هؤلاء يستطيعون مساعدة الجزائر على اقتلاع آل بوتفليقة

حجم الخط
18

في أعقاب أحداث تشرين الأول/اكتوبر 1988 الدموية (نحو 500 قتيل برصاص القوى الأمنية تحت إشراف خالد نزار) في شوارع العاصمة الجزائرية ومدن أخرى، امتلك مسؤولون متقاعدون وقادة ثوريون شجاعة مراسلة الرئيس الشاذلي بن جديد لحثه على الاستماع إلى صرخات الشارع وبدء العمل على الاستجابة لمطالبه في الحرية والعيش الكريم.
كان ابن جديد في مأزق سياسي وشخصي، ومعه البلد برمّته. وكانت رسالة القادة تلك محفزاً آخر له لبدء مسار تغيير النظام من الداخل. بدأ الشاذلي ذلك المسار الملغوم والمحفوف بالمخاطر، لكنه انتهى إلى كوارث، لأسباب معقدة لا يتسع المجال لها هنا.
بوتفليقة وعائلته والمنتفعون منه اليوم في مأزق خطير أسوأ من مأزق الشاذلي ومنظومته في 1988. لكنهم امتلكوا من الدهاء (ربما الخبث والإفلاس) بحيث جعلوا من مأزقهم الشخصي ورطة الجزائر كلها. ورغم ذلك لا يبدو في الأفق من لدنهم ما يفيد باستعدادهم لتقديم تنازلات.
هناك فرصة لفئة صامتة من الجزائريين في إمكانهم فعل شيء: كبار مسؤولي الدولة المتقاعدون ومَن تبقى من قادة حرب التحرير. هؤلاء المتفرجون على الشارع في دفء فللهم الفارهة بأحياء الأبيار وحيدرة وبن عكنون ومنتجع «نادي الصنوبر» و«تيليملي»، مُطالَبون بأن يفكروا في فعل شيء. لا يمكنهم أن يتمسكوا بدور المتفرج والبلد مقبل على الغرق. فوق حاجة البلد إليهم، هم أيضا أحوج ما يكونون إلى عمل وطني يختمون به مساراتهم الطويلة «في خدمة الوطن» كما يدّعون بلا توقف. محاولة أخيرة عساها تثمر مثلما ساهمت إيجابا رسالة 1988 للشاذلي.
أقترح على هؤلاء الالتقاء في مجموعة مستقلة وإبلاغ الرئيس، أو من يقوم بدوره ومهامه، أنهم قادمون لمقابلته بعد يوم أو يومين. هدف المقابلة بحث الأزمة التي قاد بوتفليقة الجزائر نحوها. وفي أثناء المقابلة يجتهدون لإقناع هذه الزمرة بالمغادرة فوراً حفاظا على البلد. يُفضَّل أن يجعلوا الرأي العام شاهداً على تحركهم من الخطوة الأولى. بعد انتهاء المهلة المقترحة تنطلق المجموعة من مسكن أحدهم في موكب صغير باتجاه قصر الرئاسة. لن تستطيع القوى الأمنية أن تقمعهم جميعا بالذخيرة الحيّة، ولا بالعصي وخراطيم المياه. ولن تجرؤ على اعتقالهم، خصوصا والعالم يتفرج والعنف قد غيّر معسكره منذ 22 شباط (فبراير). أسوأ ما قد يصيبهم، قليل من الخشونة وسوء المعاملة، ولا بأس في ذلك لأنه سيزيدهم شرفا ويذيقهم قليلا مما ذاقت مواكب المعلمين والأطباء والمحامين والعمال من قهر وهراوات طيلة السنوات الماضية.

بوتفليقة وعائلته والمنتفعون منه اليوم في مأزق خطير أسوأ من مأزق الشاذلي ومنظومته في 1988. لكنهم امتلكوا من الدهاء (ربما الخبث والإفلاس) بحيث جعلوا من مأزقهم الشخصي ورطة الجزائر كلها. ورغم ذلك لا يبدو في الأفق من لدنهم ما يفيد باستعدادهم لتقديم تنازلات

ليس لدى هؤلاء ما يخسرون لأن مستقبلهم وراءهم، ولأنهم لا يحتاجون لأحد. فضلا عن أن بوتفليقة قطع حبال الود مع أغلبهم وأوقف عن أغلبهم القليل من الامتيازات الصغيرة التي كانوا يستفيدون منها (علاج في الخارج، جوازات سفر دبلوماسية لبعضهم، حج وعمرة على حساب الرئاسة.. إلخ).
أدرك أن بعضهم أجرم بحق الجزائر، لكن هذا ليس وقت الحساب، بل وقت القول إن مَن في سجله الكثير من الخير للبلد يضيف له مسك الختام، ومَن في سجله ذنوب وخطايا في حق البلد والمجتمع عساه يكفّر عن بعضها.
وأُدرك أن هناك الكثير مما يحول دون التقاء هؤلاء القادة والمسؤولين السابقين في مبادرة نبيلة كهذه. من ذلك خلافاتهم الشخصية وحساباتهم السياسية الضيقة، وربما حياؤهم من بوتفليقة بسبب المزايا المادية التي أغدق بها على بعضهم في فترة ما من رئاسته.
لكن كل هذا لا يكفي للامتناع عن المحاولة. بإمكانهم وضع خلافاتهم الشخصية وحساباتهم السياسية جانبا ـ ومؤقتا ـ في سبيل هذه المهمة الوطنية المقدسة. بإمكانهم إعلان نهاية مهمتهم هاته حال خروجهم من القصر الرئاسي. ولا مانع من عودتهم إلى خلافاتهم إلى أن يتوفاهم الله.
ولا يجب على بعضهم الشعور بالحرج من المزايا التي نالوها من بوتفليقة في الماضي القريب. كل شيء يوضع في سياقه، والأمر اليوم يتعلق بمصير بلد ولا مساحة فيه للشخصنة والذاتية.
لو مضوا إلى النهاية ونجحوا في إقناع زمرة الرئاسة بشيء ينسجم مع مطالب الشارع، سيسدي هؤلاء الرجال والنساء خدمة أخيرة للجزائر يحفظها التاريخ، وتكفّر عن أخطاء بعضهم ونصيبهم من المسؤولية في الانهيار الذي تعيشه البلاد.
التاريخ ينادي اليوم: علي يحيى عبد النور، اللواء المتقاعد خالد نزار، جميلة بوحيرد، سيد أحمد غزالي، مولود حمروش، اليمين زروال، الأخضر بورقعة، أحمد طالب الإبراهيمي، الجنرال رشيد ين يلس، اليزيد زرهوني، الأخضر الإبراهيمي، علي بن فليس، زهرة ظريف بيطاط، عبد القادر العمودي، عبد الحميد إبراهيمي، يوسف الخطيب، محمد مدين، محمد حربي، ياسف سعدي، عثمان بلوزداد.. وغيرهم ممن تولوا مناصب سيادية ومواقع تنفيذية في هرم الدولة أثناء حرب التحرير وبعد الاستقلال.
هذه فرصتهم ليكونوا سنداً لهذا الحراك التاريخي، ولشعب يستعيد ثقته في نفسه مثل مريض يعود من غيبوية طويلة. هذه فرصتهم ليدخلوا التاريخ من باب جديد. يكفي أن يحاولوا ويتذكروا أن الدنيا وقفة عز في لحظة تاريخية.

كاتب صحافي جزائري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول هيثم:

    تحية صدق وتقدير للأستاذ توفيق على مقالاته الموضوعية والقيمة. أود أن أبدي ملاحظة حول الشخصيات التي ذكرها الأستاذ للاضطلاع بأدوار ومهام رئيسية عبر مرحلة انتقالية للخروج من مأزق الأزمة الحالية عبر الحوار السلمي بهدف تحقيق مطالب وطموحات المواطنين الجزائريين السياسية والاقتصادية والاجتماعية : حبذا لو ابتعد عن التعميم بالاقتصار على بعض الشخصيات التي يحترمها الجميع في الجزائر: أحمد الطالب الإبراهيمي ، مولود حمروش ، يوسف الخطيب، زهرة ظريف بيطاط و جميلة بوحيرد. ذلك أن بعض من ذكرهم الكاتب سبق لهم أن تولوا مهاما ومسؤوليات في عهد بوتفليقة مثل يزيد زرهوني أو لا يشكلون إجماعا حول أدوارهم في الماضي مثل ياسف سعدي و اللواء خالد نزار.

  2. يقول عبد المجيد - المغرب:

    الفكرة التي طرحها الكاتب تعطي الإنطباع أن الحراك قد فشل مسعاه في إزاحة بوتفليقة وما على المتظاهرين إلا العودة إلى بيوتهم، والحال أن الحراك لا زال في بدايته. وحتى فكرة جمع أشتات من الناس لا تجمع بينهم إلا الخلافات وإقناهم بترك خلافاتهم جانبا ومحاولة حل أزمة الوطن تبدو فكرة غير عملية وغير قابلة للتطبيق وربما كان إقناع هؤلاء الناس بالقيام بهذه المهمة أصعب من إقناع بوتفليقة بترك منصبه ثم إن من لم يستجب لصراخ ملايين الناس في الشوارع، لا من الصعب أن يستجيب لهمس خمسة عشر أو عشرين شخصا.

  3. يقول توفيق رباحي:

    يا عزيزي هيثم.. أنا لم أقترح هذه الشخصيات لتولي ادوار ومهام رئيسية عبر مرحلة انتقالية. أنا اقترحت هؤلاء لزيارة بوتفليقة وإقناعه بالرحيل قبل ان يغرق المركب. بعدها تنتهي مهمتهم ويعودون الى بيوتهم. كثيرون من هؤلاء لا أمل فيهم وبعضهم أجرموا في حق البلاد.

    تحياتي

  4. يقول alaa:

    السند الحقيقي والأهم للشعب البطل هو الله .. إعتمدوآ علي الله وسترون النصر والفلاح بإذن الله.

  5. يقول عبد المجيد - المغرب:

    إعلان شغور منصب الرئاسة، هو نصف حل للأزمة أي إزاحة بوتفليقة والمحافظة على النظام أي أن راس الحية سيبقى.

  6. يقول عبد المجيد - المغرب:

    إعلان رئيس الأركان عن شغور منصب الرئاسة، دليل على أن الجيش هو من يحكم في الجزائر.

  7. يقول خذير شاوي الجزائر:

    تحية شكر وعرفان للأستاذ القدير توفيق رباحي على مساهماته في تنوير الرأي العام دمت في الريادة

  8. يقول فاروق:

    اخي توفيق أنت أدرى مني لكن فاقد الشيء لا يعطيه بطبيعة الحال دون تعميم ، انظر إلى المستقبل ولا تلتفت لما فات، و لا أذكرك بما كتبته من سنوات عن النظام وأدوات النظام ، لازم موتور صحيح يا سي توفيق، مع خالص محبتي .

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية