هآرتس: مؤشرات سياسية وميدانية: إسرائيل تستعد لحرب مع لبنان.. بلا هدف

حجم الخط
0

قائمة طويلة، مفصلة ودقيقة، وربما دقيقة جداً، نشرتها أمس صحيفة “الأخبار” المقربة من حزب الله حول المساعدة السخية التي وفرها ويوفرها الحزب للسكان في جنوب لبنان. وهذه المساعدات تشمل 288.617 وجبة طعام، 79.906 منحة مالية شهرية للعائلات “الصامدة”، أي العائلات التي بقيت في قرى جنوب لبنان، وللعائلات المهجرة، ومساعدات من أجل العثور على ملجأ لـ 25.784 شخصاً، الذين تدمرت بيوتهم، و3.188 مخصصات لأجرة الشقة، ومساعدة لـ 6.171 عائلة لشراء أثاث للبيوت، و4.604 منح تعويض لأصحاب البيوت التي تدمرت.. إلخ. التفصيل الكامل الذي يشمل عشرات البنود يشير هو أيضاً إلى أنه مقارنة مع الوضع في حرب لبنان الثانية، فإن حزب الله لا ينتظر في هذه المرة اليوم التالي للحرب، بل يعمل لـ “ملء الفراغ المعروف والمعتاد الذي تركته الحكومة ومؤسساتها ومنظمات المساعدات المحلية والدولية”.
هذا النشر جزء من حملة حزب الله للتأثير على الرأي العام في لبنان أمام الانتقاد الجماهيري والسياسي الموجه ضده حول الحرب، لكنه غير منفصل أيضاً عما يقرأه ويسمعه حزب الله حول ما يحدث في إسرائيل حيث يسود إحباط ويأس في أوساطـ 100 ألف مواطن إسرائيلي الذين لا يمكنهم العودة إلى بيوتهم، ويد الحكومة الإسرائيلية المقبوضة التي لا تفعل ما يكفي لمساعدة العائلات الإسرائيلية “الصامدة” أو التي أخليت من بيوتها.
إن تهجير عشرات آلاف المواطنين الإسرائيليين يعتبره حسن نصر الله جزءاً من الانتصار في المعركة مع إسرائيل، كما يعرض أشغال الجيش الإسرائيلي على الحدود الشمالية كإسهام له في “وحدة الساحات”، إسهام يقلل الضغط عن قطاع غزة. ومشكوك فيه إذا كان السكان في جنوب لبنان أو الذين هُجروا من بيوتهم راضين عن مساعدات حزب الله لهم، أو المقارنة مع وضع مواطني إسرائيل. حسن نصر الله في الحقيقة وعد سكان الجنوب بأنه بعد انتهاء عملية “الثأر” التي نفذها كانتقام على تصفية فؤاد شكر، بالعودة إلى بيوتهم بأمان، لكنهم يجدون صعوبة في ملاءمة هذه الدعوة مع الهجمات المستمرة لسلاح الجو الإسرائيلي. هم الآن مثل الحكومة اللبنانية ودول المنطقة والولايات المتحدة، يدركون أنه لا نهاية لهذه الحرب، وأن جميع الأطراف بدأت تستعد “للحرب الواسعة”.
يفحص اللبنانيون الإشارات الدالة على ظهور مثل هذه الحرب بخوف كبير. إلى جانب التصريحات العدوانية التي تأتي من إسرائيل والتحذيرات التي ترسلها الإدارة الأمريكية للحكومة اللبنانية حول نية إسرائيل، فإن كثافة هجمات إسرائيل تتزايد، والمجال الجغرافي المتضرر، لا سيما قرى الجنوب في محيط مدينة صور، يتم تفسيرها كنيّة إسرائيلية لخلق “حزام عازل” بين الجنوب ونهر الليطاني. في لبنان ينشرون أيضاً عن الإضرار الكبير بمنطقة الأحراش الكثيفة في محيط مدينة صور، التي يتم فيها -حسب الشكوك- تركيز منظومة صواريخ حزب الله للمدى القصير والمتوسط. ويفسرون هذه الهجمات أيضاً كنية لتمهيد الأرض قبل هجوم واسع. والهجوم الكبير على سوريا مساء الأحد الذي قتل فيه 16 شخصاً وتضمن -حسب تقارير المركز السوري لحقوق الإنسان- ثلاث جولات من القصف التي وجهت إلى “مركز الأبحاث العلمية” قرب مدينة حماة، يبرهن -وفقاً لمحللين لبنانيين وعرب- أن ثمة نية تتجاوز الهجوم المحدود لموقع عسكري، الذي هوجم بضع مرات من قبل.
مرة أخرى، عرضت صحيفة “الأخبار” أمس نظرية أصلية عن خطط إسرائيل، التي بحسبها تخطط لغزو البقاع اللبناني عبر سوريا؛ لفصله عن جنوب لبنان، وأن “جهات لبنانية” فحصت الأمر مع رؤساء منظمات المتمردين السوريين الموجودين في أوروبا حول إمكانية المشاركة مع إسرائيل ضد حزب الله أو الامتناع عن ذلك. كانت المواقف منقسمة، حسب “الأخبار”.
هناك شك حول فحص هذا الخيار بجدية، لكن نشر هذه الأمور بالذات في الموقع المقرب من حزب الله يدل على غضب الحزب من عدم انضمام سوريا حتى الآن إلى “جبهة المساندة” وعدم مشاركتها في القتال. سوريا في الحقيقة حصلت من حسن نصر الله على “إعفاء” من المشاركة في الثأر على تصفية فؤاد شكر، لكن دمشق لا تحتاج إلى مصادقة حسن نصر الله؛ فموقفها المنسق في الواقع مع إيران يستند إلى تحليل مصالح سوريا والتهديد المتوقع عليها بسبب تدخلها في الحرب.
في الوقت نفسه، ما زال حزب الله حبيس الإملاء الذي صاغه هو نفسه، القائل بأن المواجهة مع إسرائيل أو وقفها يرتبط بالتطورات في غزة وباتفاق وقف إطلاق النار مع حماس.
ما دامت هذه المعادلة سارية المفعول، فإن هامش العملية الدبلوماسية لوقف المواجهة في الشمال يرتكز بالأساس على إرسال الرسائل الهجومية والتهديدات الصريحة، سواء لحزب الله أو إيران، بهدف تقليص ساحة المواجهة لمنع اندلاع حرب شاملة. في موازاة ذلك، تستمر المحادثات بين الولايات المتحدة وفرنسا والحكومة اللبنانية، وبشكل غير مباشر حزب الله بواسطة “مفوضه” رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، حول خطة اليوم التالي التي يرتكز أساسها على شكل تطبيق القرار 1701. ولكن وزير خارجية لبنان، عبد الله بوحبيب، فاجأ هذا الأسبوع القيادة السياسية في الدولة عندما أبلغها بأنه تحدث مع “جميع الأطراف المتعلقة بهذا الشأن حول استعداد لبنان إجراء مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل حول وقف الحرب”، قال. “نتحدث مع كل الدول ومع مجلس الأمن بأنه عندما يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار، فعلى مجلس الأمن اتخاذ قرار جديد ليس نسخة معدلة للقرار 1701”.
ليس واضحاً ما هو الأمر الذي جعل بوحبيب ينشر هذه الأقوال المتناقضة مع موقف حكومة لبنان الثابت، الذي يقول بأنه يجب تنفيذ القرار 1701 بشكل كامل، ربما مع تعديلات صغيرة، لكن بدون تغيير جوهر هذا القرار. تعرض بوحبيب أمس لسيل من الانتقادات وسارع للتوضيح بأن “كل ما قيل حول اتخاذ قرار جديد (بدلاً من القرار 1701) هو أمر نظري ولا يعتبر بديلاً عن القرار الأصلي. ولكننا دائماً منفتحون على إجراء محادثات إيجابية مع كل الشركاء في إطار المبادئ والتفاهمات الداخلية”.
المبادئ والتفاهمات الداخلية في لبنان تعتبر “موضوعاً نظرياً” أيضاً، لكن يبدو أن أقوال الوزير لا تستند فقط إلى “النظرية”، فمصدرها التفسيرات التي حصل عليها من الولايات المتحدة، وبشكل غير مباشر من إسرائيل، التي يرى بحسبها أن القرار 1701 فقد أهميته أمام التهديد البالستي بعيد المدى لحزب الله. هذا القرار يطلب من حزب الله الانسحاب إلى ما وراء نهر الليطاني، وبذلك إبعاد تهديد الصواريخ قصيرة المدى والقذائف التي تتسبب بأضرار كبيرة، لكن ليس فيها ما يحبط تهديد الصواريخ بعيدة المدى أو تهديد المسيرات. المعنى أنه حتى لو تم التوصل بمعجزة إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، الذي سيتبناه حزب الله، فلن يكفي ذلك لتوفير شعور بالأمان وتمكين سكان الشمال من العودة إلى بيوتهم.
تبرز هنا أيضاً عدم وجود استراتيجية إسرائيلية واضحة تبين التسوية التي تسعى إليها مع لبنان وحزب الله. لأنه مقابل تدمير حماس، أو على الأقل تدمير قدراتها العسكرية والقضاء على سيطرتها المدنية في غزة التي صيغت كجزء من أهداف الحرب، فلا يعتبر تدمير حزب الله هدفاً. ولم تحدد إسرائيل أيضاً تهديد لبنان الذي تطمح إلى تحييده، حيث إن جزءاً كبيراً منه سيبقى موجوداً حتى لو نُفذ القرار 1701. هل إسرائيل شريكة في الموقف “النظري” لوزير خارجية لبنان، الذي يقول بوجوب العمل على اتفاق جديد وقرار جديد في مجلس الأمن؟ يبدو أنه مثلما في غزة، تستعد إسرائيل لحرب في لبنان بدون استراتيجية أو سياسة واضحة حول ما تريد تحقيقه في هذه الحرب.
تسفي برئيل
هآرتس 12/9/2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية