وافقت إسرائيل مؤخراً مرة أخرى على تعزيز القوات المصرية في سيناء رغم القيود التي في معاهدة السلام. وقالت مصادر عبر وسائل الإعلام، إن حجم القوات في شمال سيناء يشبه ذاك الذي كان قبل حرب يوم الغفران. وهي موافقة تعكس مستوى ثقة إسرائيل العالية بمصر بقيادة الرئيس السيسي، وتبرز مساهمتها الحرجة والمتواصلة للاستقرار النسبي في الشرق الأوسط. مصر تفي بذلك في الجيل الأخير، رغم النقد اللاذع من جهات إقليمية عديمة المسؤولية، ورغم النقص في التقدير لمساهمتها في واشنطن.
في الخمسينيات والستينيات عصفت قيادة ناصر للمنطقة العربية التي بين المحيط الأطلسي والخليج الفارسي بتوجهها العربي الراديكالي. وبإلهام منها، قامت في المنطقة أنظمة كفاحية، فرضت على زعماء آخرين أيضاً المساهمة في هذه السياسة المغامرة. مصر – الدولة العربية المهمة، الأكبر والأكثر استقراراً – قادت خطاً استفزازياً تجاه الولايات المتحدة ومواجهة متواصلة مع إسرائيل. أما السادات فأجاد في الفهم بأن هذه السياسة توقع الخراب على بلاده وتجر المنطقة إلى حافة الهوة.
بواسطة سلسلة من القرارات اللامعة والشجاعة في السبعينيات، أخرج السادات مصر من الاحتكاك العقيم مع الولايات المتحدة ومن المواجهة العقيمة مع إسرائيل. قراراته الدراماتيكية، وتعزيزها المتوازن في عهد مبارك وتصميم السيسي على تعميق وتثبيت هذه الميول، مسؤولة أكثر من كل شيء عن حقيقة أن المنطقة كلها لم تتدهور في العقد الأخير إلى مصيبة. الوضع في المنطقة صعب، وفي بعض بؤره تبث عنفاً قاسياً وضائقة عميقة، غير أنه بدون المسؤولية واللجم من جانب مصر، لعاش الشرق الأوسط كله في فوضى تامة.
تتعرض هذه السياسة منذ أكثر من 40 سنة بهجمة مركزة من الجهات الراديكالية في العالم العربي. في الأنظمة التي أوقعت المصيبة على شعوبها بسلوكها السائب (القذافي، سلالة الأسد، صدام حسين، عرفات، وغيرهم) عرضت المسؤولية المصرية وإنجازاتها المبهرة كاستسلام للولايات المتحدة ولإسرائيل. ففي الوقت الذي ضمن فيه السادات ومواصلو طريقه قدراً من الاستقرار الإقليمي، وأعفوا أجيال المصريين من احتكاك ضار وزائد مع الولايات المتحدة، ومن حرب عديمة الجدوى مع إسرائيل، فإن الأوهام العظمى والطموحات العليلة والسياسة العنيفة للراديكاليين أدت إلى خراب العراق، وسوريا، وليبيا، واليمن، والفلسطينيين، في حروب أهلية وفوضى وهزائم أليمة ومهينة. من جلبوا على شعوبهم الخراب ادعوا تاج الوطنية، ومن أعفي أبناءه وبناته من الفظاعة نبذ كخائن. دوائر ثقافية في الرأي العام العربي حتى في مصر نفسها، أغريت وراء الادعاءات الراديكالية والناكرة لنتائجها الهدامة. الكثير من هذا التشويه وجد تعبيره في الحركة الأكثر خطراً على العرب ومستقبلهم: “الإخوان المسلمون”. يتركز خطر الحركة في دمج فكرها الظلامي، الذي يفشل التصدي لتحديات القرن الـ 21، مع قدرتها على إظهار وجه معتدل وبناء وإقناع الأمريكيين والأوروبيين والإسرائيليين السذج، على مساعدتها على التموضع في الحكم. إن سياسة مصر المسؤولة تعاني من هجمة الراديكاليين ومن قصر نظر الأمريكيين و(الأوروبيين). هؤلاء يديرون للسيسي كتفاً باردة بدعوى أنه نظام عسكري يعاني من نقص احترام حقوق الإنسان. وهم يتنكرون لنزعتهم التطهرية الضحلة لحقيقة أن البديل الحقيقي الوحيد في القاهرة هو “الإخوان”، الذين سيغرقون مصر بالقمع وبتخلف عديم الأمل، وسيدفعون دولاً أخرى في المنطقة (ولا سيما الأردن) إلى راديكالية مناهضة لأمريكا، والشرق الأوسط إلى حرب إقليمية. عندما ضغطت كونداليزا رايس على إسرائيل للسماح للفرع الفلسطيني من “الإخوان” للمشاركة في انتخابات 2006 – سيطرت حماس على غزة. أما اليوم، فإن وجود الجيش الإسرائيلي وحده هو الذي يمنع سيطرتها على الضفة أيضاً. لقد هجر أوباما مبارك وأتاح سيطرة “ديمقراطية” لـ “الإخوان” في القاهرة. وحماسته لـ “اعتدال” أردوغان سهلت تحكمه المطلق بتركيا. في كل هذا، فاقم التدخل الأمريكي سحق حقوق الإنسان. أما السيسي فلم ينقذ مصر وحدها في 2013 بل أنقذ الأردن وإسرائيل، والولايات المتحدة أيضاً.
مصر، الجارة “أم الدنيا” بسبب وزنها الثقافي والتاريخي، هي المرسى الوحيد للاستقرار النسبي في منطقة ممزقة وقابلة للانفجار. يجدر بنا مساعدة السيسي، أو على الأقل عدم عرقلته.
بقلم: دان شيفتن
إسرائيل اليوم 16/11/2021
وليش تعرقلوه ، حبيبكم وهو كمان بحبكم وبموت فيكم
كل من يحيد عن سياسة عبد الناصر هو خائن لقوميته ودينه ووطنه. منذ عهد السادات وحتى اليوم، سياسة مصر خدمت اسرائيل وامريكا فقط، وتسببت في الوضع الآسن الذي يعيشه الوسط العربي بقيادة عملاء الخليج