اليسار الذي جئت منه لا يضيع الوقت بالنقاشات حول أي رئيس حكومة يميني يفضل: نتنياهو، نفتالي بينيت، افيغدور ليبرمان، جدعون ساعر، يئير لبيد. والمناوشات الدارجة حالياً في مسألة من هو المناسب للتاج، تؤكد لنا، نحن في اليسار، بعدنا عن هذا العالم. ولأن أحزابهم متصدرة المنصة، ووزننا أخف من الريشة، علينا التصويت لأقل الشرور، هذا ما نسمعه اليوم.
كل رئيس من رؤساء أحزاب اليمين المذكورين أعلاه، والذي يمكن أن يكون رئيس الائتلاف، هو الشر في أبهى تجلياته ومصدر للقلق والخوف. هؤلاء يتعززون لأن رئيس الحكومة في إسرائيل ليس قبطاناً وحيداً. في القضايا الجوهرية التي هي تطوير وتعميق للطابع الكولونيالي للدولة وتدمير مجتمع الرفاه، فإن رؤساء الحكومة كانوا وما زالوا جزءاً طبيعياً من مؤسسة فكرية تدير وتطبق، وهي تعمل منذ عشرات السنين. سموا هذا صهيونية، ومشروعاً قومياً، والدولة اليهودية. فرق من المجتمع الإسرائيلي – اليهودي تدافع عن الثمار التي تعطيها السيطرة النازعة للملكية على الفلسطينيين، ثمار توازن أضرار السياسة الليبرالية – الجديدة. هذه المعادلة موجودة في ميل إسرائيل نحو اليمين.
باختصار، اليسار يقف على ثلاث أرجل: التمسك بمبدأ المساواة بين بني البشر، ومعارضة الطبيعة الاستيطانية – النازعة للملكية وللدولة بكل تجلياتها العملية على جانبي الخط الأخضر، والسعي إلى مجتمع لا يسيطر فيه رأس المال ووزن الناس بالمال. هذه شروط ملزمة، والدمج بينها يفسر سبب تقلص اليسار وسبب خيارات تصويته المحدودة.
التكوين المتدهور لـ”أزرق أبيض” أو التكوين الأكثر نجاحاً لـ”يوجد مستقبل”، لم يقترب في جوهره من الوسط – يسار، ناهيك عن اليسار. يمين – وسط سيكون تعبيراً أكثر صحة لوصفهم. أحد التشويهات الكبيرة التي وجدت هو تماهي اليسار مع الأشكناز من الطبقة الوسطى فما فوق، ومع طيارين قصفوا مخيمات لاجئين في لبنان وغزة. الظاهرة الاجتماعية التي تقول إن الطيارين لا يحسبون على معظم ناخبي اليمين التقليدي (دون صلة بعدد الأشكناز ورجال الأمن في قمة الليكود)، لا تحول حركة العمل إلى يسار، التي أسست وطورت مشروع نزع الملكية من البحر إلى النهر.
حتى قبل العام 1948 استخدمت حركة العمل بكل تياراتها أدوات ذات طابع اشتراكي (كيبوتسات وهستدروت) لزيادة إقصاء الشعب الأصلي، الفلسطيني، عن وطنه وعن النظام السياسي. ومصادرة الأراضي، اليهودية العرقية أمر طبيعي للإسرائيلي العادي، وتلك القشور الاشتراكية مازالت تعرّف هذه الحركة كحركة يسارية، حتى بعد رميها وباتت غير ضرورية للمشروع الصهيوني. مع كل التعاطف مع ميراف ميخائيلي، تصعب رؤية حزبها الصغير يدخل الآن في عملية سوية لتحمل المسؤولية. إن تمسك “ميرتس” بالأيديولوجيا الصهيونية غريب ومقصي، حزب الديمقراطيون الذي يرمز إلى عملية صحية، ما زال جنينياً.
والقائمة المشتركة، التي ليست كل مكوناتها يسارية، خيبت الآمال. فهل هذا يعني أن لا نصوت مطلقاً؟ إن عدم التصويت يحول الانتخابات إلى أكثر أهمية مما هي: كأننا نؤثر أكثر بامتناعنا مقارنة بمشاركتنا، هذه مقاربة نرجسية. لا نريد ولا نستطيع أن نكون شركاء في سلطة صهيونية، ولكن عدم التصويت يتنازل عما يعلمنا إياه، مع ذلك، التجربة العملية لليسار: استخدام كل وسيلة نملكها كي نجعل أفكارنا وخياراتنا حاضرة في أي مكان ممكن، بما في ذلك البرلمان.
إن الانتماء لليسار يتميز بإيمان ديني تقريباً وبإمكانية التغيير نحو الأفضل، وبواجب العمل من أجل ذلك، حتى في الظلام السائد اليوم. لذلك، فإن نساء اليسار ينشطن بقوة من أجل العمال في مسافر يطا، وفي مجموعات نسوية، وفي المظاهرات التي تجري في سلوان وبلفور. لهذا، القائمة المشتركة التي تمثل الجمهور الأكثر فقراً في إسرائيل تستحق أصواتنا.
بقلم: عميرة هاس
هآرتس 9/2/2021