القدس- “القدس العربي”: طوال ساعات عملت عائلة نصار على إخراج أثاث منزلها بمساعدة من أخوة وأقارب وجيران في منطقة وادي قدوم في الجهة الشرقية من بلدة سلوان. سابقت العائلة، مساء أمس، الزمن لتنهي إخراج أثاث المنزل قبل أن تصل عقارب الساعة انتصاف الليل، فهي آخر مهلة قدمتها الشرطة الإسرائيلية للعائلة للبدء بعملية “هدم المنزل ذاتيا”.
بحسب محمد نصار، الذي يسكن مع أمه وعائلة مكونة من 8 أنفار في هذا المنزل منذ عام 2013، فإن الشرطة هددته في حال لم يهدم المنزل بنفسه فإنها ستقوم بذلك صباحا (صباح الثلاثاء)، وهو الأمر الذي يكلفه مبلغ 200 ألف شيقل إسرائيلي (60 ألف دولار أمريكي).
وكانت عائلة نصار دفعت أكثر من (40 ألف شيقل/ ما يقرب من 13 ألف دولار) لبلدية القدس خلال السنوات الماضية على شكل مخالفات بناء من دون ترخيص، كما أنها دفعت مبالغ كبيرة لمحامين من أجل الدفاع عن العائلة في المحاكم الإسرائيلية، لكن من دون جدوى.
ولا يعلم الشاب نصار كم كلف منزل والده من تكاليف على وجه الدقة، الذي تبلغ مساحته (124 مترا مربعا مع ساحة صغيرة في محيطه)، ولكن المبلغ يفوق المليون شيقل (300 ألف دولار أمريكي) ما بين بناء وتجهيز وتأثيث، لكن عملية الهدم التي تمت مساء كلفتها 8 آلاف شيقل إسرائيلي فقط (2500 دولار أمريكي).
وتلعب الاعتبارات الاقتصادية سببا يقود لأن يفضل بعض أهالي مدينة القدس القيام بعملية يطلق عليها “الهدم الذاتي” لمنازلهم خشية أن توقع عليهم ديون باهظة في حال قامت بلدية الاحتلال في المدينة بتنفيذ عملية الهدم.
وبحسب فخري أبو دياب، الناطق باسم أهالي حي سلوان بالقدس المحتلة، فإن بعض العائلات التي تستفرد بها الشرطة وتكون منازلها بعيدة عن التجمعات مثل منزل عائلة نصار، تخاف دفع تكاليف الهدم والتي تعني مبالغ كبيرة حيث تجبر البلدية على دفع مضاعف للآليات التي تهدم المنزل وللحملة الأمنية التي ترافق العملية.
“إنه الألم المضاعف” بحسب أبو دياب، ويضيف: “خسارة المنزل بكل ما تعني من ألم ووجع وتشرد، ومبالغ مالية كبيرة لا تقدر عليها كثير من العائلات”.
وفعلا، قام بلدوز ضخم (جرافة) بهدم المنزل قبل حلول فجر الثلاثاء.
لكن ما هو مصير العائلة التي سكنت في هذا المنزل لأكثر من 9 سنوات؟
يخبر المقدسي محمد نصار “القدس العربي” أنه نام شخصيا في سيارته الخاصة واستيقظ صباحا فوجد المنزل كتلة من الركام، “لقد استيقظت وتوقعت أن أجد المنزل في مكانه وعلى حالته رغم كوني أشرفت على هدمه بنفسي، لقد أصبحت بلا مأوى، وهذا أمر ثقيل”.
يؤكد نصار بثقة وحسرة “إلنا الله.. والله بعوض”.
وعن مكان لجوء بقية أفراد الأسرة يضيف نصار: “ذهبت أمي، الحاجة عزيزة نصار 78 عاما لبيت أخي، وأطفالي توزعوا عند بعض الأقارب”.
ونقلت مشاهد مصورة بثها نشطاء مقدسيون عملية تفريغ المنزل من أثاثه قبل الهدم الذاتي، حيث ظهرت الحاجة عزيزة تلملم بقايا أغراض المنزل بمساعدة أحفادها وهي تقول: “الله يجازيهم.. الله ياخذهم”.
وبحسب نصار فإن محامي العائلة “تقدم بطلب استرحام إلى بلدية الاحتلال يطلب فيه تأجيل الهدم إلى حين وفاة والدته كونها حلمت أن تعيش وتموت في هذا المنزل لكن البلدية رفضت ذلك بشكل مطلق، إنها بلدية لا تمتلك أدنى حس إنساني”.
وبدأت عملية تفريغ المنزل من الأثاث منذ ساعات ما بعد ظهر أمس الأول، حيث أخرجت العائلة بداية الأغراض المتحركة مثل: الكنب والأسرة والفرشات والخزائن والكراسي والستائر.. الخ، ومن ثم بدأت عملية إخراج تفاصيل العائلة وأغراضها البسيطة من أطباق صغيرة وبقايا طعام ومواد المؤونة السنوية… الخ.
“إنه منزل تماما كأي منزل في هذا العالم”، يقول نصار، “ولكم أن تتخيلوا الأغراض بداخله التي كان علينا إخراجها بسرعة قياسية”.
وبدت عملية تفريغ المنزل وهدمه أسرع كثيرا من عملية البناء والتأثيث وتحويله لمكان يليق بعائلة لديها أحلامها وأمنياتها، فلم تستغرق عملية تفريغ المنزل وهدمه أكثر من 12 ساعة فقط.
وقبل تنفيذ عملية الهدم قام نشطاء مقدسيون بتصويره والتجول فيه فبدا المنزل، الذي بني باستخدام الحجر الأبيض غالي الثمن، عاريا تماما، وتحديدا عندما فك عمال مقدسيون النوافذ والأبواب. فيما تراكمت كتل الأثاث والأغراض في أنحاء قريبة من المنزل من دون أن تدرك عائلة نصار ما تفعل بها ولا إلى أين تنقلها.
فخري أبو دياب، الناطق باسم أهالي حي سلوان بالقدس المحتلة، قال في تصريحات خاصة بـ”القدس العربي” إن الموقف الجماعي للسكان يتمثل برفض تهديدات بلدية الاحتلال والتي تطالبنا بالهدم الذاتي.
وتابع: “خلال الفترة الماضية قام الاحتلال بهدم منشأة واحدة في حين لم يتمكن من هدم الـ 17 منزلا لكونها تقع جميعها في حي واحد وقريبة من بعضها البعض”.
وأكد أبو دياب أن البلدية ضغطت على عائلة نصار من أجل أن تهدم منزلها بنفسها، وأضاف: “لدى بعض العائلات اعتبارات خاصة تجعلها تخرج عن الالتزام بموقف الأهالي بالالتزام بالتوقف عن الهدم الذاتي، نرفض ذلك لكننا نتفهم حالة بعض العائلات التي تخاف من هدم منزلها وتراكم الديوان لصالح بلدية القدس على شكل تكاليف هدم”.
يشير أبو دياب: “لا يوجد أصعب من أن تهدم بيتك بيدك، إنها مسألة صعبة للغاية، فكرة هدم المنزل تعني خسارة الماضي والحاضر والمستقبل، فكيف لو كان الأمر بيدك؟”. وأكد أنه لو وجدت صناديق ومؤسسات فلسطينية تتكفل بكل ما يخسر المواطن المقدسي وتقف إلى جانبه لتحول الأمر إلى حالة تحد ومقاومة شاملة.
فكي يتم مواجهة السياسات الاحتلالية في القدس يتطلب تدخل مؤسسات رسمية تمتلك الإمكانيات في ظل أن 79% من أهل القدس يصنفون تحت خط الفقر.
خطط المواجهة برأي أبو دياب يجب أن يتم تعزيزها في ضوء أن عدد المنازل المهددة بالهدم كبير جدا، وبالتالي يجب أن تستمر عملية تحدي الاحتلال، لأن كل منزل يهدم ذاتيا يعني أن يكون لبلدية القدس فرصة أن تهدم منزلا من خلالها، فالهدم الذاتي يجعلها تتخفف من الأعباء وتفرغ لعمليات هدم أخرى.
ويشدد أنه مقابل كل 100 منزل تهدم ذاتيا سيكون لدى الاحتلال فرصة هدم 100 منزل أيضا.
وختم أبو دياب مطالبا بتشكيل صندوق مالي يدعم الأهالي، لا يكون مقره مدينة القدس، لكون قوات الاحتلال لن تسمح بذلك، بل يجب أن يكون خارج المدينة المحتلة وتشرف عليه جهة رسمية، بحيث يكون وسيلة لدعم وإسناد وتمكين أهالي المدينة في مقابل جهود السياسة الإسرائيلية التي تقوم على تفريغ المدينة وترحيل سكانها للبناء خارج حدودها.
المطلوب حسب أبو دياب “صندوق تثبيت المقدسيين”، ينشط في الجانب المالي بحيث يمنع عمليات استفراد البلدية والشرطة بالعائلات الفلسطينية البسيطة وقليلة الإمكانيات المادية.