رغم أن تركيا ليست حديثة عهد بالهجمات الإرهابية، حيث سبق أن تعرضت لهجمات وضربات متنوعة على اختلاف المنفذين والمتورطين، إلا أن الهجوم الأخير الذي استهدف منطقة «تقسيم» في قلب مدينة إسطنبول يبدو استثنائياً، خاصة من حيث التوقيت وبعض التفاصيل.
الهجوم الإرهابي أدى إلى مقتل ستة أشخاص وإصابة عشرات آخرين بجراح، واستهدف المنطقة الأشهر والأكثر حيوية وازدحاماً على الإطلاق في وسط مدينة إسطنبول، وهي منطقة عادة ما تعج بالسياح والمتنزهين، وتزدحم بالمشاة، من دون أن تدخلها السيارات، خاصة في عطلة نهاية الأسبوع، وتحديداً مساء أيام الأحد التي تشكل موعداً تقليدياً للتنزه والتسوق بالنسبة للأتراك.
الصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني ليس جديداً، بل له جذور تاريخية طويلة، والحزب الذي تُصنفه أنقرة على أنه «إرهابي» كان قد شنَّ العديد من الهجمات الإرهابية والدموية بالفعل، وعليه فإن استخدام هذا التنظيم للإرهاب في عمله السياسي ليس جديداً، لكنَّ هذا الهجوم لا شك في أنه استثنائي بكل المقاييس، ويمكن التوقف عند ما يلي:
أولاً: هجوم «تقسيم» كان عملية قتل عشوائي خالصة، حيث استهدف الشارع الأكثر ازدحاماً على الإطلاق في إسطنبول، وأحد أشهر المعالم السياحية في تركيا، بل في أوروبا بأكملها، وهو أقرب من حيث الشكل إلى عمليات «داعش» التي لا تُفرق بين المدنيين، والتي لا أهداف محددة لها سوى افتعال الفوضى وإيقاع العدد الأكبر من القتل.
ثانياً: استهداف سوق مزدحم وشارع سياحي مثل «شارع الاستقلال» يعني أن المنفذين غير قادرين على الوصول الى أي أهداف حيوية، لأن مثل هذا المكان المفتوح لا يحتاج إلى أي اختراق أمني من أجل الوصول إليه، وليس فيه أي إنجاز بالنسبة للمنفذين، وهو ما يعني في نهاية المطاف أن منظومة الأمن في تركيا لم يتم استهدافها ولا اختراقها، فعملية قتل المدنيين الأبرياء والمشاة في الشارع لا تحتاج سوى إلى قرار من قبل المنفذين.
استهداف سوق مزدحم وشارع سياحي مثل «شارع الاستقلال» يعني أن المنفذين غير قادرين على الوصول الى أي أهداف حيوية
ثالثاً: هذه الضربة تأتي قبل شهور قليلة من الانتخابات الأكثر حساسية وأهمية في تركيا، وهذا هو الأهم والسبب الرئيس والمباشر لهذا الهجوم الإرهابي، حيث من الواضح أن حزب العمال الكردستاني يريد التأثير في هذه الانتخابات، ويحاول إضعاف حزب العدالة والتنمية الحاكم على أمل الإطاحة بالرئيس رجب طيب أردوغان من الحُكم، وذلك بعد أن نجح أردوغان وحزبه في إضعاف حزب العمال وتقييده والحد من هجماته التي تستهدف تركيا خلال السنوات الماضية.
رابعاً: تُشكل هذه الضربة محاولة لضرب القطاع السياحي في تركيا، الذي يُشكل شريان الحياة الاقتصادية في البلاد، وهو القطاع الذي انتعش مؤخراً بفضل هبوط سعر صرف الليرة التركية، ما جذب مزيداً من الأوروبيين والعرب والأمريكيين إلى تركيا، لقضاء العطلات بتكاليف أقل وأسعار أرخص. وربما هذا ما يُفسر استهداف الموقع الأكثر شعبية بالنسبة للسياح الذين يقصدون إسطنبول. أما لماذا يريد مدبرو هذه العملية استهداف القطاع السياحي فعلى الأرجح أنهم يريدون ويراهنون على مزيد من المتاعب الاقتصادية، التي يُمكن أن تؤثر في الانتخابات المقبلة وتؤدي إلى إضعاف الرئيس أردوغان وحزبه.
والخلاصة هي أنَّ ما حدث في تركيا ليس سوى محاولة للتأثير في الانتخابات الرئاسية المقرر أن تجري في حزيران/ يونيو من العام المقبل، أي بعد شهور قليلة من الآن، وهي محاولة في الوقت نفسه لضرب القطاع السياحي الذي هو شريان الاقتصاد التركي بالتزامن مع الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، ما يعني أنها محاولة لمفاقمة هذه الأزمة وتعظيمها، بما يؤجج المعارضة أكثر ضد الحزب الحاكم. هذا ما يريده الإرهابيون من جريمة القتل العشوائي التي ارتكبوها في إسطنبول، لكن على الأرجح أنهم لا يُمكن أن ينجحوا في ذلك، وليس من المتوقع أن يقوم الناخبُ التركي بالتصويت على أساس هذه المساعي.
كاتب فلسطيني
*عمل إرهابي وخسيس وجبان.
قتل الأبرياء مدان من الجميع.
كل التوفيق والنجاح ل تركيا وأردوغان.
حسبنا الله ونعم الوكيل في كل فاسد وظالم وقاتل.