هل أثبتت كأس الأمم الأوروبية أن رئيس ريال مدريد بيريز على صواب؟

عادل منصور
حجم الخط
0

لندن – «القدس العربي»: رغم الجهود الكبيرة التي بذلها الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا)، سواء في حملات الترويج لبطولة كأس الأمم الأوروبية 2020 أو في النظام الاستثنائي بإقامتها في 11 مدينة تابعة لـ11 دولة مختلفة لتعميم الاحتفال بمرور ستة عقود على تدشين المسابقة، إلا أن النتائج والمكاسب المستهدفة من قبل اللجنة المنظمة، جاءت أقل من مستوى التوقعات، ويظهر ذلك في التفاعل والمشاهدات الخجولة لجُل مباريات الجولة الأولى والثانية لمرحلة المجموعات، دليلا على أن البطولة التي كانت تنبض بالمتعة والإثارة، وكانت شريحة عريضة تفضلها على كأس العالم، فقدت الكثير من رونقها وقيمتها، بل بدون مبالغة، اكتسبت سمعة سيئة، كبطولة لا تبدأ بشكل واقعي وحقيقي إلا بعد انتهاء مسرحية المجموعات الهزلية.

الفاشل يرفع يده

باستثناء مواليد الألفية الثالثة، ما زلنا نتذكر سنوات اليورو الخوالي، حين قام الاتحاد الأوروبي بأفضل تعديل لنظام البطولة، برفع عدد المنتخبات المشاركة من ثمانية مقسمة على مجموعتين، إلى الضعفين بداية من نسخة 1996، التي نظمتها إنكلترا وتوجت بها ألمانيا بفضل هدف أوليفر بيرهوف الذهبي في شباك التشيك، ومع النجاح المدوي للفكرة، أخذ اليورو منحنى تصاعدي فاق كل البطولات القارية المجمعة، بما في ذلك كأس العالم، خاصة بعد هبوط مستوى التنافس في مرحلة المجموعات، بعد زيادة المنتخبات المشاركة من 24 إلى 32 بداية من مونديال فرنسا 1998. في المقابل، كانت البطولة الأوروبية، تُمثل الملاذ الآمن لمشاهدة أعلى مستوى تنافسي في اللعبة بداية من إطلاق صافرة بداية دور المجموعات وحتى إعلان البطل، نظرا الى التقارب والتكافؤ الكبيرين بين الصفوة الـ16، وأيضا لنظام المسابقة، الذي يُلزم الجميع بالقتال منذ المباراة الأولى، لتفادي الخروج المبكر.
أما بعد تسديد فاتورة الانتخابات الرئاسية والتوحش في جمع المال السهل، تراجع منحنى البطولة أكثر من أي وقت مضى، لتغير مضمون ومحتوى المسابقة، من بطولة كانت ترتكز على إمتاع المشاهدين بأكبر عدد من مواجهات المنتخبات الكلاسيكية، التي تحظى بشعبية جارفة في كل بقاع الأرض، إلى مسابقة تعتمد على جمع مشاهدات تلفزيونية وإعلانات تجارية لأكبر عدد ممكن من المباريات، وجاء ذلك على حساب جودة المباريات ومستوى التنافس، الذي أثر بشكل سلبي على شغف واهتمام المشاهدين، خصوصا القطاع الأكبر خارج أوروبا، الذي لا يكترث بمشاهدة أو حتى متابعة منتخبات مغمورة من نوعية مقدونيا الشمالية وفنلندا وغيرهما من الدول المجهولة كرويا. هذا بخلاف سهولة المرور من مرحلة المجموعات، بمنح 4 بطاقات في الإقصائيات لأفضل 4 من أصحاب المركز الثالث في المجموعات الست، أشبه بدرجات الرأفة التي تمنح للطالب الفاشل فرصة لمساعدته في تجنب الرسوب، وهذا في حد ذاته، قتل فكرة المناقشة أو تحليل المنتخبات المرشحة للتأهل إلى مراحل خروج المغلوب، ويكفي أن المتابع البسيط، يفهم ويدرك جيدا، أن المنتخبات الكلاسيكية المشاركة ستكون حاضرة في دور الـ16، وسيرافقها 4 محظوظين من أصحاب المركز الثالث، الاستثناء الوحيد ألا يتأهل ثالث مجموعة الموت التي تضم فرنسا وألمانيا والبرتغال، أما غير ذلك، فالجميع يعرف ما يزيد على 90% من المنتخبات المتأهلة الى المشهد الختامي لدور المجموعات.

بيريز وسهام النقد

بعيدا عن تفوق الأحداث الخارجية والظروف الاضطرارية على جوهر مباريات البطولة حتى هذه اللحظة، فما حدث من قبل الاتحاد الأوروبي وتصرفه بعد سقوط كريستيان إريكسن المبكي، بالإصرار على استكمال المباراة، من دون مراعاة للحالة النفسية الصعبة للاعبي المنتخب الدنماركي وقلقهم على زميلهم، الذي يصارع الموت في المستشفى، ساهم بشكل أو بآخر في فتح النار على الرئيس ألكسندر تشيفيرين ومجلسه المعاون، من منطلق، أن هذا التصرف فضح حرص اليويفا واللجنة المنظمة على مصلحة البطولة أكثر من الروح البشرية، وبالتبعية فتح الباب على مصراعيه على إعادة فتح الملفات القديمة، وعلى رأسها بعض الاتهامات التي وجهها رئيس ريال مدريد فلورينتينو بيريز الى نظيره في المؤسسة المسؤولة عن كرة القدم في أوروبا. صحيح أن أكثر المدافعين عن المهندس الملياردير لا يتمنى تحويل فكرة السوبر ليغ إلى حقيقة على أرض الواقع، لكن التعامل غير الأخلاقي مع لاعبي المنتخب الاسكندينافي، رغم وجود إمكانية لإقامة المباراة في يوم آخر أو حتى إلغائها، جعل بعضاً من أعداء ومعارضي بيريز قبل مؤيديه، يعيدون التفكير في الأمور السلبية التي أشار اليها داخل الاتحاد الأوروبي، منها مثلا عزوف الشباب عن مشاهدة مباريات كرة القدم، لضعف المنافسة والشغف، إلى جانب التحديث السلبي في نظام المسابقات.
وهذا الأمر لا يحتاج الى أصحاب الملاحظات القوية كما هو واضح في أغلب مباريات اليورو، حتى مباراة القمة في مجموعة «الموت» السادسة التي شهدت أعلى نسبة مشاهدة بين آخر بطلي عالم فرنسا وألمانيا، لم تفح بكل أسرارها، بل كانت واحدة من أقل المباريات من حيث الإثارة ومتعة المشاهدة، فضلا عن اتهام بيريز الصريح للاتحاد الأوروبي، في ما يخص الفساد المالي في أرباح عوائد البث التلفزيوني وتوزيعها على الفرق والاتحادات المحلية، وإلا لما انقلبت الدنيا على رئيس الريال بمجرد أن كشف عن نواياه وطمعه في المكاسب المهولة، وفي الوقت ذاته، عندما حذر نجوم اللعبة مثل توني كروس وكاسيميرو وآخرون، من العواقب الوخيمة على صحة اللاعبين، بإقحامهم في بطولات قارية بهذا الكم الهائل من المباريات، لم يستمع لهم أحد لا في أوروبا أو في أمريكا الجنوبية، وذلك بطبيعة الحال للمصالح المشتركة مع الرعاة والشركات الممولة لليورو وكوبا أميريكا، والتي كانت سببا في استكمال مباراة الدنمارك وفنلندا، رغم أنها فقدت معناها وقيمتها بعد واقعة إريكسن. ونفس الأمر بالنسبة للكوبا، التي بالكاد يشاهدها أحد، ولا تحظى بمشاهدة المباريات الافتراضية التي كان يشارك فيها نجوم اللعبة في فترة العزل الصحي، فهل تعتقد عزيزي القارئ أن اللاعبين ومن قبلهم رؤساء الأندية على حق بضرورة تقليل عدد المباريات الدولية بوجه عام ومباريات البطولات المجمعة بالأخص؟ أم سيواصل اليويفا السير على خطى الفيفا بتوسيع بطولته الكبرى لتعظيم الأرباح والمكاسب المادية حتى لو جاءت على حساب أرواح اللاعبين بالتعامل معهم على أنهم ليسوا بشرا؟ عموما كل ما نتمناه جميعا ألا يتكرر مشهد إريكسن مرة أخرى.

بطل الجولة وأرقام قياسية

بصرف النظر عن المستوى العام للبطولة، فهناك مواقف وأرقام قياسية ستبقى عالقة في الأذهان ومسجلة حصريا باسم «يورو 2020»، أكثرها إثارة للإعجاب ما فعله قائد المنتخب الدنماركي سيمون كايير، لحظة سقوط زميله على الأرض مغشيا عليه، مقدما درسا في كيفية تعامل القائد مع المواقف الصعبة، أولا بوضع إريكسن على الوضعية الصحيحة وإسعافه رئويا قبل وصول أول مسعف. ولم يكتف بذلك، بل احتوى زوجة اللاعب في مشهد ينبض بالإنسانية، وفي نفس اللحظات، طلب من باقي اللاعبين الالتفاف حول زميلهم، حفاظا على خصوصيته في لحظات إنعاشه بجلسات الكهرباء، وبعد كل هذا، رافق كريستيان في المستشفى ثم عاد إلى الملعب لاستكمال المباراة حتى الدقيقة 90. أما على مستوى الأرقام والإحصائيات التاريخية، فكان لكريستيانو رونالدو نصيب الأسد في الجولة الأولى، بعد هدفيه في شباك المجر، ليعتلي صدارة هدافي اليورو بالوصول لهدفه الشخصي رقم 11، مبتعدا بهدفين عن أسطورة فرنسا ميشيل بلاتيني وبأربعة عن جلاد الإنكليز آلان شيرر، وخمسة عن أقرب مطارديه الحاليين أنطوان غريزمان، غير أنه فض الشراكة مع سيسك فابريغاس وأندريس إنييستا، كأكثر لاعب تحقيقا للانتصارات في أمم أوروبا، وأصبح كذلك الأكثر تسجيلا للثنائيات في تاريخ المسابقة، بواقع 3 مرات، الأولى في هولندا عام 2012 والثانية والثالثة في ضحيته المفضلة المجر في النسخة السابقة والحالية، كما أنه فض الشراكة مع سيسك فابريغاس وأندريس إنييستا، وأصبح اللاعب الأكثر تحقيقا للانتصارات في اليورو، وقبل هذا وذاك، قطع خطوة كبيرة نحو تحقيق واحد من أهم أحلامه، بالوصول إلى هدفه الشخصي رقم 106 بقميص منتخب بلاده، ليتبقى أمامه أربعة أهداف فقط لتحطيم رقم هداف منتخبات العالم الايراني علي دائي، وذلك قبل مواجهتي ألمانيا وفرنسا في ختام مرحلة المجموعات.

فاكهة اليورو

لا شك أبدا أن البطولة شهدت بعض المباريات الجيدة، وهناك أكثر من منتخب عبر عن نفسه بشكل لا بأس به، لكن الأكثر إقناعا وإمتاعا حتى الآن هو المنتخب الإيطالي، بما يقدمه من سيمفونية جماعية يقودها روبرتو مانشيني من الخارج، وينفذها رجاله كما ينبغي على أرض الملعب، وذلك على عكس أغلب التوقعات قبل بداية المسابقة. صحيح أن منتخب أسياد الدفاع، يبقى دائما من المرشحين للفوز بأي لقب، لكن الصورة المبهرة التي قدمها الفريق في أول مباراتين أمام تركيا وسويسرا، جعلته يخطف الأنظار والقلوب، خاصة وأنه واحد من أكثر المنتخبات الأوروبية التي تحظى بشعبية كبيرة عند العرب، والمثير للإعجاب، أن مانشيني صنع هذه النسخة الإيطالية المخيفة، بعد الوصول إلى قاع الحضيض الكروي تحت قيادة المدرب السابق جانبييرو فينتورا، صاحب وصمة عار الفشل في التأهل الى كأس العالم للمرة الأولى منذ عقود، وقد فعلها بأسماء تكاد تكون مجهولة لمن اعتادوا على رؤية الآزوري مدججا بالنجوم والأساطير، من نوعية بيراردي لاعب ساسوولو، وزميله في نفس الفريق مانويل لوكاتيلي وأسماء أخرى تتألق مع لاتسيو ونابولي وروما. لكن مدعمة بخبرة ثنائي دفاع يوفنتوس جورجيو كيليني وليوناردو بونوتشي، وتطور ونضوج أسماء أخرى شهيرة مثل باريلا وجورجينيو، ليخلق من مجموعة متفرقة وجيل يأس من اللاعبين، هذه المنظومة الجماعية الكاسحة، التي بدت أمام تركيا في اللقاء الافتتاحي، وكأنها تخوض مباراة مع أحد المنتخبات المغمورة، لدرجة أن البعض شكك في جودة وتطور المنتخب التركي بعد المباراة، لكن سرعان ما تبين أن الأمر يتعلق بقوة إيطاليا المفرطة، بعد ظهور الأتراك بمستوى جيد جدا أمام ويلز، رغم الهزيمة بهدفين نظيفين، قبل أن يكرر الآزوري نفس المشهد أمام سويسرا، بهيمنة شبه مطلقة على مجريات وأحداث المباراة، تجلت في طوفان الهجمات المستمرة منذ الدقيقة الأولى وحتى إطلاق صافرة النهاية، مع ضغط لا يصدق في مناطق متفرقة من الملعب، لمنع الجيران من نقل الكرة بأريحية في وسط الملعب، ولهذا لم يتعرض حامي العرين دوناروما سوى لاختبار وحيد أو اثنين على مدار 180 دقيقة. وبالطبع، إذا واصل المنتخب الإيطالي بنفس النسق والعمل الجماعي المنظم، خاصة في الشق الهجومي، الذي يقوم على تنوع الحيل والأفكار في اختراق الدفاعات، بتعاون مثمر بين إيموبيلي وإنسينيي وباقي المهاجمين، فبنسبة كبيرة سيذهب المنتخب بعيدا في البطولة، ولأن هذا الجيل بالذات غير مطالب أمام الجماهير والإعلام بجلب الكأس، بعد الاستشفاء من صدمة الغياب عن كأس العالم، فلا يوجد ما يمنع اللاعبين من مواصلة اللعب بنفس الطريقة، بلا ضغوط أو قيود، أملا في تحقيق ما يفوق توقعات أكثر المتفائلين، ولا تنسى عزيزي القارئ، أن الأرقام والإحصائيات تؤكد أن المنتخب الإيطالي لن يكون خصما في المتناول لأي منتخب، بحفاظه على شباكه نظيفة في آخر 10 مباريات، حيث يرجع تاريخ آخر هدف استقبلته شباك منتخب مانشيني الى الحادي عشر من أكتوبر/ تشرين الأول العام الماضي، وكان في مباراة التعادل مع هولندا ضمن بطولة دوري الأمم الأوروبية، في المقابل سجل لاعبو إيطاليا 31 هدفا في هذه المباريات، فهل يواصل مانشيني ورجاله البناء على هذه الأرقام وتكون سببا في حصولهم على تأشيرة السفر إلى لندن للقتال في نصف النهائي ولم لا النهائي؟ هذا ما ستجيب عنه أقدام اللاعبين داخل الملعب في الأدوار القادمة بعد التأهل المبكر لدور الـ16.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية