليهم). هذه هي المرة الأولى التي تفرض فيها الإدارة عقوبات على بؤر استيطانية، قد يؤثر الأمر على تبرعات لها من جمعيات وأناس مستقلين في الولايات المتحدة. اثنان من المستوطنين في قائمة عقوبات الحكومة البريطانية.
يدور الحديث عن خطوات مهمة جداً. غير أن البنية التحتية الاستيطانية الإجرامية عميقة، ويشارك فيها كثيرون، فهي عقوبات ليست سوى بداية الطريق لتفكيك مشروع الاحتلال والاستيطان.
تحقيق “هآرتس” الذي نشر أمس (هاجر شيزاف) كشف عن الطريقة التي سمحت للمستوطنين بتلقي قروض سكن والبناء بشكل غير قانوني. مستوطنون بنوا في بؤر غير قانونية تلقوا قروض سكن لأراض في مخططات بناء المستوطنة المجاورة. أحد من تلقوا قرض السكن في عملية التحايل هذه قبل 20 سنة هو يهودا إلياهو، الذي هو اليد اليمنى للوزير سموتريتش ورئيس مديرية الاستيطان في وزارة الدفاع الذي يسيطر مع الوزير على “المناطق” [الضفة الغربية].
ويكشف التحقيق النقاب عن تعاون المنظومة المالية الإسرائيلية مع تعميق الاحتلال وتوسيع المستوطنات ويستوجب مراجعة لدور البنوك في ذلك. تشارك في هذا أيضاً دائرة الاستيطان والمستوطنين الذين صعدوا إلى الجبل، وبنوا فيه بيوتهم بشكل غير قانوني، والتي شرعنتها الدولة بعد وقت ما، وفقاً لنمط العمل الثابت.
إن موضوعي التحقيق، سموتريتش وإلياهو، هما من المؤثرين على سياسة إسرائيل في الضفة، وهي حقيقة توضح عمق سيطرة مشروع الاستيطان على الدولة. المسؤول عن السياسة في الضفة أقام بؤراً استيطانية أو بنى بشكل غير قانوني بل وأنشأ منظمة “رغافيم” التي هدفها تنغيص حياة الفلسطينيين بوسائل قضائية.
وقد سبق أن كشف عن دور الدولة في البؤر الاستيطانية بكل نطاقه وخطره في تقرير داليا ساسون في 2005. غير أن ما جرى في الظلام وفي الالتفاف على المنظومة بات جزءاً لا يتجزأ منها.
للأسف، هدف مشروع الاستيطان وطرق عمله الإجرامية لا تعني الإسرائيليين. يبدو أن الاهتمام بالموضوع يزداد أكثر في دول أخرى. عقوبات الإدارة تستهدف هذا بالضبط: محاولة التأثير على ضخ المال والنشاط الاقتصادي الذي يسمح للبؤر الاستيطانية بالازدهار. هذا هو السبيل الوحيد لإنقاذ إسرائيل من نفسها.
أسرة التحرير
هآرتس 18/3/2024