إسرائيل لا تحب التحدث عن الأبرتهايد، فهي كلمة قاسية تكتنفها ذكريات مخزية من التعامل المرفوض مع نظام ظالم وذكريات أخرى من الأيام التي كنا فيها ممنوعين من دخول المؤسسات بسبب الدونية. الأبرتهايد صعب علينا. الكلمة، وليس السياسة، لها ما يسمى بالدلالات، لكن الأبرتهايد هي الكلمة الدقيقة للضم الذي يقترحه نتنياهو. وإذا كان صعباً علينا النظر في المرآة، فربما تكون المشكلة ليست في المرآة.
إسرائيل لا تدرس عن جنوب إفريقيا وعن علاقاتنا القريبة معها. خريج الثانوية يمكنه قول شيء ما عن نلسون مانديلا، لكنه لا يعرف شيئاً عن “إي.ان.سي”. هو يعرف شيئاً ما عن منع الزواج بين الأعراق، وعن الشواطئ والمدارس المنفصلة، وعن منع الدخول إلى المراحيض. ولكنه لم يسمع عن كلمة “بنتوستانات”. ومن المشكوك فيه إذا كان يعرف أن جنوب إفريقيا أنشأت في أراضيها دول الرعاية هذه للادعاء بأن السود هم مواطنوها، وعليهم أن يطالبوا بالحصول على حقوقهم في البنتوستانات. ولن يعرف عن تصاريح المرور وعن مدن الصفيح التي عاش فيها السود كقوة عمل رخيصة، مسلوبي الحقوق. هو سيعرف عن المقاطعة الدولية وليس عن “دعاية” جنوب إفريقيا.
نعرف عن جنوب إفريقيا بالضبط ما يكفي لكي نشير إلى الفروق بيننا. ونحن جاهلون بما فيه الكفاية من أجل التنصل من التشابه.
جنوب إفريقيا ساهمت في القانون الدولي بجريمة جديدة ضد الإنسانية. لسنا جنوب إفريقيا، لكننا مع جريمة الأبرتهايد. نغازل منذ زمن بعيد. وواقع من 53 سنة من الاحتلال يذكر بالأبرتهايد بما يكفي، لكن شمله في قانون مثلما يخطط نتنياهو سيحولنا إلى أبرتهايد رسمي.
أعرف الادعاءات، وكان يمكن الادعاء بصعوبة بأن الاحتلال “ضرورة أمنية” لو لم نخصص المليارات لإقامة المستوطنات، ولو لم نتجاهل البؤر الاستيطانية غير القانونية في الوقت الذي ندمر فيه آلاف المنازل الفلسطينية، ولو أننا صادقنا على أكثر بقليل من 1.4 في المئة من طلبات البناء للفلسطينيين في مناطق “ج”. ماذا اعتقدتم القصد من ذلك. لا تصرخوا، فلستم الذين يصرخون على هذه السياسات.
نتنياهو في محاولته الآن خلق تراث مفصل على قياسه لنفسه إنما يحاول تبني الحيلة القانونية لجنوب إفريقيا: هاكم، ثمة سيادة للفلسطينيين، في جزرهم المحاطة بنا. سنعطيهم شوارع سيادية خاصة بهم كي يسافروا فيها بين المناطق السيادية. سيكون لهم كرانزكاي وكوازولو خاصان بهم.
نتنياهو ليس أول من أحب استراتيجيات البقاء لحكم الأبرتهايد، فقد سبقه نفتالي بينيت وإييلت شكيد، وقبلهم بكثير أريئيل شارون. وهو ليس الأول الذي يحلم بالأبرتهايد، لكنه الأول الذي ينوي تطبيقه بدون مبررات وأقنعة و”حاجات أمنية” و”تكاثر طبيعي”: أبرتهايد، بفخر. تقريباً هم يسمون هذا بتعبير مغسول “تطبيق السيادة”.
“أيتها الأرض الحبيبة، اصرخي”، هذا هو عنوان كتاب إلين بيتون عن الأبرتهايد. وهو عنوان مقال لعزرئيل كارلباخ، من أوائل محرري “معاريف” في العام 1953. كارلباخ وصف لابنته طرق السلب لتي اتبعناها تجاه العرب في البلاد: “أنت، ربما عيونك هذه لن تعرف. أنت من مواليد البلاد ولكونك هكذا اعتدت، وبالنسبة لك فمن الطبيعي أن العالم منقسم إلى قسمين، المنتصرين والمهزومين، إنسان سامي وإنسان حقير. وبالنسبة لي أنا يهودي”. ليست كلمة الأبرتهايد هي التي أخافت كارلباخ، بل أخافته السياسة. وهذه السياسة يجب أن تخيفنا نحن أيضاً.
بقلم: زهافا غلئون
هآرتس 18/6/2020