في أعقاب أحداث تشرين الأول/اكتوبر 1988 الدموية (نحو 500 قتيل برصاص القوى الأمنية تحت إشراف خالد نزار) في شوارع العاصمة الجزائرية ومدن أخرى، امتلك مسؤولون متقاعدون وقادة ثوريون شجاعة مراسلة الرئيس الشاذلي بن جديد لحثه على الاستماع إلى صرخات الشارع وبدء العمل على الاستجابة لمطالبه في الحرية والعيش الكريم.
كان ابن جديد في مأزق سياسي وشخصي، ومعه البلد برمّته. وكانت رسالة القادة تلك محفزاً آخر له لبدء مسار تغيير النظام من الداخل. بدأ الشاذلي ذلك المسار الملغوم والمحفوف بالمخاطر، لكنه انتهى إلى كوارث، لأسباب معقدة لا يتسع المجال لها هنا.
بوتفليقة وعائلته والمنتفعون منه اليوم في مأزق خطير أسوأ من مأزق الشاذلي ومنظومته في 1988. لكنهم امتلكوا من الدهاء (ربما الخبث والإفلاس) بحيث جعلوا من مأزقهم الشخصي ورطة الجزائر كلها. ورغم ذلك لا يبدو في الأفق من لدنهم ما يفيد باستعدادهم لتقديم تنازلات.
هناك فرصة لفئة صامتة من الجزائريين في إمكانهم فعل شيء: كبار مسؤولي الدولة المتقاعدون ومَن تبقى من قادة حرب التحرير. هؤلاء المتفرجون على الشارع في دفء فللهم الفارهة بأحياء الأبيار وحيدرة وبن عكنون ومنتجع «نادي الصنوبر» و«تيليملي»، مُطالَبون بأن يفكروا في فعل شيء. لا يمكنهم أن يتمسكوا بدور المتفرج والبلد مقبل على الغرق. فوق حاجة البلد إليهم، هم أيضا أحوج ما يكونون إلى عمل وطني يختمون به مساراتهم الطويلة «في خدمة الوطن» كما يدّعون بلا توقف. محاولة أخيرة عساها تثمر مثلما ساهمت إيجابا رسالة 1988 للشاذلي.
أقترح على هؤلاء الالتقاء في مجموعة مستقلة وإبلاغ الرئيس، أو من يقوم بدوره ومهامه، أنهم قادمون لمقابلته بعد يوم أو يومين. هدف المقابلة بحث الأزمة التي قاد بوتفليقة الجزائر نحوها. وفي أثناء المقابلة يجتهدون لإقناع هذه الزمرة بالمغادرة فوراً حفاظا على البلد. يُفضَّل أن يجعلوا الرأي العام شاهداً على تحركهم من الخطوة الأولى. بعد انتهاء المهلة المقترحة تنطلق المجموعة من مسكن أحدهم في موكب صغير باتجاه قصر الرئاسة. لن تستطيع القوى الأمنية أن تقمعهم جميعا بالذخيرة الحيّة، ولا بالعصي وخراطيم المياه. ولن تجرؤ على اعتقالهم، خصوصا والعالم يتفرج والعنف قد غيّر معسكره منذ 22 شباط (فبراير). أسوأ ما قد يصيبهم، قليل من الخشونة وسوء المعاملة، ولا بأس في ذلك لأنه سيزيدهم شرفا ويذيقهم قليلا مما ذاقت مواكب المعلمين والأطباء والمحامين والعمال من قهر وهراوات طيلة السنوات الماضية.
بوتفليقة وعائلته والمنتفعون منه اليوم في مأزق خطير أسوأ من مأزق الشاذلي ومنظومته في 1988. لكنهم امتلكوا من الدهاء (ربما الخبث والإفلاس) بحيث جعلوا من مأزقهم الشخصي ورطة الجزائر كلها. ورغم ذلك لا يبدو في الأفق من لدنهم ما يفيد باستعدادهم لتقديم تنازلات
ليس لدى هؤلاء ما يخسرون لأن مستقبلهم وراءهم، ولأنهم لا يحتاجون لأحد. فضلا عن أن بوتفليقة قطع حبال الود مع أغلبهم وأوقف عن أغلبهم القليل من الامتيازات الصغيرة التي كانوا يستفيدون منها (علاج في الخارج، جوازات سفر دبلوماسية لبعضهم، حج وعمرة على حساب الرئاسة.. إلخ).
أدرك أن بعضهم أجرم بحق الجزائر، لكن هذا ليس وقت الحساب، بل وقت القول إن مَن في سجله الكثير من الخير للبلد يضيف له مسك الختام، ومَن في سجله ذنوب وخطايا في حق البلد والمجتمع عساه يكفّر عن بعضها.
وأُدرك أن هناك الكثير مما يحول دون التقاء هؤلاء القادة والمسؤولين السابقين في مبادرة نبيلة كهذه. من ذلك خلافاتهم الشخصية وحساباتهم السياسية الضيقة، وربما حياؤهم من بوتفليقة بسبب المزايا المادية التي أغدق بها على بعضهم في فترة ما من رئاسته.
لكن كل هذا لا يكفي للامتناع عن المحاولة. بإمكانهم وضع خلافاتهم الشخصية وحساباتهم السياسية جانبا ـ ومؤقتا ـ في سبيل هذه المهمة الوطنية المقدسة. بإمكانهم إعلان نهاية مهمتهم هاته حال خروجهم من القصر الرئاسي. ولا مانع من عودتهم إلى خلافاتهم إلى أن يتوفاهم الله.
ولا يجب على بعضهم الشعور بالحرج من المزايا التي نالوها من بوتفليقة في الماضي القريب. كل شيء يوضع في سياقه، والأمر اليوم يتعلق بمصير بلد ولا مساحة فيه للشخصنة والذاتية.
لو مضوا إلى النهاية ونجحوا في إقناع زمرة الرئاسة بشيء ينسجم مع مطالب الشارع، سيسدي هؤلاء الرجال والنساء خدمة أخيرة للجزائر يحفظها التاريخ، وتكفّر عن أخطاء بعضهم ونصيبهم من المسؤولية في الانهيار الذي تعيشه البلاد.
التاريخ ينادي اليوم: علي يحيى عبد النور، اللواء المتقاعد خالد نزار، جميلة بوحيرد، سيد أحمد غزالي، مولود حمروش، اليمين زروال، الأخضر بورقعة، أحمد طالب الإبراهيمي، الجنرال رشيد ين يلس، اليزيد زرهوني، الأخضر الإبراهيمي، علي بن فليس، زهرة ظريف بيطاط، عبد القادر العمودي، عبد الحميد إبراهيمي، يوسف الخطيب، محمد مدين، محمد حربي، ياسف سعدي، عثمان بلوزداد.. وغيرهم ممن تولوا مناصب سيادية ومواقع تنفيذية في هرم الدولة أثناء حرب التحرير وبعد الاستقلال.
هذه فرصتهم ليكونوا سنداً لهذا الحراك التاريخي، ولشعب يستعيد ثقته في نفسه مثل مريض يعود من غيبوية طويلة. هذه فرصتهم ليدخلوا التاريخ من باب جديد. يكفي أن يحاولوا ويتذكروا أن الدنيا وقفة عز في لحظة تاريخية.
كاتب صحافي جزائري
هذا صوت عقل من أصوات قليلة تصدح اليوم وسط نقيق الضفادع الذي يملأ الاجزاء ويحاولون ركوب الحراك من خلال رفع سقف المطالب والتشكيك في كل شخص آخر غيرها.
من المؤسف أن الحراك الشعبي الرائع يدأ يعرف انحرافات خطيرة كثير من مصدرها يأتي من خلف البحار لدرجة أن حركيا ابن حركي وجد لنفسه آذانا صاغية بفضل أمواله فأخذ بؤلب الجزائريين ضد يعضهم علنا بلا مواربة.
من المؤسف أن كل المؤشرات تتجه نحو وضعية متأزمة قد تدفع نحو تدخل الجيش وهذا ما لا نتمناه..
أن الشعب الجزائري لم يعد تحت التخدير و صار يستجيب للوخز
عقلاء الجزائر يمكنهم التدخل لحيل بوتفليقة وجماعته دون تعنت وحقنا للدماء. واستمرار سلمية التحرك الشعبي.
عقلاء الجزائر يمكنهم التدخل لحيل بوتفليقة وجماعته دون تعنت وحقنا للدماء. واستمرار سلمية التحرك الشعبي.
ليس من الحكمة أن يتولى هؤلاء الشيوخ القيام بأى شىء …..الحراك شبابى بالأصل و أفضل أن يتولى مثقفون و تكنوقراط غير سياسيين بمسك الأمور فى المرحلة الانتقالية ….
الكثير ممن ذكرتهم المشكله تكمن فيهم فكيف يمكن ان يكونوا جزء من الحل
المشكلة يا استاذ توفيق أكبر بكثير من بوتفليقة وعشيرته. …الإشكال موجود في الأساس الذي بنيت عليه الدولة منذ الإستقلال. ..وفي منظومة الحكم التي تمت صياغتها بشكل يضمن للمستعمر السابق استمرار حلبه للخبرات. ..وفرضه لثقافته وسياسته. ..وتطبيق أكبر منظور للتدليس الاديلوجي….الواجهة تتبنى الاشتراكية لغوا. ..والواقع يكرس أسوء أنواع الليبرالية توحشا….ولن يكون هناك حل الا بتصحيح التاريخ قبل الأوضاع. ..ووضع كل شخص في مكانه المناسب الذي تعكسه الحقيقة وليس التدليس. ..وأما بوتفليقة فهو من أسس النظام الذي انقلب على الشرعية. ..وصفى قادة التحرير…ونهب الثروات. ..والرهان عليه مثل من يراهن على أن يجني من الشوك العنب….!!!.
الى ابن المفرق والحرحشي.. تحية طيبة
ادرك ان اغلب هؤلاء جزء من المشكلة، لكنني لم أطلب ولا انتظر منهم ان يأتوا بحلول. هي مهمة واحدة ظرفية تنتهي فور خروجهم من الرئاسة. يعودون الى بيوتهم ولعب دور المتفرج كعادتهم.
السيد توفيق اقتلاع آل بوتفليقة سيتم عبر الحراك الشعبي المصمم على المضي قدما مهما كان الثمن… سلما او .. ..
والقائمةالتي اعددتها اغلب افراد هم كانوا جزءا من الازمة .
تحياتي للحرحشي وابن الجاحظ وبقية المعلقين،
أدرك ان كثيرا ممن ذكرت أسماءهم جزء من المشكلة لا الحل. لكنني لم أطلب اشراكهم في حل سياسي او برامج لمستقبل البلاد. هي مهمة محددة ومؤقتة تنتهي في يوم واحد ويعودون جميعا الى بيوتهم كما كانوا من قبل.