هكذا أهدرنا الهدوء

حجم الخط
0

كان لاريئيل شارون مبدأ هو أننا لا ننسحب تحت النيران. فقد أصر رئيس الوزراء الحادي عشر في اثناء الانتفاضة الثانية على ألا تدخل اسرائيل في مسيرة سياسية قبل أن يتوقف الارهاب الفلسطيني وتسود البلاد سبعة ايام هدوء. وكان منطق كبير في مبدأ شارون لأن كل انسحاب يتم تحت ضغط عنيف يفضي الى أن يُجدد الضغط العنيف بعد انتهائه فورا عن توقع ابتزاز انسحاب آخر. وقد كان يحتاج في الماضي ويحتاج في الحاضر ايضا كي لا يفضي تقسيم البلاد الى دوامة دم بل يُحدث وضع دولتين مستقرا، كان يحتاج الى فترة هدوء تفصل بين مرحلة المواجهة العسكرية الفعالة ومرحلة الانسحاب. فلا يمكن انهاء الاحتلال بل لا يمكن حتى مضاءلة الاحتلال مع هدير صواريخ غراد والمخربين المنتحرين والفتية المخطوفين. إن تعليق العنف مرحلة اولى ضرورية في الطريق الى السلام.
لكن اسرائيل حظيت في العقد الاخير بتعليق عنف. صحيح أنه كانت حرب في الشمال قبل ثماني سنوات وكانت الرصاص المصبوب قبل خمس سنوات في الجنوب وحدث من آن لآخر اطلاق صواريخ من قطاع غزة. لكن يهودا والسامرة غطتها سكينة نسبية لم يوجد لها مثيل في الماضي. فهل طلب شارون سبعة ايام هدوء؟ لقد حظيت اسرائيل بسبع سنوات هدوء. فقد خمد في سنة 2005 هجوم المخربين المنتحرين، ونجح محمود عباس وسلام فياض والجيش الاسرائيلي و»الشباك» واجهزة الامن الفلسطينية وجدار الفصل منذ 2007 في اسكات العنف الآتي من الشرق. وقل عدد المصابين الاسرائيليين بعمليات ارهاب – وعدد المصابين الفلسطينيين بالنيران الاسرائيلية – في نصف العقد الاخير الى مستويات لم نعرف لها مثيلا في عقود سبقت. وتلاشت الانتفاضة الثانية بل لم يُجدد الضغط الشعبي القوي للانتفاضة الاولى.
لم تقع أية عملية استراتيجية الى أن كان اختطاف الفتية الثلاثة في ألون شفوت قبل اسبوع. فقد انقطعت الهجمات الدامية على مدن اسرائيل بل قلت الهجمات على المستوطنات والمستوطنين بصورة حادة. وكان النماء الاقتصادي والازهار الثقافي والحياة اللذيذة (وفي ضمن ذلك برنامج العمل المدني والنضال من اجل العدالة الاجتماعية) منذ 2007، كانت ممكنة فقط لأن الواقع العنيف الذي كنا نعيش فيه حل محله واقع حدود هادئة وضفة غربية هادئة واستقرار مفاجيء.
لكن ما الذي فعلته اسرائيل في سنوات الهدوء السبع؟ وما هي المسيرة السياسية التي بادرت اليها حينما مُنحت هذه الفترة النادرة والهدنة النفيسة؟ يُقال في فضل اهود اولمرت وتسيبي لفني إنهما حاولا أن يفعلا كل ما يقدران عليه في الـ 18 شهرا الاولى من الهدنة غير المعلنة. لكن منذ أن دخل نتنياهو الى مكتب رئيس الوزراء لم يحدث شيء. فلم يوجد سوى خطب احتفالية وتصريحات معتدلة وتجميد بناء واحد، ولم يوجد سوى ذلك أية مبادرة اسرائيلية تشهد على نية جدية لاستغلال الهدوء لتقسيم البلاد بالفعل.
بعد سنين طويلة طلبنا فيها تعليق العنف حصلنا على سنوات طويلة لتعليق العنف أهدرناها. وقد استغلينا السكينة التي غطت شوارع الضفة ومدنها والمستوطنات، استغلالا سيئا. واستنفدنا عبثا النماء المريح الذي نالته مدن اسرائيل ومجمعاتها التجارية وتركنا السنوات الطيبة السبع تفلت من بين أصابعنا.
فهل نحظى بسنة ثامنة؟ ليس ذلك مؤكدا. إن اختطاف الفتيان يكمن فيه خطر استراتيجي يضاف الى الفظاعة الانسانية الكامنة فيه. وكما كُتب في هذا العمود في الصباح الذي سبق الاختطاف لا يحتمل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني الفراغ، فحينما لا توجد حركة الى الامام تتوقع حركة الى الوراء، وحينما لا توجد مسيرة سلام يتوقع تصعيد عسكري. ومن الصحيح الى الآن أنه فضلا عن عدم وجود مسيرة سياسية لا يوجد مبدأ منظِّم ولا توجد منظومة تجعل الامور مستقرة وتمنع التدهور. وهذا وضع قابل للانفجار يصبح كل سيناريو متشائم ممكنا فيه. وهكذا اذا كان يوجد ساسة في القدس فعليهم أن يروا الضوء الاحمر الذي أُضيء. إن الهدوء ليس عفنا وليس الهدوء مفهوما من تلقاء نفسه. فاذا عدنا وحظينا بالقليل منه فمن الواجب علينا أن نسارع الى استنفاده حتى النهاية.

هآرتس 19/6/2014

آري شبيط

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية