هل أردوغان مطبع؟

حجم الخط
29

لا خلاف على أن عودة العلاقات الدافئة بين تركيا ودولة الاحتلال الإسرائيلي لا يمكن أن يصب في مصلحة الفلسطينيين، ولا يخدم قضيتهم، وأن استقبال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للرئيس الإسرائيلي، لا يُمكن أن يحظى بالرضا والتأييد، لا داخل تركيا ولا على المستوى العربي، خاصة في أوساط أولئك الذين كانوا ينظرون لأردوغان على أنه خليفة الأمة، وأمل المستقبل وصاحب المشروع الطموح.
ولا شك في أن أي مؤيد للقضية الفلسطينية أو حريص عليها لا يُمكن أن يُبرر إقامة علاقات مع إسرائيل، بسبب أن أية علاقات دبلوماسية ودولية مع تل أبيب ستصب بالضرورة في صالح الاحتلال وليس ضده، وهذا ينسحب على تركيا والدول العربية، وهي قاعدة لا خلاف عليها.

التعامل مع كل الحالات على قدم المساواة، دون تفريق يعني التلبيس على الناس، والتمويه على مفهوم التطبيع الذي ينبغي للعرب أن يرفضوه جملة وتفصيلاً

لكن الإشارة المهمة التي ينبغي التنبه لها هي، أن الحالة التركية تختلف تماماً عن نماذج التطبيع العربية، ولا يمكن مطلقاً المساواة بين لقاء أردوغان وهيرتسوغ بلقاءات التطبيع العربية مع الاحتلال، إذ ثمة اختلافات جوهرية مهمة، كما أن التعامل مع هذه الحالات على قدم المساواة، ومن دون تفريق يعني بالضرورة التلبيس على الناس، والتمويه على مفهوم التطبيع الذي ينبغي للعرب أن يرفضوه جملة وتفصيلاً، وأن يكون واضحاً في أذهانهم. في الحالة التركية يجب التنبه الى أن أنقرة تعترف بإسرائيل وتقيم علاقات رسمية ودبلوماسية معها منذ عام 1949، كما أن الرئيس أردوغان وصل إلى الحُكم قبل سنوات طويلة وبلاده تقيم علاقات مع الاحتلال، ومن ثم توترت وبردت هذه العلاقات في أعقاب العدوان الاسرائيلي على سفينة «مافي مرمرة» التركية في عام 2010، عندما اغتالت القوات الإسرائيلية عدداً من الناشطين الأتراك، المتضامنين مع الشعب الفلسطيني، الذين كانوا حينها في طريقهم بحراً إلى قطاع غزة لكسر الحصار المفروض عليه. ما نقصده هو أن تركيا تقيم أصلاً علاقات مع دولة الاحتلال منذ ما قبل وصول أردوغان إلى السلطة، وحتى عندما توترت العلاقات مع تل أبيب في السنوات الـ12 الماضية، كان السبب هو الهجوم الذي استهدف مواطنين أتراكا، أي كان ظرفاً داخلياً وسبباً محلياً، وهذا يعني أن زيارة الرئيس الإسرائيلي إلى أنقرة (وهي مرفوضة ومدانة في كل الأحوال) لا تندرج في إطار التطبيع، ولا تتساوى مع أعمال التطبيع المعيبة والمشينة التي تقوم بها بعض الأنظمة العربية حالياً، لأن الزيارة الجديدة لم تفتح باباً جديداً كان مقفلاً أمام دولة الاحتلال، وبالتالي فالعلاقات أصلاً بين أنقرة وتل أبيب «كانت طبيعية» وليست «تطبيعاً حديثاً طارئاً». ثمة ملاحظة ثانية مهمة، وهي أن تركيا ليست دولة عربية، ولا عضواً في الجامعة العربية، وعليه فليس مطلوباً منها الالتزام بقرارات مقاطعة إسرائيل ولا تخضع لرقابة «مكتب المقاطعة العربية»، أما الدول العربية المطبعة فهي ترتد عن التزاماتها، وتنتهك قوانين وقرارات المقاطعة التي تلتزم بها الدول العربية، وتنتهك أيضاً «المبادرة العربية» التي تشترط التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين قبل التطبيع، ما يعني أن أي دولة عربية تقيم علاقات مع الاحتلال، فهي بالضرورة تتخلى عن القضية الفلسطينية التي هي قضية العرب المركزية والأولى، وهي بالضرورة تنحاز للاحتلال وترمي في أحضان من يشكلون تهديداً للأمن القومي العربي، بينما هذا كله لا يُمكن أن ينسحب على أية دولة غير عربية.
الخطورة في مساواة الفعل الذي قام به أردوغان بأعمال التطبيع التي يقوم بها بعض الحكام العرب الآخرون، هو أن الأمر يتحول تدريجياً إلى تبرير للتطبيع، وذلك عبر التلبيس على الناس بأن ما فعله أردوغان هو نفس ما فعله غيره، ليصلوا إلى نتيجة مضللة مفادها أنه حتى المتعاطف مع فلسطين هو أيضاً مطبع، وأنه لا بد من إقامة مثل هذه العلاقات، وأن لا أحد يستطيع الصمود، من دون أن يكون مطبعاً مع الاحتلال.. ولذلك وجدنا أن الذين انتقدوا استقبال أردوغان لهيرتسوغ هم أنفسهم المروجون التقليديون للتطبيع، والسبب هو أنهم كالمومس التي تود إقناعك بأن كل نساء المدينة مومسات مثلها ويتساوين معها في الرذيلة!
كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول حاتم:

    هل كان احد يحتج على علاقة تركيا بإسرائيل قبل اردوغان ؟! .. أبدا !!
    السبب أن فلسطين في سياسة قادة تركيا إذاك كانت خارج المدار و الاعتبار !

    هل كان بيد و بامكان اردوغان أن يستمر على تلك السياسة؟! .. لا شك !!
    لكنه لم يفعل و فعل ما يتناغم مع مشروعه الاسلامي، فأحيا فلسطين في سياسة تركيا، و أغضب اسرائيل و حاضنها! و كان رهانه على انظمة عربية مؤثرة لدعمه و موقفه من القضية ، لكنها لم تتخلف عن توجيه سهامها اليه و الى مشروعه الاسلامي الذي أقلقها ، وما تباين موقفها و موقفه من الربيع العربي
    الا تعبير عن الموقف من اسرائيل و ما يرضي اسرائيل , و الموقف من الانقلاب على مرسي و عليه هو بعده الا شاهد على حجم الغدر الذي طاله من العرب و تخاذلهم !
    فمن يلوم لا يلوم اردوغان على رد فعل ، عليه أن يلوم من كان سببه و علته! و لا تنسى لا يمكن أن تكون ملكا اكثر من الملك ، او عربيا اكثر من العرب!

    1. يقول ابن الوليد. المانيا.:

      لا نريد منه ان يكون عربيا اكثر من العرب .. و لا مسلما اكثر من المسلمين .. بل مسلما فقط ..
      بل فقط ان يدع عنه دغدغة مشاعر العرب لاحياء امبراطورية العثمانيين في مخيالهم.
      .
      لكنه لن يفعل .. و لن يتوقف .. فعلى العرب الحمية و الحيطة اذا.

  2. يقول ع ع:

    اردوغان ليس الخليفة العثماني ببساطة

  3. يقول هدى الخطيب:

    أردوغان أذكى مما نتصور بلا مزايدات ولا تهافت مبتذل، هو يعرف قدر الخطر على نفسه وبلاده ويقوم الآن بالإنحناء للريح حتى تمر ومشروعه فعلاً أكبر من تركيا

1 2 3

إشترك في قائمتنا البريدية