لندن ـ «القدس العربي» هل بقي لدى تنظيم «الدولة الإسلامية» رهائن آخرون وذلك بعد قتله آخر رهينة ياباني لديه يوم السبت وهو كينجي غوتو، وبعد قتله الرهائن الأمريكيين والبريطانيين العام الماضي. فبخلاف التغطية الإعلامية التي حققها على مدار الأيام الماضية هناك تساؤلات حول ما حققه التنظيم من كل هذا.
ويرى محللون يراقبون تحركاته أنه لم يحقق الكثير بل ارتدت أساليبه عليه، خاصة في الأردن. فقد قتل الجهاديون رهينتين يابانيتين وفشلوا في الحصول على فدية 200 مليون دولار طلبوها من الحكومة اليابانية أو مبادلتهم بأي من السجناء خاصة ساجدة الريشاوي السجينة في الأردن منذ عام 2005.
وترى صحيفة «نيويورك تايمز» أن تهديد التنظيم بقتل الطيار الأردني معاذ الكساسبة وفشله في تقديم دليل على أنه لا يزال على قيد الحياة لم يحقق الكثير للتأثير على مشاركة الأردن ودوره في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضده.
وترى الصحيفة أن الأردنيين الذين كانوا متشككين بدور بلادهم بدأوا يلتفون حول حكومتهم ويشجبون المتطرفين.
ويتزامن هذا التحول في الوقت الذي لم يعد لدى التنظيم رهائن أجانب ليبادلهم أو يهدد دولهم بهم، والسبب هو قلة عدد الصحافيين وعمال الإغاثة الذين يتجرأون على دخول سوريا. وكان عدد الرهائن المحتجزين لدى تنظيم الدولة مع بداية الغارات الجوية في آب/ أغسطس العام الماضي 23 رهينة ولم يبق لديه سوى رهينتين غربيتين من أربعة باقين، فيما يحتفظ بعدد غير معروف من السوريين.
وكان الرجل المعروف بجهادي جون، ويعتقد أنه بريطاني قد سخر من رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي وهدده بالقول إن السكين لن تكتفي بقطع رأس غوتو كما حدث مع هارونا يوكوا بل ستواصل الذبح أينما وجد اليابانيون، فرد آبي بالتعبير عن دعمه للحملة الدولية ضد تنظيم الدولة، بل قد يستخدم حادث قتل الرهينة بالدفع باتجاه تغيير وضع اليابان كبلد مسالم منذ الحرب العالمية الثانية للمشاركة في النزاعات الدولية. وهناك إمكانية لبناء إجماع وطني في ظل الموجة العارمة من المشاعر المعادية لتنظيم الدولة التي أبداها اليابانيون.
بحر من التغييرات
وعلى خلاف اللهجة المتحدية من آبي أبدى المسؤولون الأردنيون يقظة في طريقة التعامل مع الأزمة وعرضوا مبادلة طيارهم بالسجينة والانتحارية الفاشلة ساجدة الريشاوي. لكن المجتمع الأردني مر بسلسلة من التغييرات والمواقف تجاه التحالف الدولي، ففي البداية سيطر مصير معاذ الكساسبة على مواقفهم من مشاركة الأردن في الحرب على تنظيم الدولة، وبدا هذا واضحا من مواقف القبائل.
لكن مقتل الرهينة الياباني ترك أثرا على الذين كانوا يشكون بمبررات المشاركة الأردنية في الحرب.
وينقل التقرير عن عريب الرنتاوي، من «مركز القدس للدراسات» في عمان قوله «منذ اليوم الأول من الانضمام للتحالف ضد تنظيم الدولة اعتقد جزء من الشعب الأردني بأن هذه الحرب ليست حربنا» فيما دعم قطاع آخر الحرب على فرضية أن الاردن سيواجه التنظيم عاجلا أم أجلا في الأردن، وعليه فمن الأفضل قتالهم في بلد آخر.
ويقول نايف العمون، النائب في البرلمان والذي ينتمي للقبيلة نفسها التي ينتمي إليها الكساسبة «الآن معاذ في غرفة نوم كل أردني» مضيفا «لن نسمح لأحد أن يقوم باستغلال الموضوع ويحوله ضد الحكومة».
ويقول إن طريقة معاملة التنظيم لمعاذ قد ارتدت سلبا عليه، فبدلا من تقسيم الشعب الأردني التف الأردنيون حول حكومتهم». وترى أورا سزكلي، الباحثة في جامعة كلارك، ماساشوسيتس أن المنظمات – غير الدول تظل أقل انسجاما وتماسكا مما نعتقد. ولأن المتطرفين لا استراتيجية متماسكة لهم في الطريقة التي تعاملوا فيها مع الرهينتين اليابانيين والأردني فقد كانوا يرغبون بتحقيق «خبطة» في مجال العلاقات العامة وقد فشلوا.
ويرى كلارك ماكولي، المحاضر في علم النفس بجامعة برين مور، أن قتل الرهينة الياباني الثاني كان خطأ كبيرا.
ويقول إن هؤلاء الأشخاص هم أعداء أنفسهم حيث سيؤدي تطرفهم إلى تهميشهم عن قواعدهم. وفي مقابل هذه المواقف يرى حسن أبو هنية المحلل السياسي والخبير في شؤون الجماعات الإسلامية إن تنظيم «الدولة الإسلامية» لا يزال يحتجز الرهينة الأردني وقد يستخدمه للتأثير على الرأي العام الأردني .
ففي الوقت الذي لا يهتم فيه تنظيم الدولة بالرأي العام الأمريكي أو الياباني إلا ان لديه طموحات للتوسع في الأردن.
ولا يزال التنظيم يحتفظ بجون كانتلي الصحافي البريطاني الذي استخدمه التنظيم في آلته الإعلامية وصور وهو يقدم تقارير عن الوضع في عين العرب/ كوباني قرب الحدود مع تركيا، وكتب مقالات في مجلة التنظيم «دابق» وهناك ثلاثة موظفين تابعين للصليب الأحمر الدولي، اختفوا في تشرين الأول/ أكتوبر 2013 ـ ولا تعرف هوياتهم أو من اختطفهم. وتعتبر عمليات الاختطاف واحدة من الآليات التي يعتمدها التنظيم لتمويل عملياته، ويعتقد أنه حصل على ملايين الدولارات في عمليات مبادلة للرهائن في الأِشهر الماضية.
وكان مسؤول أمريكي قد حذر صحافيين في تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي من مخاطر تعرضهم لاختطاف بعد تلقي مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) معلومات عن جماعات مرتبطة بتنظيم الدولة للقيام بعمليات اختطاف أجانب.
ظلال
وتلقي أزمة الرهينة الأردني بظلالها على التحالف الدولي الذي تعتقد الولايات المتحدة بضرورة مشاركة دول عربية فيه. كما أنها وضعت الحكومة الأردنية كما تقول صحيفة «لوس أنجليس تايمز» في مواجهة مع الشعب الذي يعارض جزء منه المشاركة في الحرب، والتي أضافت أن بعض أفراد عشيرة الطيار اتهموا الحكومة ببيعه، وهددوا من المخاطر الأمنية المترتبة على الفشل في تأمين حياته.
ولاحظت الصحيفة أن العائلة بدأت تصدر تصريحات أقل حدة فيما بعد قتل الرهينة الياباني حيث عبر والد الطيار وعائلته عن ثقتهم بقدرة الحكومة على معالجة الموضوع مع أن مصير الطيار لا يزال غامضا.
وحللت صحيفة «التايمز» البريطانية في افتتاحيتها تداعيات الأزمة على الحكم في الأردن وأهمية دعم الدول الغربية للمملكة الصحراوية التي لا تملك الكثير من المصادر الطبيعية. وأشارت لحالة الانتظار التي تعيشها عائلة الطيار. ففي الوقت الذي بدأ فيه الحزن والعزاء بالنسبة لعائلة كوجي، فحالة عدم اليقين والكابوس مستمر لعائلة الكساسبة وكذا بلده الأردن الذي يجر تدريجيا «دوامة العنف في العراق وسوريا».
وأشارت الصحيفة إلى عدم قدرة الحكومة على الوفاء بتعهداتها وتأمين سلامة الطيار، فبدلا من تعريتها لعنف الجهاديين وبربريتهم أمام المواطنين حدث العكس مضيفة أن مجريات الأحداث كشفت عن محدودية ما لدى الحكومة من وسائل، «خاصة أن المملكة السنية تشارك في حملة غارات جوية لا تحظى بدعم من السكان ضد مسلمين سنة».
ولاحظت الصحيفة مواقف السكان الغاضبة من الملك عبدالله الثاني الذي يشارك في الحملة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» لحماية الأردن من مخاطر الجهاديين ومع ذلك «فرعايا الملك لا يشكرونه على الدور الذي يقوم به».
وكانت عائلة الكساسبة هي أول من انتقدت الحكومة بسبب فشلها بتأمين الحماية لمواطن أردني.
ومع ذلك فمشكلة الأردن أكبر من قضية الطيار، فهو هدف من أهداف التنظيم. وتقول إنه لو اجتاح مقاتلو تنظيم الدولة الصحراء الأردنية القريبة من العراق وسوريا فلن يحتاج التنظيم لتغيير رسومه وأعلامه لأن الأردن داخل في ترتيبات «الخلافة».
أما المشكلة الثانية فهي نابعة من العدد الكبير من الشبان الأردنيين الذين ينتمون للطبقة المحرومة والعاطلين عن العمل، ونسبتهم 30% مما يعني توفير تربة خصبة لتجنيدهم في داخل تنظيم الدولة.
وبناء عليه تدعو الصحيفة إلى وقف»وباء الجهاديين على الحدود الأردنية، وبعيدا عن البؤس الذي سببته الدولة لمن وقعوا تحت سيطرتها، يعتبر الأردن ثاني دولة عربية توقع اتفاقيات سلام مع إسرائيل.
ويعتبر الأردن إلى جانب تركيا دولة محورية في أي تدخل غربي يهدف لتحقيق السلام في سوريا». وتعتقد الصحيفة أن أمن الأردن يحتاج إلى دعم ثابت من الدول الغربية بما في ذلك التشارك في المعلومات الأمنية.
وتدعو الصحيفة الأردن إلى القيام ببرامج طويلة المدى كي يحصن سكانه خاصة الطبقات المحرومة من «فيروس البربوغندا الجهادية»، وهي خطة تحتاج وقتا واستثمارات والتزاما ويقتضي تطويرا اقتصاديا على مستوى القاعدة في هذا البلد الصحراوي.
وتؤكد الصحيفة أن استثمارا كهذا يصب في مصلحة العالم وقد يكون نموذجا للكيفية التي ستتم من خلالها هزيمة «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا.
وفي الوقت الذي تخشى فيه الدول الغربية آثار الحرب السورية من خلال عودة المقاتلين الأجانب من العراق وسوريا، فالأردن يواجه مخاطر أشد، خاصة في ظل وجود أكثر من 750.000 لاجئ سوري، وهناك 10.000 جهادي مختبئون في أراضيه.
ورغم ما تقوم به الحكومة من تدقيق فيما ينشر في الصحف إلا أن قراءها يؤمنون بوجود نظرية مؤامرة كبيرة تهدف لسحق القوة السنية في كل المنطقة.
وتختم بالقول إن استقرار الأردن منذ الربيع العربي كان بمثابة المعجزة، لكن لا يمكن الركون إلى هذا، فالمقايضة بين الملك عبدالله وشعبه تقوم على تقديم الولاء مقابل توفير الأمن وهي مقايضة تعاني من مشاكل.
وعليه فالدولة بحاجة، وبعد معرفة مصير الطيار، لإقناع شعبها بأن المهمة التي ذهب لتحقيقها – أي الكساسبة – كانت عادلة.
لا حوار
وأكدت صحيفة «ديلي تلغراف» في تعليقها على القتل الأخير على أن لا تحاور مع الإرهابيين. وتحدثت عن مشاهد قتل الرهينة الياباني غوتو بالقول إنها مألوفة، ولكن علينا أن لا نعتاد على انحطاطها ولا أن نفشل في استخراج دروس منها.
فالدرس الأول هو أن قادة وأعضاء تنظيم الدولة لا يهمهم من يرسل قوات إلى الشرق الأوسط أو يلعب دورا في المنطقة، فأي شخص لا يشاركهم في أيديولوجيتهم المنحرفة يعتبر هدفا شرعيا، أيا كانت جنسيته أو جواز السفر الذي يحمله.
فكما نعرف فاليابان لم تنضم للتحالف العسكري ضد تنظيم الدولة ولا يوجد للبلد أي علاقات تاريخية مع الشرق الأوسط، وحضورها في المنطقة يظل على أقل المستويات.
ومع ذلك لم يكن لهذا أي أثر على مصير غوتو. وتقول الصحيفة «إنس الفكرة التي تقول إن المواطنين البريطانيين لن يصبحوا هدفا حالة قللت الحكومة من دورها في قتال تنظيم الدولة».
الدرس الثاني له علاقة بفكرة التحاور مع الإرهاب. فالصحيفة ترى أن التفاوض مع تنظيم الدولة لا أخلاقي وعبثي.
وتشير إلى ما يدعو إليه جوناثان باول، مدير طاقم رئيس الوزراء السابق توني بلير، الذي كتب حول ضرورة توفر النية للتحاور مع الإرهابيين في أي مكان.
ومع أن هذه الدعوات تحمل نية حسنة إلا أن الصحيفة تذكر أنه لا يمكن التحاور مع جماعة هدفها المعلن هو «غزو روما والسيطرة على العالم» ولديها استعداد لارتكاب عنف لا حدود له. والنتيجة الوحيدة هي ان تنظيم الدولة هو شر يجب قتاله لا التحاور معه.
qal
إبراهيم درويش