هؤلاء هم سند قيس سعيّد

حجم الخط
11

بين البهتة والاستغراب والسخرية تتراوح المواقف من مؤيدي الرئيس التونسي قيس سعيّد قبل أقل من أسبوع على الاستفتاء على دستور كتبه صاحبهم بنفسه ولنفسه.
الرافضون لهذا الاستفتاء والداعون لمقاطعته عبّروا عن مواقفهم بشكل واضح طوال فترة الماضية واجتهدوا لإظهار عَوَاره وعوار المسار كله لكن المؤيدين لسعيّد لم يفلحوا أبدا في إظهار عكس ذلك.
هؤلاء المؤيدون ليسوا من طينة واحدة حتى وإن جمعهم، في العموم، نفس الموقف لكن لا أحد يدري إن كان ذلك سيدفعهم للذهاب إلى الاستفتاء أم قد يعزفون سواء عن لامبالاة أو عن قناعة بأن الأمور محسومة سلفا لــ (نعم) في وقت لم نشهد تجمّعا شعبيا واحدا ذا وزن يؤيد هذا الخيار.
أبرز هؤلاء طيف لا بأس به على ما يبدو من عموم الناس أو من «الشعب الكريم»، كما يقولون في تونس. هؤلاء قد يكونون معذورين فهم لم يلمسوا في حياتهم اليومية طوال السنوات الماضية أي فائدة تذكر للحريات والديمقراطية لأن بوصلتهم ضُبطت على قوت عائلاتهم وحب الأمن والاستقرار كما أنهم لم يجدوا ضالتهم في الطبقة السياسية التي حكمت طوال العشرية الماضية. لهذا فهم لا يرون مانعا في توسّم الخير في قيس سعيّد بل وقد لا يكون لبعضهم أي مانع في العودة إلى الاستبداد أصلا. أغلب هؤلاء، الذين يريدون إعطاء الرئيس «فرصة»، ومن بينهم أنصار كل العهود مهما اختلفت، هم أشبه بالظمآن الذي يخال السراب ماء.
من ناحية أخرى توجد مجموعة محدودة من الأشخاص النكرات ممن أرادوا، أو أريد لهم، تصدّر المشهد الإعلامي المحلي في الإذاعات والتلفزيونات الخاصة للدفاع عن خيارات سعيّد وسياساته بلا تحفظ وبكل حماسة، ولكن للمفارقة بدون أدنى حجج مقنعة حتى أصبحوا محل تندر واسع حين بدا بعضهم جاهلا بالكامل بمضمون مشروع الدستور الذي سيجري التصويت عليه وأخفق في أن يعثر ولو على فصل واحد يحفّز به الناس للتصويت لفائدته. هؤلاء، وبعضهم يسمون أنفسهم «مفسّرين» لـ«فكر الرئيس» هم باختصار من الضحالة بحيث لا يجوز وصفهم بأكثر من أنهم مغّفلون، ومغفّل أكثر ربما الإعلام الذي سمح لهم بالخروج إلى الرأي العام والحديث إليه.

المؤيدون حقا لسعيّد والقوة الحقيقية وراءه هي القوة الصلبة للدولة من مؤسسة عسكرية لم تكن راضية عن كل ما يجري في البلاد من «فوضى»محبّذة العودة إلى «الانضباط والنظام»

مجموعة أخرى، محدودة أيضا، لكن هذه المرة من أكاديميين وقانونيين بالدرجة الأولى، لم يتركوا مناسبة للدفاع عن سعيّد إلا و«أبدعوا» فيها حين كان يلتقي بهم بشكل منتظم وهم يفصّلون له الدستور على مزاجه. وحتى بعد أن عيّنهم أعضاء في لجان «الحوار الوطني» وأنجزوا له ما يريد، لم يرضه ذلك مفضّلا أن يضبطه هو بنفسه على مقاسه بالكامل بحيث يكون في الدستور الجديد «امبراطورا» أو «مرشدا»، انقلبوا عليه ووصفوه بما كان يرميه به أشرس معارضيه. هؤلاء، باختصار شديد، انتهازيون انفضّوا من على الموائد بعد أن أدركوا ألا نصيب لهم في «الجمهورية الجديدة» وقد كانوا يمنّون النفس بكل نفيس، لكن الرجل أسقطهم من حساباتهم بلا أدنى احترام.
مجموعة أخرى، محدودة أيضا، من السياسيين سواء من رجال العهد الماضي الذين كظموا غيظهم طويلا أو ممن يظنون أنفسهم «تقدميين» قوميين ويساريين، هؤلاء مستعدّون لتبرير أي شيء والقبول بأي شيء إلا العودة إلى اللعبة الديمقراطية الحقيقية والاحتكام الحقيقي لصناديق الاقتراع التي لا وزن لهم فيها. هم يقبلون بكل ذلك شرط أن يريحهم من عدوهم السياسي اللدود، ولو اقتضى الأمر التصريح بالسخيف والمتناقض من الكلام من قبيل إن «الدستور المثالي ستكتبه الأجيال القادمة» وإن نقطة قوة الدستور الجديد، «أنه مفتوح وقابل للتعديل في كل وقت». هؤلاء ينطبق عليهم المثل الذي يتحدث عما فعله أحد الحمقى نكاية في زوجته…وفهمكم كفاية!
في النهاية، ومع ذلك، هؤلاء جميعا، بدءا من قطاع معيّن من الرأي العام مرورا بالمغفّلين والانتهازيين فالوصوليين الذين لن يصلوا، هم عبارة عن كتلة هُلامية وراء مشروع هلامي وإن تجلّت الآن ملامحه المخيفة، ليسوا هم من يقف وراء قيس سعيّد ولا هو يستمد قوته منهم وإصراره على المضي قدما غير عابئ بأحد.
المؤيدون حقا لسعيّد والقوة الحقيقية وراءه هي القوة الصلبة للدولة من مؤسسة عسكرية لم تكن راضية عن كل ما يجري في البلاد من «فوضى» محبّذة العودة إلى «الانضباط والنظام»، ومؤسسة أمنية صالت وجالت لعقود مضت ولم تستسغ أبدا تقييدها بالقانون والحديث عن «أمن جمهوري» فرأت في ما يفعله سعيّد الآن فرصتها للثأر والعودة إلى ممارساتها السابقة بلا رقيب أو حسيب، دون أن نغفل ارتباطات أجنبية مشبوهة محتملة لبعض الدوائر هنا أو هناك. وعندما يلتقي كل ما سبق مع معادلة إقليمية غير مرتاحة لما كان يسمّى بالاستثناء التونسي، وكذلك مع نفاق دولي مُعجبٍ بالديمقراطية في تونس لكنه لا يفعل شيئا لنجدتها سوى بتصريحات غائمة وحمّالة أوجه، يتضح فعلا من يسند حقيقة ظهر سعيّد.
هؤلاء هم جماعة (نعم) الفعليون، أما البقية فمجرّد تفاصيل على الهامش.

كاتب وإعلامي تونسي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Tenebrae stratus:

    دُونَ أَنْ يُدْرِكَ السَوَادُ الطبيعةَ الْعُضْوِيَةَ لشرائحِ الإسْتِحْوَاذِ في الإقليمِ المنكوبِ، وارتباطها الوظيفي بنظيراتها الدولية، لنْ يَنْفَكَّ يَخُورُ، وسَيَهْلَكُ مُمْتَهَنَاً كما هَلَكَ أَسْلَافُه.

    . . . لَيْسَ لِمِلَّةٍ وَاحِدَةٍ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً

    Klass B. – 2018 – The Despot’s Accomplice: How the West is Aiding and Abetting the Decline of Democracy. C Hurst & Co Publishers Ltd.

  2. يقول الكروي داود النرويج:

    دون أن نغفل ارتباطات أجنبية مشبوهة محتملة لبعض الدوائر هنا أو هناك. ” إهـ
    وماذا عن الإرتباط بمصر والإمارات ؟ ولا حول ولا قوة الا بالله

  3. يقول علي بن عمار:

    ستظل تونس تعاني زمنا طويلا…

  4. يقول د. عيده:

    ولقد تابعت مجمل من شاركوا في الحملة وكلّهم تقريباً من عشيرة بني «نعم». يا للمصيبة ! خيّل إلى أني أمام خطباء اللجان الشعبيّة الليبية وهي تغازل معمّر القذافي. قبيلة بني «نعم» دعت الناس إلى التصويت بنعم على دستور لم تقرأه، لكنّها سمعت عن أعيان القبيلة من لقّنها مفعوله السحري. ويبدو أنّ الملقّن كان أميّا فلم يقرأه، لكنه سمع عنه. لذلك كانت لغة بني نَعَم خليطاً من مصطلحات قيس سعيّد الهجوميّة في جمل مفككة لا رأس لها ولاذنب. أحد مساكين قبيلة «نعم» طالب بدعم «حكم الفرد». على الشاشة كتب إلى جانب اسمه «شخص طبيعي» [يقصدون : مواطن مستقلّ]. لكن العبارة أضحكتني. هل يوجد في العالم «شخص طبيعيّ» يتمنى أن يتحوّل وطنه إلى دكتاتوريّة.

  5. يقول سامح //الأردن:

    *كل التوفيق لتونس الخضراء بغد مشرق مزدهر إن شاء الله.
    حسبنا الله ونعم الوكيل في كل فاسد وظالم.

  6. يقول تيسير خرما:

    بدول العرب منتسبوا أجهزة عسكرية وأمنية وأقرباؤهم وأصدقاؤهم يجاوز نصف السكان وبيئة أعمال وصناعة وأغلبية صامتة وأقليات تفضلهم على فوضى، بالتالي لا يصل موقع مسؤولية أو يبقى فيها إلا من كان منهم أو مدعوماً منهم ويتسلحون عادةً بثقافة عربية إسلامية سمحة جامعة مع تمسك بهوية وطنية فتصبح معاداتهم بمثابة خيانة عظمى للوطن والأمة، وبات الغرب يفضل أنظمة قوية تكافح إرهاب وتهريب مخدرات ومهاجرين ولن يكرر تجارب فاشلة بتنصيب شراذم معارضة خارجية وداخلية بالحكم تنهب ثروات وتشيع فوضى وتتيح تدخلات إقليمية تسنزف الغرب

  7. يقول العلمي:

    الغرب الذي يصمت و يعطي الضوء الأخضر لسعيد ليلعب بقواعد الديموقراطية سيدفع الثمن غاليا عندما ترتمي تونس و جاراتها بحثا لحلول أزماتها في أحضان روسيا و الصين لتطويق أوروبا بمشاكل أقلها الهجرة المنفلتة من كل عقال من عموم إفريقيا

  8. يقول الكروي داود النرويج:

    لا حول ولا قوة الا بالله

  9. يقول ايمن:

    الجزائر تعي جيدا الدور الإماراتي و المصري فيما يحدث في تونس و هي تنتهج سياسة القرب و الإحتواء لنظامها الحالي رغم قناعتها بأن النهج خاطئ و هناك تعنث و إصرار من قبله لتجسيد هدفه اي توثر أو شرخ سيستغله الطرف الآخر ما يهمهم هو أن تكون تونس الصحن التي توضع عليه ليبيا لإلتهامها و هذا ما تدركه الجزائر جيدا .

  10. يقول alaa:

    الديكتاتور يحب نفسه اولا ويحب التسلط والتكبر وطبعا اللي يعارض يبقي خائن ويسجن وعذاب اليم

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية