“هل لديكم هاتف محمول؟”، سأل المراسل “سفير” طالبان عبد السلام ضعيف. “هل تعتقد ذلك، أيها الغبي؟ لديك أسئلة أجهل الإجابة عليها أو أتجاهلها”، أجاب السفير. “لدينا علب كوتج مربوطة بسلك، وانتهى هذا السلك. حين تريد التحدث مع شخص ستتصل به، وإذا رد عليك، تذهب إلى بيته وتقول له: مرحباً، ماذا تقول؟”. تم عرض ضعيف وطالبان في هذه المسرحية القديمة كشخصيات هزلية وبدائية تحكم دولة ممزقة ومعدمة. عندما يسأل المراسل ضعيف إذا كانت طالبان ستوافق على تسليم أسامة بن لادن، يجيب ضعيف: “سنسلمه، سنسلمه بشرط ألا تقوم أمريكا، بأي حال من الأحوال”. ألا تقوم بماذا؟ سأل المراسل. “لا أعرف”، أجاب ضعيف.
تعرف طالبان الآن ما الذي تريده، وكيف تجري المفاوضات وتدير اتصالات دقيقة. لم تكن لديهم هواتف ذكية في حينه، بل ولم تكن الهواتف العادية قد وصلت إلى كل مكان في الدولة التي كانوا يسيطرون عليها في الأعوام 1996 – 2001. أجروا الاتصالات العملياتية عبر أجهزة اتصال، وكثير منها من إنتاج أمريكي، وبقايا الغنائم التي سقطت في أيديهم بعد أن طردوا سلطة أمراء الحرب، المجاهدين، الذين أداروا حرباً أهلية دموية بعد أن هزموا الاتحاد السوفييتي.
الاتصالات المدنية التي شملت التعليمات الصارمة للسكان، أجرتها طالبان بواسطة المنشورات والراديو والتلفزيون ونشر معلومات شخصية وجهاً لوجه وفي العروض المخيفة التي قتلوا ورجموا وأحرقوا فيها من اتُّهم بالمس بالدين والعادات. كل حدث من هذه الأحداث استخدم كعرض إعلامي مرعب للسكان المحليين والعالم.
و“داعش” طور هذه الطريقة. فعمليات الإعدام التي نفذها قام بإخراجها بشكل جيد، وجند خبراء للإخراج والتصوير والصياغة، وأحياناً التدريب قبل التنفيذ. وقد أقام قسماً للدعاية باسم “الحياة مركز اتصالات”، الذي أصدر مجلة باسم “دابق” وفتح حسابات على “فيسبوك”، ونشر مضامينه أيضاً باللغة الإنجليزية والألمانية والروسية والفرنسية إضافة إلى اللغة العربية، وحول الشبكات الاجتماعية إلى سلاح ناجع، فاقت أهميته السلاح والذخيرة التي كانت بحوزته.
ولكن طالبان سبقت “داعش” بعدة سنوات عندما أقامت موقع الإنترنت الرسمي الأول لها. في العام 2008 أخضعت كل جهاز يتحدث باسمها لقيادة وإدارة ذبيح الله مجاهد. ورغم الخلافات الداخلية بين الفصائل إلا أن المجلس العام للحركة، “شورى كويته”، نجح بفرض اتفاق نسبي: الدعاية ستكون خاضعة للجسم المركزي.
في العام 2011 انضمت طالبان لـ”تويتر”، الذي تحول إلى وسيلة اتصال رئيسية بعد أن تم إغراق الدولة بملايين الهواتف الذكية، وشمل الوصول إلى الإنترنت أكثر من 60 في المئة من السكان. في 2016 قاموا بتطوير تطبيق تم تنزيله في متجر بيع التطبيقات في “غوغل”، ولكنه أزيل على الفور. إن استخدام الشبكات الاجتماعية لم يعف طالبان من الحاجة إلى مواصلة استخدام وسائل الاتصال التقليدية، مثل تسجيلات الفيديو، و”المنشورات الليلية”، التي فيها تهديدات وتحذيرات؛ من أجل نشر مواقفهم في القرى التي يعدّ الوصول فيها إلى الإنترنت ضئيلاً، والشبكات غير مهمة.
أرسلت طالبان إلى المناطق النائية رجال دعاية لنشر قصص بطولتها والتأكد من أن جهاز التعليم ينقل المضامين “الصحيحة”. ثمة أبحاث أجراها مركز “اتلانتيك كاونسل” ومجلة “وايرد” تدل على استثمارات طالبان الضخمة في الصراع الإعلامي ضد الحكومة الأفغانية، وبعد ذلك ضد “داعش”، وبالأساس فرع “داعش” في أفغانستان. ونشرت طالبان في السنة الأخيرة نحو 38 ألف رسالة، أي 45 ضعف الرسائل التي نشرها “داعش” في الدولة.
ذبيح الله مجاهد، المتحدث الرسمي لطالبان، أدار قسم الدعاية، الذي كان مسؤولاً عنه، بواسطة علب الكوتج المربوطة بالخيوط. وقد أجرى عشرات المقابلات، منها لمراسلين غربيين، من خلال الهاتف المحمول أو عبر الشبكات الاجتماعية، دون كشف وجهه. سريته ولدت انطباعاً بأن الأمر لا يتعلق بشخص حقيقي، بل جسم تبنى اسم شخص. “من غير المعقول أنه يمكن لشخص واحد استقبال هذا العدد الكبير من المكالمات الهاتفية. والحديث يدور عن كثير من الأشخاص”، قال مصدر استخباري لـ “نيويورك تايمز” في العام 2011. إن ظهوره العلني الأول في 17 آب، عندما جلس على كرسي وزير الاتصالات الأفغاني (الذي قتل قبل فترة قصيرة من ذلك) وأعلن عن احتلال كابول، بدد الشك.
المهمة الصعبة الآن هي بناء صورة جديدة لطالبان. في التصريحات التي نشرها مجاهد، تعهدت الحركة بعدم المس بحقوق الإنسان. وطُلب من شخصيات رفيعة في الحركة زيارة مصانع تعمل فيها النساء، والتحدث معهن، والتقاط صور هنا، وطلب من آخرين التجول في الشوارع بملابس مدنية وعرض هواتفهم الذكية الثمينة من أجل إظهار الثقة بالنفس والهدوء والأمن الشخصي الذي يتوقع أن يجده المواطنون. منشورات كثيرة من التي ينشرونها موجهة ضد “داعش”. على حساب “توتير” المكتظ لمجاهد، هناك أكثر من 37 ألف متابع، وكثيرون ينضمون كل يوم. بالمناسبة، لعبد السلام ضعيف أكثر من 117 ألف متابع. في العام 2001 تم اعتقاله وسجن في معتقل غوانتنامو في كوبا، وأطلق سراحه في العام 2005.
بقلم: تسفي برئيل
هآرتس 30/8/2021