هآرتس: لماذا ستجرب إسرائيل استراتيجيتها مع لبنان بعد فشلها بقطاع غزة؟

حجم الخط
0

 “هل تتناول خطة حسن نصر الله وحزبه ومعارضته في الأصل تزويد احتياجات الصمود والتصدي؟ هل توجد أدوات طبية لمعالجة الجرحى والحروق التي ستحدث نتيجة الحرب؟ هل المستشفيات في الجنوب مستعدة لاستيعاب مئات، إذا لم يكن آلاف، الجرحى؟ هل توجد مستشفيات بديلة في حالة امتلأت المستشفيات في الحرب الشاملة؟ هل تم إعداد مستشفيات ميدانية؟ هل هناك ما يكفي من المواد الغذائية للبنانيين بشكل عام وسكان جنوب لبنان بشكل خاص، والشيعة بشكل حصري؟ هل جمعت محطات الوقود ما يكفي من الوقود، وهل ستتمكن عند الحاجة من توفير الوقود لسيارات الإسعاف وسيارات الحماية المدنية؟ هل تم إعداد بدائل للجسور والطرق الرئيسية إذا تم تفجيرها؟ هل تم تجميع كميات كافية من الطحين لتوفير الخبز أم سيترك سكان الجنوب لمصيرهم كما ترك سكان غزة للتجويع؟ هل تم أخذ هذه الأسئلة في الحسبان كي تستطيع أنت ومقاومتك وحزبك الانتصار على العدو أم أن كل الشعب لا يهمك أنت أو تنظيمك؟ الحرب، يا سيد حسن، ليست خطاباتك وشعاراتك المدوية… ليست زيادة أبناء طائفتك لتصبح أكبر من الطوائف الأخرى أو مهاجمة من لا يتفق مع مواقفك… وعلى الحريات العامة لباقي أبناء شعبك. إذا لم توفر احتياجات الصمود والتصدي لشعبك، الذي تحارب باسمه، فستكون الخاسر، بل وتتآمر ضد دولتك وشعبك”. بهذه اللغة اللاذعة والمتهمة، المباشرة وغير الملتوية، كتب أمس كاتب الأعمدة اللبناني حسين عطايا مقالاً في موقع “الجنوبية” اللبناني، الذي عبر فيه عن خوف الجمهور الكبير من اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل ولبنان.

 “علينا أن نكون واضحين. شعوب المنطقة وشعوب العالم لن تسمح بأن يكون لبنان غزة ثانية”، حذر سكرتير عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، لكن اللبنانيين ليسوا بحاجة إلى تحذيراته. معنى الحرب الشاملة وتداعياتها تسربت قبل عدة أسابيع عندما شاهدوا هروب 100 ألف مواطن من قرى الجنوب ووجدوا لهم ملجأ وسط الدولة وشمالها. ولكن الآن، حيث البلاغة الحربية تصاعدت ومثلها المواجهة العسكرية وبات التهديد موجهاً لكل أراضي لبنان، فإن الشعور بالخوف الوجودي بدأ يسري في جميع سكان الدولة، وهذا شعور يحتاج إلى حلول. ولكن مثلما هو الأمر في غزة، فإن مقالات النقد والتحذير التي يسمعها سياسيون في لبنان، بدءاً برئيس الحكومة نجيب ميقاتي ومروراً بزعيم الطائفة المارونية بشارة الراعي وانتهاء زعيم حزب القوات اللبنانية المسيحية سمير جعجع، لا تخرج المواطنين إلى الشوارع. “هذا شعور بالعجز المطلق”، كتب لـ “هآرتس” أكاديمي لبناني في بريد إلكتروني غير مباشر خوفاً من معرفة هويته. “نحن أسرى في يد شخص واحد، بدون حكومة وبرلمان، وبدون قدرة على الاعتراض. ليس هناك دولة خارجية عظمى تدافع عنها أو توقف نصر الله. فهو يعرض الجميع بنكاً للأهداف الإسرائيلية التي يخطط لمهاجمتها إذا اندلعت الحرب، لكننا أصبحنا بنك أهداف”.

  يجب أن تكون هذه أيضاً رؤية توجه من يخطط في إسرائيل لـ “الهجوم العقابي” الأخير ضد لبنان، الذي قد يفرض على حسن نصر الله وقف النار والتوصل إلى اتفاق بعيد المدى بشأن تطبيق القرار 1701. لأنه إلى جانب الإصابات الشديدة والقتلى والجرحى وتدمير البنى التحتية في الطرف الإسرائيلي، فإن السؤال الأساسي، مثلما في غزة، هو: ما هي استراتيجية الخروج من الحرب في لبنان؟ من سيطبقها؟ وماذا عن احتمال التوصل للنتيجة ذاتها بدون الحرب؟ لأنه خلافاً لغزة، التي تبدو فيها حماس شريكة في اتفاق حول تبادل المخطوفين والأسرى ولكنها ليست شريكة في تسوية حول إدارة القطاع بعد الحرب، فسيواصل الشريك في لبنان كونه حزب الله كعامل رئيسي. وما لم تكن هناك حكومة حقيقية، فسيكون هو الجهة الحصرية التي سيتم معها صياغة أي اتفاق.

 على النقيض من الحديث في إسرائيل عن تدمير بنى حماس التحتية العسكرية والمدنية، فلا أحد يتحدث، فضلاً عن التعهد بتدمير القدرات العسكرية لحزب الله أو عن تدمير بناه التحتية المدنية. البنى التحتية في لبنان هي بملكية مشتركة بين الحكومة والحزب. ولكن لحزب الله مصادر تمويل وتزويد وإمداد، تلك التي تأتي من ميزانية الدولة بشكل قانوني والتي بناها الحزب بشكل مستقل خلال عقود في أرجاء العالم، إلى جانب التمويل والتسليح الثابت الذي يحصل عليه من إيران. لا يحتاج حزب الله حتى إلى الخدمات المصرفية اللبنانية، التي يحظر عليها فتح حسابات بنكية للأعضاء بسبب العقوبات الأمريكية التي فرضت على حزب الله.

  تتطلع إسرائيل إلى تطبيق القرار 1701، لكنه تطلع جزئي، لأن القرار يشمل بنوداً لا تتعلق فقط بانسحاب قوات حزب الله حتى نهر الليطاني ونشر قوات دولية وقوات الجيش اللبناني على طول الحدود، بل فيه بند ينص على نزع سلاح الحزب. لا يوجد اليوم أي إسرائيلي أو لبناني أو دبلوماسي، يضع تطبيق هذا البند شرطاً لاتفاق وقف إطلاق النار أو بعد ذلك اتفاق حول ترسيم الحدود بين إسرائيل ولبنان.

ثمة افتراض آخر، وهو أن أي هجوم على البنى التحتية في لبنان، يشمل المس الكبير بشبكات الكهرباء والمياه والطرق والمباني السكنية، سيخرج مئات آلاف اللبنانيين إلى الشوارع يطلبون من حزب الله وقف إطلاق النار والتوقف عن تدمير الدولة. هذا الأمل لم يتحقق في غزة، ولم يكن من المحتمل أن يتحقق؛ لأن معظم مواطني القطاع أصبحوا خلال فترة قصيرة لاجئين مذعورين لا شيء يملكونه، وباتوا يبحثون عن مأوى لهم ولأبناء عائلاتهم. وأي مظاهرة كانت ستعرض حياتهم للخطر من قبل حماس أو القصف الإسرائيلي.

 لبنان مختلف. معارضة حزب الله حتى لو كانت غير قادرة على مواجهته عسكرياً، فهي علنية وفظة. المظاهرات الكبيرة ليست غريبة على المواطنين. في 2005 عقب قتل رئيس الحكومة رفيق الحريري، أحدثت مظاهرات الجمهور الإنجاز الأهم في الدولة عندما تسببت بانسحاب القوات السورية من لبنان. المظاهرات والمواجهات العنيفة بين حزب الله ومؤيديه وبين قوات الحكومة ومعارضي التنظيم على خلفية سياسية واقتصادية، حدثت بدون توقف تقريباً في الأعوام 2006 – 2008، العام الذي سيطر فيه حزب الله بالقوة على أحياء مسيحية وسنية في بيروت.

 منذ بداية الأزمة الاقتصادية في 2019 سجل عدد لا يحصى من المظاهرات في الشوارع والإضرابات والمواجهات العنيفة. ولكن هناك فجوة مبدئية، حتى وطنية، تفصل بين المظاهرات على خلفية سياسية واقتصادية داخلية وبين احتجاج عام ضد الحرب مع الذي يعتبر عدو الدولة. لذلك، لا يقين بأن حرباً شاملة مع إسرائيل ستشعل احتجاجاً كبيراً للجمهور في لبنان. إضافة إلى ذلك، لا يوجد لإسرائيل طريقة لمعرفة مدى حجم الدمار الذي ستلحقه بلبنان قبل تراجع حزب الله، وكم الوقت الذي سيعطيه لها المجتمع الدولي، لا سيما أمريكا، كي تمارس الهياج. الافتراض الاستراتيجي هو أن حزب الله ملزم أيضاً باليوم التالي، لذلك يجب عليه الحفاظ على مصالحه ومصالح إيران حتى بعد الحرب، إذا اندلعت، بحيث لا يفقد سيطرته السياسية في لبنان. من هنا نستنتج أن الضغط التدميري على لبنان سيجبر حزب الله على وزن خطواته، على الأقل تقليل مستوى النار إلى أن يتم التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة، الذي سيعقبه وقف كامل للنار في لبنان أيضاً. ولكن هنا بالذات يكمن مفتاح التوصل إلى نفس الاتفاق أيضاً بدون حرب، وهو مقرون بموافقة إسرائيل على وقف النار في غزة وليس بالحرب في لبنان.

تسفي برئيل

 هآرتس 24/6/2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية