هآرتس: هل تجاوزت إنجازات “الإبراهيميات” الجانب الاقتصادي مع الإمارات؟

حجم الخط
0

قبل سنة بدأ نشر أنباء مفاجئة بشأن اتفاق تطبيع يتبلور بين إسرائيل والإمارات. في نهاية آب 2020 زار الخليج وفد إسرائيلي رسمي أول، وبعد أسبوعين تم التوقيع على الاتفاقات مع الإمارات والبحرين في البيت الأبيض. رئيس الحكومة في حينه، نتنياهو، لم يتمكن من تطبيق برنامجه، وهو إجراء زيارة رسمية إلى أبو ظبي. أمس، سافر كشخص عادي في إجازة خاصة إلى الولايات المتحدة.

ما هي التغييرات التي أحدثتها اتفاقات التطبيع بعد مرور سنة؟ حسب جهاز الأمن، فقد تغيرت أمور كثيرة إلى الأفضل، ولكنها أقل مما كان يمكن تقديره من البداية.

العملية التي حاكها نتنياهو والرئيس الأمريكي ترامب وولي عهد الإمارات محمد بن زايد، عملت على اختراق الجمود الذي استمر لبضع سنوات في العلاقات بين الدولتين. ولكن هؤلاء الثلاثة أملوا في تحقيق إنجاز أكبر من ذلك. فقد استهدف الاتفاق شق الطريق أمام اتفاقات تطبيع مع دول عربية كثيرة أخرى على رأسها السعودية؛ وكان يمكنه ترسيخ تحالف استراتيجي جديد يؤيد أمريكا في الشرق الأوسط كرد على المحور الشيعي بقيادة إيران؛ واستهدف أيضاً الإثبات بأن إسرائيل لا تحتاج إلى السلام مع الفلسطينيين لضمان تحسين العلاقات مع دول المنطقة.

العملية نفسها التي انضم إليها فيما بعد المغرب والسودان، كانت دراماتيكية ومؤثرة. ربما هذا هو الإنجاز الكبير الوحيد لترامب في المنطقة، وبالتأكيد إحدى النقاط الإيجابية في سياسة إسرائيل الخارجية في سنوات حكم نتنياهو الـ 12. ولكن الشعور بالنتائج الاستراتيجية الإقليمية كان على درجة أقل. وحسب مصادر أمنية في إسرائيل، فإن النتائج الأساسية للسلام مع الإمارات تم تحقيقها في المجال الاقتصادي والتكنولوجي. فمثلما أمل نتنياهو، أظهر شيوخ الخليج اهتماماً بالاستثمارات الكبيرة في إسرائيل.

في الوقت نفسه، تعززت العلاقات الأمنية والاستخبارية بين الدولتين. وأظهرت كشوفات نشاط شركات سايبر إسرائيلية، هجومية الإمارات كأحد الزبائن المهمين للتكنولوجيا الإسرائيلية التي استخدمت أحياناً بصورة عدائية للمس بالمراسلين ونشطاء حقوق الإنسان، في صفقات عُقدت بتشجيع من الدولة. ولكن إذا كانت إسرائيل قد أملت بأن تكون الإمارات جزءاً من تحالف منفتح أكثر على الخارج يعمل على كبح تحركات إيران في المنطقة بقوة، فقد تبين أن هذا أمل كاذب. وبقي تدخل الإمارات في الساحة الفلسطينية متدنياً، ولم تحل الأموال التي وصلت من هناك بعد محل الأموال القطرية في قطاع غزة رغم دعم إسرائيل المتزايد لهذه الفكرة.

يبدو أنهم في الخليج يتبعون مقاربة حذرة تنبع من اعتبارات يرتبط بعضها ببعض. أولاً، تعدّ إيران دولة إقليمية عظمى وقوية، ولا تنوي الانسحاب أمام الولايات المتحدة، ولا تخشى أن تمس بمصالح أمريكا وإسرائيل في المنطقة. ثانياً، استبدال الإدارة في الولايات المتحدة قلل شهية توثيق العلاقات مع إسرائيل، سواء في الإمارات أو السعودية، التي أمل كل من ترامب ونتنياهو بضمها إلى اتفاقات التطبيع.

كان الرئيس ترامب عراب هذه العملية. والرئيس الحالي جو بايدن، متشكك أكثر. توجه الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط، الذي تم تحديده في نهاية فترة إدارة أوباما (مع تعرج نموذجي في فترة الرئيس ترامب)، استمر بشكل أكثر تشدداً في فترة بايدن. تركز أمريكا على الشرق الأقصى وعلى علاقاتها المشحونة مع الصين. في هذه الظروف، فإن تعهد الإمارات بتعزيز علني آخر لعلاقتها مع إسرائيل يبدو أنه خطوة بعيدة جداً.

استسلام سريع

كل ذلك يرتبط بشكل غير مباشر بالسيناريوهات الدراماتيكية الأخيرة وسط آسيا، مثل الانسحاب الأمريكي السريع من أفغانستان، واستسلام سريع للحكومة في كابول أمام طالبان. المرة الأخيرة التي نجحت فيها قوة شبه عسكرية في السيطرة على مناطق كبيرة بهذه السرعة كانت في صيف 2014 عندما سقطت أجزاء واسعة من غرب العراق وشرق سوريا في أيدي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). سقوط كابول الذي كانت ذروته هرب رئيس أفغانستان من الدولة أمس، هو الإنجاز الأكبر الذي سجلته منظمات إسلامية متطرفة منذ ذلك الحين.

قرر الرئيس بايدن أن ينهي عقدين من الاستثمار الأمريكي الفاشل، الذي كلف خسائر مالية هائلة. ولا نريد التحدث عن فقدان زائد في حياة البشر. إن غضب أمريكا المبرر بعد هجوم 11 أيلول 2001 الإرهابي، كان قد كلفها حروباً فاشلة ودموية، في أفغانستان وبعدها في العراق.

تهاجم إدارة بايدن الآن، وبحق، تقديرات فاشلة للمخابرات (التي لم تتوقع انهياراً سريعاً جداً)، وبسبب التخلي عن حلفاء الولايات المتحدة وتركهم لرحمة متعصبي طالبان. ولكن فشل الولايات المتحدة هناك ثمة من هم مسؤولون عنه، وبايدن آخرهم في القائمة. يسهل انتقاد الأمريكيين على خلفية صور الهرب والإهانة من كابول، التي تذكر بصور الخروج من فيتنام في السبعينيات. ومن المشكوك فيه إذا كان شخص آخر سيتصرف بشكل مختلف لو كان في مكانهم. وإسرائيل، بخطوط عامة، فعلت أمراً مشابهاً في جنوب لبنان في العام 2000. فهي أيضاً قررت تقليص الخسائر وتركت وراءها حلفاء. وبالصدفة، كان ذلك خلف الجدار وليس على بعد آلاف الكيلومترات وبعض المحيطات.

لا شك بأن الصور التي تبث من كابول أثارت خوف حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط، وأثارت مسألة ما إذا كان يتوقع مستقبلاً حدوث عمليات مشابهة لديهم. الردود التي نقلتها الشبكات الاجتماعية أمس، دلت بأن على إسرائيل ألا تعتمد على أمريكا، وأن عليها الاعتماد على نفسها فقط.

أتساءل إذا كان هؤلاء الذين يدعون إلى ذلك على استعداد أيضاً للتخلي عن فرض الفيتو الأمريكي على قرارات ضد إسرائيل في مجلس الأمن، أو التخلي عن المساعدات العسكرية التي تبلغ 3.8 مليار دولار. إسرائيل ليست أفغانستان أو العراق؛ العلاقة والالتزام الأمريكي هنا مختلفان كلياً. وما تستفيد منه الولايات المتحدة من هذه الشراكة حتى لو كان واضحاً من هو العملاق ومن هو القزم.

إن تقليص اهتمام أمريكا بالشرق الأوسط وتوجيه الأنظار نحو الشرق الأقصى أصبح قصة منتهية، لكن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة ستترك إسرائيل وحدها.
بقلم: عاموس هرئيل
هآرتس 16/8/2021

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية