هآرتس:..غزيون اعتقلهم الجيش الإسرائيلي: رقّمونا كالأبقار وأطلقوا علينا كلابهم واتخذونا دروعاً بشرية 

حجم الخط
0

في الأسابيع الأخيرة اعتقل الجيش الإسرائيلي وجمع مئات الفلسطينيين في شمال قطاع غزة مع فصل العائلات وإجبار الرجال على خلع ملابسهم والبقاء في الملابس الداخلية، وبعد ذلك نقل جزءاً منهم إلى منشأة اعتقال على الشاطئ. بقوا هناك ساعات وأحياناً أياماً بدون طعام وفي الجو البارد. هذا ما قاله نشطاء لحقوق الإنسان وأبناء عائلات ومعتقلون تم إطلاق سراحهم. الفلسطينيون الذين تم اعتقالهم في بيت لاهيا المدمرة وفي مخيم جباليا للاجئين وفي بعض أحياء غزة، قالوا إنه تم تكبيلهم وعصب أعينهم وتحميلهم في شاحنات. قال بعضهم إنهم اقتيدوا إلى معسكر غير معروف وهم بملابسهم الداخلية وقليل من الماء.

“تعاملوا معنا مثل الأبقار، ووسمونا بأرقام”، قال إبراهيم اللبد، وهو مهندس حواسيب (30 سنة)، الذي اعتقل في بيت لاهيا مع 12 شخصاً من أبناء عائلته، وتم احتجازه في المعسكر إلى اليوم التالي. “كان يمكننا الشعور بعداء الجنود”.

بعد عشرة أسابيع على أحداث 7 أكتوبر، بات أسلوب العمل هذا يكشف تكتيكاً جديداً في الهجوم البري الإسرائيلي، كما يقول الخبراء. وحسب قولهم، هذا جزء من محاولة للجيش الإسرائيلي لترسيخ السيطرة على المناطق التي تم إخلاؤها في شمال القطاع، وجمع المعلومات عن نشاطات حماس.

“هذا أمر يساعدنا، وله أهمية حاسمة في مرحلة قتال قادمة”، قال رئيس هيئة الأمن القومي السابق، يعقوب عميدرور. “هذه هي المرحلة التي نطهر فيها المنطقة من بقايا حماس”. وحسب تقدير مصادر في جهاز الأمن، فإن 10 – 15 في المئة من المعتقلين الذين تم توثيقهم في القطاع يؤيدون حماس.

إهانة لاذعة

الصور والأفلام التي نشرت في الشبكات الاجتماعية، التي ظهر فيها فلسطينيون جاثين على ركبهم وسط الشارع ورؤوسهم محنية، وفي بعض الحالات أيديهم مكبلة، أثارت الغضب الشديد. المتحدث بلسان وزارة الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، قال في الأسبوع الماضي إن الولايات المتحدة تجد هذه الأفلام “مقلقة جداً”. وقد طلبت معلومات إضافية حول هذا الأمر.

في مؤتمر صحافي عقد في بداية الأسبوع الماضي، تطرق المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي، دانييل هاغاري، إلى الشكاوى حول المعاملة المهينة للمعتقلين، وقال إنه تم التعامل معهم حسب “البروتوكول”، وإنهم حصلوا على ما يكفي من الطعام والماء، وقد طلب منهم خلع ملابسهم للتأكد من خلوهم من أحزمة ناسفة.

وقال هاغاري أيضاً إنه بعد التحقيق معهم، طلب من الرجال ارتداء ملابسهم. وإذا لم يتم هذا الأمر، فسيحرص الجيش على عدم تكرار هذه الحالات. وأضاف بأن المعتقلين الذين كان لهم اشتباه بعلاقة مع حماس، أُخذوا لمواصلة التحقيق معهم، وتم إطلاق سراح الآخرين وطلب منهم التوجه نحو الجنوب، إلى المنطقة التي أمرت إسرائيل الغزيين بالبحث عن ملجأ فيها. وأشار إلى أن عشرات من أعضاء حماس اعتُقلوا حتى الآن.

الأمر إهانة لاذعة للفلسطينيين. وحسب تقدير رامي عبده، مؤسس منظمة “ايرو هيومن رايتس مونيتر” في جنيف الذي يعمل على توثيق الاعتقالات، فقد اعتقل الجيش 900 فلسطيني تقريباً في شمال القطاع. وتبين من المقابلات مع أبناء عائلات 15 من المعتقلين، أن بينهم قاصرين ومسنين ومدنيين، كانوا قبل الحرب يعيشون حياة عادية بالكامل.

“جريمتي الوحيدة أنني لا أملك نقوداً للهرب نحو الجنوب”، قال أبو عدنان الكحلوت، وهو عاطل عن العمل (45 سنة) من بيت لاهيا ومريض بالسكري وضغط الدم. وكان اعتقل في 8 كانون الأول، وحسب قوله فقد تم إطلاق سراحه بعد بضع ساعات عندما شاهد الجنود بأنه يعاني من غثيان وضعف لا يسمح بالتحقيق معه. “يظهر لكم أن أعضاء حماس ينتظرونكم الآن في بيوتهم، حتى يأتي الإسرائيليون لاعتقالهم؟ بقينا هنا لأنه لا صلة لنا بحماس”، قال.

عالقون في خط النار

حسب التقديرات، بقي عشرات آلاف الفلسطينيين في شمال القطاع رغم الخطر – الذين لا يملكون تكلفة السفر ولا يريدون ترك أقارب مرضى أو معاقين وراءهم، أو أنهم يفترضون أن الوضع في جنوب القطاع، الذي تضرر بسبب القصف كل يوم، غير آمن أيضاً.

اختبأوا مع عائلاتهم تحت نار الرشاشات الثقيلة والقصف المدفعي على بيت لاهيا وجباليا، وتبادل إطلاق النار بين الجيش الإسرائيلي ومسلحي حماس الذين اقتحموا بيوتهم ومكثوا هناك بدون كهرباء أو مياه أو وقود أو وسائل اتصال. تم تدمير مئات المباني بالجرافات الإسرائيلية لشق طرق للدبابات وحاملات الجنود المدرعة.

“تتناثر على الشوارع جثث من ثلاثة أو أربعة أسابيع؛ لأنه لا أحد يمكنه الوصول إليها ودفنها قبل أن تنهشها الكلاب”، قال راجي الصوراني، وهو محام في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في غزة. وقال إنه شاهد عشرات الجثث عندما خرج من مدينة نحو الحدود المصرية في الأسبوع الماضي. وحسب قوله، فإن الجيش الإسرائيلي يحتجز أحد زملائه، وهو باحث في حقوق الإنسان أيمن اللبد.

الفلسطينيون وصفوا مشاهد مخيفة أيضاً للجيش الإسرائيلي وهو يقوم بتمشيط البلدات في شمال القطاع. وحسب أقوالهم، فإن الجنود يدخلون من بيت إلى بيت مع الكلاب ويطلبون من العائلات الخروج، أو يفجرون الأبواب بالعبوات ويصرخون على الرجال ويطلبون منهم خلع ملابسهم، أو يصادرون الأموال وبطاقات الهوية والهواتف المحمولة. على الأغلب، كما قالوا، الجنود يأمرون النساء والأطفال بالابتعاد والبحث عن ملجأ.

عدد من المعتقلين الذين تم إطلاق سراحهم تحدثوا عن الجنود الذين اقتحموا البيوت وشتموا النساء والأطفال وضربوا الرجال باللكمات وأعقاب البنادق. معتقلون آخرون تحدثوا عن إهانة متواصلة مروا بها عندما كانوا شبه عراة، وأن الجنود قاموا بتصوير الصور التي انتشرت بعد ذلك بسرعة البرق. بعض المعتقلين قدروا أنهم سافروا بضع كيلومترات قبل رميهم على الرمال. أما الجيش الإسرائيلي فرفض التطرق إلى المكان الذي نقلوا المعتقلين إليه.

عائلة أبو عدنان الكحلوت تؤمن بأن سبب التنكيل بأبناء عائلات المعتقلين هو الاسم الذي يشبه اسم المتحدث العسكري بلسان حماس، المعروف أكثر بلقب أبو عبيدة. ولكن أبناء عائلة الكحلوت – من بينهم كهربائي وخياط ومدير مكتب في موقع الأخبار “العربي الجديد” في لندن وموظفون في السلطة الفلسطينية- قالوا بشكل قاطع إنهم لا صلة لهم بالقوات المسلحة التي تحكم في القطاع.

حتى نهاية الأسبوع الماضي، ما زال ثلاثة من أبناء العائلة معتقلين، ولم يُسمع عنهم شيء منذ بضعة أيام. حمزة (15 سنة) وخليل (65 سنة) عادا إلى البيت في اليوم نفسه، واكتشفوا أنه لم يبق من المبنى المكون من خمسة طوابق إلا هيكل محروق. وقد هربوا إلى ملجأ للأمم المتحدة في مدرسة قريبة، لكن قوات الجيش الإسرائيلي اقتحمت المدرسة واعتقلتهم مرة أخرى.

بعض المعتقلين الذين أطلق سراحهم قالوا إن معاصم أيديهم تورمت وكانت مجروحة بسبب الأصفاد. وحسب أقوالهم، كانوا مكشوفين ليلاً في طقس بارد وسئلوا مرة تلو الأخرى عن نشاطات حماس. وهي أسئلة لا يملكون الإجابة عنها. نثر الجنود الرمال على وجوه المعتقلين وضربوا كل من تحدث بدون أن يأتي دوره.

الفلسطينيون المعتقلون مدة 24 ساعة أو أقل، قالوا إنهم لم يحصلوا على الطعام فاضطروا إلى تقاسم ثلاث علب مياه فيها لتر ونصف مع 300 معتقل آخر. وحسب أقوال نذير زندا، وهو عامل بناء، إنه لم يحصل إلا على فتات خبز ناشف خلال الأربعة أيام من الاعتقال.

درويش الغرباوي (58 سنة)، وهو مدير مدرسة تابعة للأمم المتحدة، أصيب بالإغماء نتيجة الجفاف. محمود المدهون، وهو صاحب دكان، قال إن اللحظة الوحيدة التي ولدت في نفسه أملاً عندما أطلق الجنود سراح ابنه لصغر سنه.

العودة إلى البيت جلبت معها أموراً فظيعة أخرى. حسب أقوال المعتقلين، فإنه بعد منتصف الليل قام الجنود بإنزالهم بدون ملابس وهواتف وبطاقات هوية قرب ما ظهر كأنه حدود القطاع الشمالية مع إسرائيل، وأمروهم بالسير بين الأنقاض والدبابات التي كانت على جوانب الشوارع والقناصة فوق الأسطح.

“بدا هذا كحكم بالإعدام”، قال حسن أبو شرخ، الذي مشى وأخويه رمضان (43 سنة) وبشار (18 سنة) وابن عمهم نسيم (38 سنة) وهو مزارع في بيت لاهيا، حفاة فوق الحجارة وقطع الباطون إلى أن سالت الدماء من أقدامهم. وطلبوا من أول شخص التقاهم قطع قماش لتغطية أجسادهم بها. وقال أبو شرخ، إن قناصاً إسرائيلياً أطلق النار على ابن عمه نسيم وقتله عندما كانوا في الطريق إلى مدرسة الوكالة في بيت لاهيا. اضطر الأخوان إلى ترك جثته في منتصف الطريق.

       عائلات تتوسل للحصول على معلومات

حسب مصادر إسرائيلية، ثمة سبب للاشتباه بالفلسطينيين الذين بقوا في شمال القطاع، على اعتبار أن أماكن مثل جباليا والشجاعية في شرق القطاع، معروفة كمعقل لحماس. “سندمر كل معاقل حماس إلى أن ننتهي من جباليا والشجاعية، وسنمضي إلى الأمام”، قال المتحدث بلسان حكومة الطوارئ أيالون ليفي، الذي أوضح بأن الجيش سيوسع المعركة ما دامت القوات البرية تتقدم نحو الجنوب، إلى المنطقة التي فيها مليون فلسطيني تقريباً تم تهجيرهم ووجدوا فيه الملجأ. وأضاف ليفي بأن الدور الآن يتركز على خانيونس، مركز منطقة القتال. “بالطبع، سنفحص من هو الإرهابي من حماس الذي يجب اعتقاله وتقديمه للمحاكمة، ومن هو ليس كذلك”، قال.

قالت منظمات حقوق الإنسان، إنه يجب التحقيق في الاعتقالات الجماعية. “ليس واضحاً الأساس الذي تحتجز فيه إسرائيل هؤلاء الأشخاص، الأمر الذي يطرح أسئلة جدية”، قال عمر شاكر، المدير الإقليمي في “هيومن رايتس ووتش”. “مسموح اعتقال المدنيين فقط لأسباب حيوية للأمن. هذه نسبة عالية جداً”.

تتوسل العائلات في هذه الأثناء للحصول على معلومات عن أحبائهم الذين اختفوا. وجاء من اللجنة الدولية للصليب الأحمر بأنه منذ بداية الحرب وحتى 29 تشرين الثاني وصل إلى الخط الساخن للمنظمة 3 آلاف مكالمة من أشخاص حاولوا الاتصال مع أقاربهم الذين اختفوا.

وقال زندا، عامل البناء (40 سنة)، الذي ذهب الأسبوع الماضي إلى مستشفى في دير البلح مع ابنه محمود (14 سنة) بعد أربعة أيام من الاعتقال: “لا أعرف أين زوجتي وأولادي السبعة. أهم على قيد الحياة؟ أموات؟ في السجن؟”.

أسوشييدت برس وايزابيل ديبري ووفاء الشرفا

هآرتس 19/12/2023



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية