“صفر نتائج”، كانت هذه روحية العناوين في الصحف اللبنانية بعد انتهاء زيارة المبعوث الأمريكي الخاص، عاموس هوكشتاين، إلى بيروت الجمعة الماضي. هذه الزيارة لم تستهدف إظهار تفاجؤ أو خيبة أمل، بل تثبيت حقيقة. لا أحد ينتظر معجزة أمريكية تحدث عند زيارة هوكشتاين، ولا حتى المبعوث نفسه الذي سمع للمرة الـ 12 على الأقل مواقف حكومة لبنان الثابتة والمعروفة، وبالأساس رئيس البرلمان نبيه بري الذي فوضه حزب الله لإدارة المفاوضات باسمه حول التسوية والاتفاق والترتيبات أو أي مصطلح آخر سيؤدي إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان.
من ناحية لبنان، لم تتغير أسس هذا الاتفاق، وهي تشمل تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1701 بدون تغيير صياغته، وانتشار الجيش اللبناني جنوبي الدولة إلى جانب قوة اليونيفيل، التي لن تتغير صلاحياتها، والحفاظ على الصيغة التي تربط بين وقف الحرب في قطاع غزة ووقف النار في لبنان، ثم الاتفاق. ليس في لبنان جهة لها مكانة وصلاحيات سواء حكومية أو برلمانية وبالأخرى من قبل حزب الله، مستعدة للإعلان عن فصل العلاقة بين الجبهات. حتى بعد غياب الأمين العام لحزب الله عن الساحة، فإرثه سيملي مصير لبنان، ويحول أي نقاش حول الاتفاق إلى مناورة عقلية نظرية، وكل زيارة لوسيط إلى عرض متكرر لعدم الجدوى والفائدة. كل ذلك في الوقت الذي تتراكم فيه جثث القتلى في بيروت ومدن أخرى، ووصل عددها إلى أكثر من ثلاثة آلاف، وحيث آلاف المصابين لا يحصلون على العلاج في المستشفيات، وحوالي أكثر من 1.3 مليون شخص، بينهم نحو نصف مليون طفل، أصبحوا لاجئين في بلادهم أو هربوا إلى سوريا.
يبدو أن إسرائيل لا تخرب البنى التحتية المدنية بشكل متعمد، لكن لا حاجة إلى ذلك – حركة المهاجرين الجماعية التي تلقي على البنى التحتية القائمة (شبكة المياه وشبكة الكهرباء والخدمات الصحية) بعبء كبير وغير محتمل، تقوم بهذا العمل بنفسها. لا توجد أسرة فارغة للمرضى والجرحى الذين يصلون إلى المستشفيات، وأبناء عائلاتهم يكتشفون أنه لا يوجد موظف تسجيل يمكنه العثور على أبناء عائلاتهم في الغرف أو الممرات. يجب على هؤلاء أيضاً شراء الدواء بأنفسهم، في حين أن الممرضين والممرضات الذين لم يغادروا أماكن العمل حتى الآن لا يمكنهم تحمل الضغط. يحتاج لبنان إلى ضخ فوري لملايين الدولارات لتمويل النشاطات الحيوية الجارية حتى قبل النقاش حول إعادة إعمار الدولة، أو حول تسديد أقساط دينها الذي يقدر بـ 100 مليار دولار.
الخميس الماضي، عقد مؤتمر الدول المانحة في باريس الذي دعا إليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. شاركت في المؤتمر الذي انتهى بنجاح كبير حوالي 70 دولة ومؤسسة دولية. مقابل تقدير مسبق بإتمام جمع حوالي 500 مليون دولار في هذا المؤتمر، تعهد المانحون بتحويل مبلغ مليار دولار، 800 مليون للمساعدات الإنسانية و200 مليون لتعزيز وتقوية الجيش اللبناني، الذي يعيش منذ سنتين على منح الولايات المتحدة وقطر. في الأسبوع الماضي، أضافت قطر 10 ملايين دولار أخرى لرواتب جنود الجيش اللبناني.
لبنان يتذكر أياماً أفضل من هذه، عندما تعهدت الدول المانحة في العام 2018 بتحويل 11 مليار دولار إذا أجرت إصلاحات اقتصادية. إذا تم التوصل إلى اتفاق حول وقف إطلاق النار، فسيحتاج لبنان إلى أكثر بكثير من مليار دولار، والـ 200 مليون دولار المخصصة للجيش اللبناني يجب أن تتضاعف خمس أو ست مرات من أجل أداء مهمة الدفاع عن جنوب الدولة. يدور الحديث الآن عن تجنيد 6 آلاف جندي آخر سينضمون إلى القوة البالغ عددها 8 آلاف جندي، الذين سيتم انتشارهم في جنوب لبنان. على هؤلاء الجنود المرور بالإعداد والتدريب والتزود بأسلحة ثقيلة وسيارات مصفحة والاستعانة بطائرات مروحية وإقامة شبكات اتصال متقدمة وبناء قواعد، في حين أنه من غير الواضح حتى الآن حجم تفويض نشاطاتهم، والمجال الجغرافي الذين سيعملون فيه، وماذا ستكون صلاحياتهم في العمل أمام قوات حزب الله، التي ستحاول العودة إلى المناطق التي ستخليها إسرائيل، هذا إذا أخلتها، وماذا ستكون مكانتهم أمام تفويض قوة اليونيفيل التي تعد الآن أكثر من 10 آلاف جندي.
يتعين على الاتفاق النهائي إعطاء رد على كل هذه القضايا، الذي ما زال بعيداً حتى عن مسودة متفق عليها. المصطلح الرئيسي “القرار 1701″، الذي يقدم ظاهرياً رداً رسمياً على نشاطات قوة اليونيفيل وانتشار الجيش اللبناني، مختلف عليه؛ فموقف حكومة لبنان وموقف حزب الله وموقف نبيه بري، أنه يجب تطبيق الاتفاق بصياغته الحالية، بدون أي تغيير أو تعديل أو توسيع صلاحيات قوة اليونيفيل، وبدون تطبيق القرار 1559 من العام 2004 الذي ينص على حل جميع المليشيات المسلحة.
هذا الموقف يستند إلى حقيقة أن الحزب رغم ضربات إسرائيل ضده، إلا ما زال يمتلك قوة سياسية مهمة، وممثلوه أعضاء في الحكومة وفي البرلمان، ولديه سلاح يهدد به الساحة الداخلية في لبنان، وموافقته على أي اتفاق ضرورية لمنع مواجهات داخلية عنيفة تصل إلى الحرب الأهلية.
هذا الموقف يتصادم مع معارضة إسرائيل وأمريكا، التي تطالب بتوسيع لبنود القرار، بحيث يعطي إسرائيل صلاحية المتابعة الجوية لتنفيذ القرار، وعند الحاجة السماح بتنفيذ رقابة برية، أي القيام بـ “مطاردة ساخنة” داخل لبنان في كل حالة خرق، وتوسيع صلاحية عمل قوة اليونيفيل. حسب مصادر إسرائيلية، ستطلب إسرائيل أيضاً السماح بالتواجد في جنوب لبنان لـ “فترة انتقالية” يتم فيها فحص الترتيبات العسكرية التي ستقوم بها حكومة لبنان واليونيفيل، لكن مشكوك فيه إذا كان سيتم الرد بالإيجاب على هذا الطلب. رسمياً، سيحتاج تغيير صيغة القرار 1701 إلى إصدار قرار جديد من مجلس الأمن، وهو إجراء قد يشكل بحد ذاته عائقاً صعباً، بحيث يصطدم بالفيتو الروسي. ولكن بدون قرار كهذا، فإن قوة اليونيفيل لا يمكنها العمل.
تسفي برئيل
هآرتس 28/10/2024