رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ابن المؤرخ عظيم السمعة، أعلن انه يعارض الغاء امتحان الثانوية في التاريخ. رئيس الوزراء هو زعيم ذو وعي تاريخي. فهو ضالع في التاريخ، وبالتأكيد الصهيوني منه، يعرف ماضينا ويعترف باهمية تعليم التاريخ. من مثله يعرف: التاريخ يساعد على استخلاص الدروس من احداث الماضي، خشية أن تتكرر اخطاؤنا في الحاضر. ‘لنتنياهو احساس برسالة تاريخية وهو يعمل انطلاقا من الصلة التاريخية’، على حد قول من عمل سكرتيرا للحكومة، تسفي هاوزر. حتى الخصوم السياسيون لرئيس الوزراء يعرفون ميوله التاريخية، ولهذا فهم لا يكتفون بالقول اذا كان نتنياهو سيسير الى المفاوضات انطلاقا من الاستعداد للتنازلات والانسحاب الاسرائيلي الى خطوط 67، وسيفرشون له شبكة أمان، وهم يحفزونه على ذلك بل ويكتبون له: ‘يا بيبي اصنع تاريخا’. في صحيفة ‘هآرتس’ وحدها قرأنا في غضون ايام أربعة عناوين هي: ‘نتنياهو يستطيع’، ‘نتنياهو جدي’، ‘فرصة حياة نتنياهو’، ‘بوادر سياسة’. بالنسبة لليبراليي ‘هآرتس’ ورجال اليسار، فان القيام بالخطوة السياسية السليمة والدخول الى صفحات كتب التاريخ في هذا الزمن، معناه واحد: عمل غير المتوقع من زعيم اليمين، السير في خطى سلفيه مناحيم بيغن الذي سلم كل سيناء، ارييل شارون الذي فك ارتباطنا عن غزة والاستجابة لكل مطالب الفلسطينيين. اذا كان نتنياهو ايضا ‘سيرى الامور من هنا مثلما لا ترى من هناك’، كما يقولون، اذا ما أحدث انعطافة 180 درجة في مواقفه، فانه سيدخل التاريخ والى مصاف ‘معسكر السلام’. كما هو معروف، اليسار مستعد لصنع السلام تقريبا بكل ثمن يفرض على اسرائيل. اليسار يعتقد ان صنع التاريخ، معناه الكف عن ‘الاحتلال’، الانطواء في خطوط 67، تقسيم القدس، اقامة دولة فلسطينية، وربما حتى تحقيق حق العودة الى داخل اسرائيل. وهم يشخصون لدى رئيس الوزراء نقطة ضعف، مزعومة، يجدر الضغط عليها، وهي عطشه لـ’خطوة كبرى’ يكون اسمه مرتبطا بها الى الابد في صفحات التاريخ. من هنا اللغة السلسة تجاهه، على أمل انه بدلا من أن يهاجم ايران، يصنع السلام مع الفلسطينيين. أوليس نتنياهو هو الذي اعلن ‘دولتين للشعبين’؟. أعتقد انه بالذات لان رئيس الوزراء يفهم في التاريخ ويحب التاريخ، فانه لن يتصرف بهوس (بهستيريا)، ولن يتخذ خطوات عديمة المسؤولية الوطنية. ينبغي الامل في أن تكون لرئيس الوزراء خطوط حمراء، كتلك التي لا ينـزاح المرء عنها تحت هذا الضغط او ذاك، الذي يتعرض له او سيتعرض له، من الداخل او الخارج. أحيانا يكون ‘صنع التاريخ’ معناه بالذات ليس صنع ‘خطوة تاريخية’، ليس الاستسلام للمشاعر والاغراءات المؤقتة. معناه بالذات صد الضغوط وعدم تعريض مستقبل اسرائيل للخطر، وهو المسؤول عنه، بثمن عناوين رئيسة عاطفة في صحف اليسار أو مقابل هتافات مؤيدة من جانب غلئون ومتسناع. احيانا يكون ‘صنع التاريخ’ معناه بالذات الوقوف في وجه الاغراء الذي في اتفاق السلام، بكل بثمن تقريبا. اذا عمل بنيامين نتنياهو حسب المبادئ الوطنية، نظريا وعمليا، في الوضعية غير البسيطة التي يقف امامها، فلعله في موعد ما في المستقبل سيدخل كتب التاريخ وفي اختبار الثانوية في التاريخ، فصل مهم ايضا عن رئيس الوزراء التاسع لاسرائيل.