على الرغم من مرور اثنتين وعشرين سنة من هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ايلول، التي اجتاحت رمزي المال والقوة، برجي مركز التجارة العالمي والبنتاغون، للولايات المتحدة الأمريكية، فإن هناك العديد من الأسئلة المعلقة، التي ظلت، إلى حد الآن، تبحث عن إجابات مقنعة، أسئلة ضرورية لكي نفهم ما حدث في ذلك اليوم المشؤوم، وما تبعه من أحداث مأساوية جرت في العالم، وخاصة في جغرافية العرب والمسلمين، لأن تلك الهجمات غيّرت من السياسة الخارجية لأقوى دولة في العالم، إذ أضحت تقوم على مبدأ «من لم يكن معي، أي مع أمريكا، فهو مع الإرهاب»، كما قال بوش الابن، الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت، عقب هذه الهجمات. من تلك الأسئلة المعلقة، التي طرحت، وما زالت قائمة هي: هل تلك الهجمات مفتعلة؟ وهل بمقدور جماعة إرهابية تتخذ من جبال «تورا بورا» مقرا لها أن ترهب أمريكا بتلك الطريقة، وبتلك الصورة؟ وكيف لأمريكا، وهي القوة العظمى، التي تتجسس على كل شيء في العالم، أن تتعرض لتلك الضربة في غفلة من أمرها؟
لم تحظ هذه الأسئلة، للأسف الشديد، بالاهتمام، لأن العقل الاستراتيجي الأمريكي، أراد، لحاجة في نفسه، أن يوجه الأحداث وفقا لسياق معين، وأي قراءة مغايرة تؤدي إلى التشكيك في هذا السياق، وتفضح التضليل المتعمد، وجب محاربتها بالوسائل والطرق كافة، لهذا تعرض العديد من الخبراء إلى التضييق والملاحقة، لأنهم حاولوا تقديم وجهات نظر مختلفة، وقراءات مغايرة، من شأنها إماطة اللثام عن النقاط الغامضة في هذه الأحداث.
أكاذيب وافتراءات
ما يؤسف له حقا هو بؤس العقل العربي، الذي راح يجتر الرواية الأمريكية، من دون أي نقد أو تمحيص، وكأنها وحي من السماء، حيث راح يدعم الاتهام الغربي للإسلام والمسلمين، باعتبارهم سبب البلاء في العالم، وما من مصيبة إلا والعرب وراءها، حتى أصبحت قضاياهم توزن بميزان ذلك الاتهام، فمهما كانت القضية عادلة إلا أن تهمة «الإرهاب» ستوصم بها، وتجعلها محل تنازلات ومساومات.
لقد تعرض العراق لغزو غادر وظالم بناء على أكاذيب وافتراءات، شأنه شأن أفغانستان، التي تعرضت هي الأخرى إلى حرب مدمرة، وصار الإسلام دينا ينتج الإرهاب، ويسعى إلى تدمير حضارة العالم الحر، وانتشر الفكر الأحادي الرافض للآخر وأفكاره.
اليوم، مع حرب بوتين على أوكرانيا، وتنامي العداء الروسي للغرب، كونه يسعى إلى تدمير روسيا، يقول الكرملين بأنه يمتلك أدلة قوية ستنسف الرواية الأمريكية، فيما يخص هجمات 11 سبتمبر/ايلول 2001، من أساسها، وأنها ستفرج عن هذه الأدلة في القريب العاجل.
هجمات 11/9، كما أشرنا من قبل، اُتهمت بها القاعدة، وزعيمها السعودي أسامة بن لادن، على أن الأسئلة التي تطرح في هذا الصدد هي: لماذا لم تفرج عن هذه الأدلة قبل اليوم؟! ألم تستغل روسيا الرواية الأمريكية في حربها ضد الشيشانيين؟!
ألم تستفد روسيا مثلها مثل الغرب، من هذه السردية في التضييق على المسلمين الروس؟! ألم يكن تدخلها في سوريا، من أجل القضاء على “تنظيم الدولة” (داعش) والمتطرفين، ولقد كان هذا التدخل يستمد شرعيته من الحرب على الإرهاب؟! والأهم من كل ذلك، أليس حبس الأدلة في درج المخابرات، والابتزاز بها عند الحاجة، جريمة في حق الحقيقة والإنسانية؟!
يمكن الإشارة هنا إلى أن هجمات 11/9، الكل استفاد منها، بشكل أو بآخر، حتى الأنظمة العربية، من خلال التضييق على معارضيها، بوصفة جاهزة، وهي الإرهاب الإسلامي أو الإسلاموي، كما يحب العلماني أن يتلاعب باللفظ، بينما الخاسر الأكبر في كل ما جرى هم المسلمون ودينهم.
وفي الحقيقة أن الكثيرين كانوا يشكّون في الرواية الرسمية، المقدمة من طرف الولايات المتحدة حول هذه الهجمات منذ البداية، لكن، ما الفائدة من ذلك، وهم لا يستطيعون مقاومة جبروت أمريكا وإعلامها، بما أن كل دول العالم خضعت لأمريكا، واستقبلت ما قالته بصدر رحب، لأنها تخدم، بصورة أو بأخرى، مصالحها، كما أن الأدلة التي تدعي روسيا امتلاكها الآن، وتهدد بها أمريكا، تكاد أو بالأحرى لا تغير من الواقع شيئا، بما أن الكذبة تمكنت من الناس، والهجمات حققت أهدافها، والخراب والفوضى عم المنطقة والعالم، اللهم إلا إضافة أسطرٍ قليلة إلى كتب التاريخ، كرواية أخرى قدمتها روسيا في لحظة غضب على العم سام؟!
ولكي نفهم ما حدث، ينبغي أن نطرح هذا السؤال: لماذا تبقى بعض الأحداث العالمية يسودها الغموض؟ وما الغاية من ذلك؟ ليس الأمر قاصرا على هجمات 11/9 فقط، فهناك أحداث تاريخية أخرى، على الرغم من مرور زمن طويل عليها، إلا أن الغموض ما زال يلفها، والسرية تحاط بها، ما يجعل العمل على كشف الحقائق المتعلقة بها واجبا إنسانيا، لكي تتفادى البشرية تكرار مثل هذه المآسي في المستقبل.
إخفاء الحقيقة
نعود قليلا إلى الوراء، لكي نكتشف أن هناك عدة أحداث ما زال يلفها الغموض، حيث لا تجد فرقا كبيرا فيما كتب حولها أو عند تناولها بالبحث والدراسة، ومن شذ عن هذه القاعدة، سيذكر تفاصيل قليلة، ومن يذهب بعيدا، سيناله التجريح والحصار والاتهامات، كـروجيه غارودي مثلا، عند تناوله المحرقة اليهودية في كتابه “الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية”.
من هذه الأحداث، على سبيل المثال، التي ما زالت تحتاج إلى البحث والنقاش، بعيدا عن الرواية الرسمية، التي تخدم أصحاب المصالح لا الحقيقة هي: الحرب العالمية الأولى والثانية، المحرقة التي طالت يهود أوروبا، هتلر ودعم أمريكا له، الفيروسات والأوبئة، قوة الاتحاد السوفياتي، الخميني والثورة الإيرانية، غزو صدام حسين للكويت، الربيع العربي، مع أنه ثورة شعب تائق للحرية والكرامة، لكن هناك من يتعمد تشويهه، بالقول إنه مؤامرة صهيو أمريكية، وأمريكا لا تنفي ذلك، لأنه، في الواقع، يخدم الديكتاتوريات وأعداء الحرية.
هذا بعض من الأحداث، التي طُرحت، وما زالت تطرح، حولها الأسئلة، ومع أن هناك من يسعى إلى تقديم تفسيرات مناقضة للرواية الرسمية، لكنها تبقى شحيحة، ولا تصمد طويلا أمام الدعاية للآلة الرسمية.
ولعل تفسير ذلك قد يعود، في الأساس، إلى أن موجه الأحداث، والمستفيد منها، في هذه الفترة أو تلك، واحد، من ثم، فهو يستفيد من إخفاء الحقيقة، ليس خوفا من المحاكمة، كما يتبادر إلى بعض الأذهان، فهو الأقوى والمتفوق والذكي، لكن، من أجل إعادة نفس الأحداث مرة أخرى، والاستثمار في الاختلافات المثار حولها، بما يحقق أهدافه ومصالحه.
كاتب جزائري