إذا سار كل شيء كما كان مخططاً له، فستهبط طائرة “ال عال” اليوم بأمان على مسار المطار في الإمارات، وتتدحرج ببطء حتى الساحة التي خصصت لاستقبالها. سيلوح القبطان بعلم إسرائيلي صغير من النافذة، وسينزل المسافرون ببطء، بإحساس من صنع التاريخ في حر يقترب من 50 درجة مئوية. فرحة كبرى، فرحة حقيقية. وسينتظرهم في الأسفل صف من المستقبلين: رجال مرفوعو القامة بوجوه مستبشرة، بجلابيب بيضاء. قبل لحظة من إدماننا على التقارير العميقة عن مبيعات نهاية الموسم في التجمعات التجارية في دبي، بضع ملاحظات هامشية عن الجلابيب.
الرجال الذين يرتدونها يأتون من دول الخليج، من السعودية، والإمارات، وقطر، والبحرين، وعُمان. لا يوجد أي وجه شبه بينها وبين الجلابيب التي اشتريناها في الماضي من سوق خان الخليلي في القاهرة أو من محلات الألبسة المستخدمة في تل أبيب. القماش آخر، والخياطة أخرى، وبياضها ناصع وكأنها لم تغسل قط – وحقاً، يحتمل ألا تكون غسلت. فلماذا تغسل إذا كان يمكن ارتداء الجديد.
الأشخاص الذين يرتدونها يراهم الناس في أروقة الفنادق الفاخرة في أوروبا والولايات المتحدة. وأحياناً يطول وراءهم خيط طويل من النساء والأطفال: النساء في الحجاب، أحياناً في النقاب؛ أما الأطفال فبملابس العلامات التجارية. عند الخروج من الفندق ينقسمون: الرجل لشؤونه، والنساء والأطفال للتسوق. تنتظره الرجل ليموزين، وبضع سيارات عمومية للنساء. وأحياناً تلتقيهم في القصور الحاكمة في العواصم الغربية: جلابيب بيضاء على البساط الأحمر.
الجلابية هوية، مالية، زينة. يوجد تحتها بشكل عام بدلة أعمال تجارية على الموضة. ربما تعلم الأشخاص الذين يرتدونها في مدرسة داخلية خاصة لأبناء الأغنياء في سويسرا، وواصلوا طريقهم إلى أكسفورد أو كامبردج أو إحدى الجامعات من المصاف الأول في الولايات المتحدة. هم رجال العالم: إنجليزيتهم متقنة. وهم أبناء بيت في الثقافة الغربية، والفن، وحاضر نخبة المال العالمي. ورغم ما يأمر به الإسلام، يعرفون كيف يعرضون على الضيف وعلى أنفسهم أفضل المشروبات الروحية.
تلك الجلابيب البيضاء تضفي على الضيوف من الغرب سحراً ليس آسراً. أتذكرون زيارة ترامب إلى السعودية فور بدء ولايته في البيت الأبيض؟ فلم يحصل أن أثار اهتمام ترامب في زياراته إلى الدول الأجنبية أكثر مما أثاره الراقصون بالجلابيب مع سيوفهم المذهبة. وأسرت رؤساء دول أخرى سباقات الجمال، بعد استضافة في الخيام الفاخرة في قلب الصحراء، كما أسرهم الاختلاف الغامض. هذه الصورة ذات السحر الرومانسي الذي أسر قلب لورانس العرب وأجيال من القادة الاستعماريين، البريطانيين والفرنسيين. وعندها اكتشف النفط: جلب النفط المال العظيم، ونشأ خليط مظفر، هذا الخليط خرب على المصالح الوجودية لإسرائيل والشعب اليهودي لعشرات السنين. “أعراب”، هكذا سمي مؤيدو دول النفط في وزارات الخارجية الأمريكية والبريطانية والفرنسية. وكان هذا لقب تنديد. إذ نصب الأعراب سوراً منيعاً بين الجهود السياسية لإسرائيل والحكومات الغربية.
والآن نحن أيضاً أعراب، مأسورون بذاك الخليط من الرومانسية، والنفط، والمال، والخوف المشترك من انتشار إيران. مبارك لنا.
بينما نبحث عن القاسم المشترك، محظور علينا نسيان الفوارق. فقد بنيت إسرائيل بعمل كد من مواطنيها، وبالبسالة في ميدان المعركة، وبالمساهمة السخية من الشعب اليهودي. تبنت قواعد لعب ديمقراطية حتى قبل أن تولد. ليس النفط هو الذي بناها ولا العمال الأجانب. ولا يمكنها أن تتبنى النموذج الإماراتي. مليون محلي غني وإلى جانبهم ثمانية ملايين عامل أجنبي، عديمو الحقوق – ونظام غير ديمقراطي.
يجمل بنا أيضاً أن ننزل الأخيلة إلى الأرض عن مئات مليارات الدولارات التي ستضخ إلى هنا مباشرة من دبي. فالاستثمارات الاجنبية هي موضوع حساس. كل استثمار في البنى التحية يفحص وفقا لآثاره الأمنية. عندما يسعى الصينيون إلى الاستثمار، يهرع الأمريكيون فيوقفون الاستثمار. في الأسبوع الماضي، دُعيت إلى استعراض صحفي يقدمه بريان هوك، المبعوث الخاص في إدارة ترامب لشؤون إيران. تحدث بحماسة عن التهديد الأمني الذي تطرحه الصين على إسرائيل. وقال: “عليكم أن توقفوهم ليس لمصلحتنا بل لمصلحتكم”.
النموذج الصيني ذو صلة، وكذا النموذج التركي: عشرات السنين من التعاون الأمني المكثف ضاعت هباء بسبب رجل واحد، اسمه أردوغان، الذي غير ذوقه. إن صفقة السلاح العظمى التي يوشك أن توقعها الإمارات والولايات المتحدة بعيدة عن أن تكون بشرى مفرحة. إسرائيل الآن تحطم الرأس في ما ستطلبه من الأمريكيين تعويضاً عن الصفقة.
التطبيع مع الإمارات مثل وجبة في مطعم جيد: من الأفضل أكلها ببطء وإخراج المحفظة في الوقت المناسب. لا توجد جلابيب مجانية.
بقلم: ناحوم برنياع
يديعوت 31/8/2020
…وسيتوجه صهر ترمب كوشنير مع رفيقه الصهيوني..مباشرة الى معبد زايد بن سلطان للتبرك وقراءة التعاويذ على قبره….وهي عادة في البروتوكول الاماراتي لزوارها الكبار…………..السؤال المحير هو …ماذا بقي من( شرف) للحرمين..بعدما دنست النجاسة والقذارة الصهيونية أجواء الحرمين………………..