هل الإرهاب’اصيل’ ام وكيل؟

حجم الخط
1

عاد ‘الإرهاب’، لاعباً ودوداً، الى الحضور. حضر بقوة في ‘ماراثون’ بوسطن الاسبوع الماضي. بدَت اجواء الولايات غداة تفجيراته الصاعقة شبيهة بأجواء اليوم الذي تلا هجمات 11 ايلول/سبتمبر 2001. زاد من صدمة الناس وخوفهم اعتراف الرئيس باراك اوباما بعدم معرفة اجهزة الامن مَن نفذ الاعتداء ولماذا، واذا ما كان التخطيط والتنفيذ من قبل منظمة ارهابية او محلية او اذا كان عملاً فردياً حاقداً .
الإرهاب ليس مجرد صفة او تهمة. عاد الى امريكا لاعباً فردياً او جماعياً . اذا كان فردياً، فما دوافعه؟ وهل المتفجرات محلية الصنع ام مستوردة؟
اذا كان جماعياً، مَن هو التنظيم المحلي او العالمي الذي قام بالتخطيط والتنفيذ؟ وما الاغراض التي يرمي الى تحقيقها؟
الواقع يشي بأن الإرهاب ظاهرة محلية وعالمية، هو واحد ومتعدد في آن.
العولمة طالته مثلما طالت وكيّفت قطاعات الاقتصاد والرساميل والإسلام والاتصالات واليد العاملة.
الجديد في مسألة الإرهاب حيرة امريكا واوروبا و’اسرائيل’ إزاء التعامل معه او مواجته، او هكذا يبدو الامر في ظاهره. لماذا؟ لأن الإرهاب واحد من حيث الجوهر، متعدد من حيث التنظيم والدور .
هو واحد في مضمونه بما ينطوي عليه من عنف، وقتل، وتدمير، وإهدار للإنسان، وجوداً وقيماً وحقوقاً. وهو متعدد بما ينطوي عليه من تنظيمات متعددة الاهداف والمصالح والمطامع والآليات والاساليب، ترفع شعارات عامة توحي بالانتماء الى ايديولوجيا دينية او اثنية او سياسة واحدة ولكن فضفاضة.
الى ذلك، يبدو الإرهاب ‘اصيلا’ حيناً ووكيلاً حيناً آخر. هو ‘اصيل’ بمعنى ان التنظيم الذي يحمل لواءه ويمارس العنف باسمه يكون نابعاً من مجتمع معين، يعمل داخله من اجل اهداف ومصالح تخصّ هذا المجتمع والبلاد الحاضنة له. وهو وكيل بمعنى انه اداة تستعمله جهة اخرى، دولة او جماعة، ضد جهة اخرى لقاء منفعة مشتركة او لقاء عمولة.
امريكا تعتمد معايير مزدوجة وتتخذ بالتالي مواقف متناقضة من تنظيمات الإرهاب، فهي تعتبر حركة ‘حماس’ وحزب الله تنظيمين ارهابيين وتتهمهما باستخدام العنف الاعمى ضد ‘اسرائيل’. لكنها تتغاضى عن ارهاب الدولة الذي تستخدمه ‘اسرائيل’ ضد الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني.
دول اوروبا تقلّد امريكا في هذا المجال، بريطانيا تفرّق بين حزب الله كحزب سياسي مشروع ومقبول وجناحه المقاوم كتنظيمي ‘ارهابي’، فرنسا كانت تتعامل مع ‘جبهة النصرة’ كتنظيم معارض للنظام السوري ولا تعارض في وصول السلاح والعتاد اليه، لكنها اخذت تعيد النظر بموقفها بعدما صنّفته الولايات المتحدة تنظيماً ارهابياً.
‘اسرائيل’ تفادت لمدة سنتين تصنيف التنظيمات المسلحة التي تقاتل النظام السوري، لاعتقادها ان الحرب الدائرة تؤدي عملياً الى استنزاف سورية كلها، شعباً ودولة، لكنها بادرت الى اعادة النظر بموقفها بعد بروز حدثين: الاول، قيام الولايات المتحدة بتصنيف ‘جبهة النصرة’ تنظيماً إرهابياً. الثاني، سقوط صاروخين على مدينة ايلات مصدرها شبه جزيرة سيناء المصرية، ادّعت ان اصوليين ‘ارهابيين’ اطلقوها.
اذا كان توصيف ‘جبهة النصرة’ ما زال مسألة خلافية بين الولايات المتحدة وبعض دول اوروبا ودول عالم العرب والإسلام، فإن توصيف الجماعات التي تنشط في سيناء ضد ‘اسرائيل’ ليس مسألة خلافية لدى قادتها السياسيين والعسكريين، فهي في رأيهم ‘ارهابية ‘بامتياز، وآن اوان مواجهتها في سيناء، كما في سائر انحاء المنطقة.
اذ هزّ الصاروخان جميع اوساط الكيان الصهيوني، وقد سارع بنيامين نتنياهو، من لندن، الى اعطاء الحدث بعداً اقليمياً بقوله: ‘نحن قلقون من الاسلحة النوعية التي يمكن ان تغيّر موازين القوى في الشرق الاوسط اذا ما وقعت في ايدي الإرهابيين’.
وذكرت صحيفة ‘معاريف’ (18/4/2013) ان نتنياهو اجرى من لندن مشاورات مع قادة المؤسسة الأمنية بشأن كيفية الرد على اطلاق الصواريخ على ايلات، لكن من غير المتوقع ان ترد ‘اسرائيل’ على اطلاق الصاروخين، نظراً الى ان اطلاقهما تمّ من منطقة خاضعة للسيادة المصرية، واكتفت بأن مررت الى مصر رسالة طالبتها فيها بأن تعزز سيطرتها الامنية على سيناء، وان تمنع اطلاق المزيد من الصواريخ على ‘الأراضي الإسرائيلية’.
اذا كان ‘تقصير’ مصر الامني تسبّب في اطلاق الصواريخ على ايلات، فما سبب تقصير منظومة ‘القبة الحديدية’ في عدم رصدها واعتراضها؟ بعض المحللين السياسيين والعسكريين عزا السبب الى قصور بنيوي في ‘القبة الحديدية’، بعضهم الآخر نَسَبَه الى خشية ‘اسرائيل’ من ان تتسبب مواجهة الجماعات الارهابية داخل الاراضي المصرية في إلغاء اتفاق السلام بين الدولتين.
المحلل العسكري اليكس فيشمان جزم ‘أن هذا الوضع لن يتغيّر في المستقبل المنظور، ولاسيما في ضوء قيام الرئيس المصري محمد مرسي بإصدار تعليمات تقضي بعدم استعمال القوة ضد البدو في سيناء’.
‘اسرائيل’ تتهم البدو، اذاً، بقصف ايلات وليس الفلسطينيين، كيف يمكن الرد على هذا التحدي البازغ؟ المحلل السياسي يوآف ليمور اعترف في صحيفة ‘يسرائيل صيوم’ (18/4/2013) انه في ظل عدم قدرتنا على القيام بأي ردّ في سيناء، كي لا نلحق الضرر باتفاقات السلام، فإن ‘اسرائيل’ تصبح تابعة تماما لكرم المصريين’.
لا تقتصر خشية ‘اسرائيل’ على البدو ‘الجهاديين’ الناشطين في سيناء، بل تمتد الى ‘التنظيمات الإسلامية السلفية الجهادية التي تعمل على حسم المعركة في سورية’، يؤكد رئيس برنامج ‘مباط عال’ (17/4/2013). ذلك بان ‘هذه التنظيات كلها تعتبر المعركة في سورية فرصة لإقامة نظام اسلامي يستند الى الشريعة الإسلامية، او على الاقل هي فرصة للسيطرة على اجزاء من سورية وتحويلها الى قاعدة لخوض معركة الجهاد العالمي الاقليمية’.
لا يشارك كل المسؤولين والمحللين العسكريين فيشمان وشفايتسر خشيتهما من خطر التنظيمات الجهادية على امن ‘اسرائيل’. رئيس الطاقم السياسي ـ الامني في وزارة الدفاع الاسرائيلية الجنرال عاموس غلعاد كان اكد في مقابلة مع موقع صحيفة ‘يديعوت احرونوت’ (9/4/2013) تفصيل حكومته لتنظيم ‘القاعدة’ في سورية على نظام الاسد بقوله: ‘حتى لو تفككت سورية الى اجزاء مختلفة، وحتى لو ادى هذا التفكك الى استقرار تنظيم ‘القاعدة’ في هذه الدولة، إلاّ ان ‘اسرائيل’ تفضل ذلك على بقاء نظام الاسد لأن محور الشر مخيف’.
لا يبدو شفايتزر خائفاً من تمركز ‘القاعدة’ في سورية. يقول إن تمركزه هناك ‘سيؤدي الى تدخل خارجي للحؤول دون ‘تحوّل هذه الدولة المركزية والمهمة في الشرق الاوسط الى مركز للاضطرابات في المنطقة وخارجها.
من كل هذه التحليلات والسجالات تتضح حقيقة ساطعة هي ان بعض التنظيمات الارهابية ‘اصيل’، بمعنى انه يعمل لحسابه، والبعض الآخر وكيل ن بمعنى انه يعمل لحساب الغير، وان النوعين باتا يشكّلان مشكلة متفاقمة لدول عدة في امريكا واوروبا وعالم العرب والمسلمين.
كاتب لبناني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد الخالد:

    لم يوضح لنا المقال هل حزب الله الذي يقتل الشعب الثائر في سوريا أصيل بمعنى أنه يقتل بقرار منه أم وكيل بمعنى أنه يقتل بأوامر من طهران؟

إشترك في قائمتنا البريدية