هل انتهى الدوري الجزائري؟

■ الحراك الذي يصنعه الشعب الجزائري هذه الأيام من خلال المظاهرات والمسيرات السلمية المناهضة للعهدة الخامسة للرئيس المنتهية ولايته تسبب في تأجيل متكرر لمباريات دوري المحترف الأول والثاني تجنبا لاتساع دائرة الحراك إلى ملاعب الكرة خاصة مع تزايد حجم الارتباك والتوجس من الجماهير التي كانت خلال الفترة الأخيرة مصدر إزعاج للسلطات الجزائرية منذ صارت الملاعب مسرحا للهتافات والأغاني السياسية الساخرة المنتقدة للوضع العام في الجزائر، حيث تحولت مدرجات الملاعب في ظرف وجيز إلى مصدر صداع جديد ومكان للتعبير عن التذمر الجماهيري مما أدى بالرابطة المحترفة إلى الاستجابة مضطرة لأوامر الحكومة بالتأجيل المتكرر حتى تتفرغ لمواجهة غضب الشارع المتزايد من يوم لآخر في كل أنحاء البلاد ومن كل الأطياف..
التأجيل قد يطول هذه المرة إذا طالت الأزمة الحالية، وسيؤدي إلى إلغاء ما تبقى من مباريات الدوري والكأس لأول مرة في تاريخ الجزائر المستقلة ما دام الحراك متواصلا طيلة هذه الفترة التي تسبق انتخابات الرئاسة المقررة منتصف شهر أبريل المقبل مما سيزيد دون شك من شدة التذمر لدى الشباب الجزائري المتعلق بالكرة وبنواديه والذي سيضطر إلى النزول للشارع للتعبير عن غضبه وتذمره بعدما كانت الملاعب والمباريات متنفسا له و أداة ترفيه ينسى من خلالها همومه كما يحدث في الكثير من المجتمعات التي لا تتوفر على متنفسا آخر غير الكرة، ولا توجد فيها مرافق للتسلية وفضاءات وكيانات تسمح بتأطير المناصرين وابعاد الملاعب والنوادي عن كل حراك سياسي واجتماعي.
كل المؤشرات توحي بأن عودة المنافسة الكروية في الجزائر ستبقى مؤجلة إلى حين وقد يتم إلغائها كلية خاصة بعد الذي حدث هذا الثلاثاء في داربي العاصمة المتأخر بين اتحاد الحراش ورائد القبة في دوري الدرجة الثانية والذي توقف قبل نهاية وقته الرسمي بسبب اجتياح الأنصار لأرضية الميدان مما ينذر بتكرار هذا السيناريو في باقي المباريات إذا تطورت الأمور واستمر العناد والإصرار المتبادل بين فئات كبيرة من الشعب تدعو الرئيس الى العدول عن ترشحه لعهدة خامسة وبين سلطة تريد فرض منطقها وترشيح رجل عاجز عن ممارسة مهامه الدستورية التي استحوذت عليها جماعة مصالح تعتبر العهدة الخامسة مسألة حياة أو موت مما سينعكس سلبا على كل مناح الحياة في الجزائر وليس فقط على كرة القدم التي كانت ولا تزال أفيون الشعب الجزائري الذي استغلته السلطات الجزائرية في تمرير العهدتين الثالثة والرابعة للرئيس بوتفليقة سنة 2009 و 2013  عندما تأهل المنتخب الجزائري إلى نهائيات كأس العالم في جنوب افريقيا 2010 والبرازيل 2014.
تراجع نتائج المنتخب الجزائري واخفاقه في التأهل الى مونديال روسيا 2018، وتراجع مستوى النوادي الجزائرية محليا وقاريا بسبب نقص الموارد وتفشي الفساد والرشوة والعنف، كلها عوامل اجتمعت لتزيد من تذمر عشاق الكرة في الجزائر الذين تم امتصاص غضبهم مؤقتا فقط من خلال فرض التغيير على الطاقم الإداري للاتحاد الجزائري دون القدرة على احداث القفزة التي كانت تأمل في تحقيقها السلطة للاستمرار في إلهاء الشباب لتسهيل مهمة تمرير مشاريعها والاستمرار في حكم الجزائر من خلال إعادة ترشيح بوتفليقة لخمس سنوات أخرى في ظروف اقتصادية واجتماعية وأمنية صعبة، تقدت أكثر من خلال تراجع الدبلوماسية الجزائرية بسبب عجز الرئيس حتى صار العالم يسير من دوننا حتى في ما يتعلق بالقضايا الجهوية التي تخص الجزائر.
السلطة فقدت مفعول كرة القدم كمخدر مهم تحول في رمشة عين إلى «غول» يهدد استمرارها و وجودها في ظل تنامي الاحتجاجات الاجتماعية على ظروف المعيشة وتفشي الفساد وتغول رجال المال الذين دخلوا بدورهم مجال كرة القدم فاستحوذوا على الاتحادية وبعض نوادي الكرة وراحوا يبحثون عن قاعدة جماهيرية يستثمرون فيها ويستغلونها عند الضرورة لكن مشروعهم لم يتحقق بسبب عجزهم، وبسبب تعلق الأنصار بنواديهم  وعشقهم الجنوني لكرة القدم ومنتخب بلادهم الذي تعرض للتهديم منذ عودته من مونديال البرازيل سنة 2014 فكانت النتيجة أن تحولت النعمة إلى نقمة على السلطات الجزائرية بسبب فشلها في تسيير ملف كرة القدم لتجد نفسها مضطرة لانتهاج الحلول السهلة المتمثلة في أيقاف منافسات كرة القدم وتأجيلها كل أسبوع في وقت اشتد فيه الصراع على لقب دوري المحترفين وعلى البقاء فيه في وقت يشتد التنافس في دوري الدرجة الثانية على الصعود مما سيزيد من الاحتقان في حالة السماح باستئناف المباريات في ظل  ارتفاع درجة الاحتجاجات في الشارع وربما ارتفاع سقف المطالب الشعبية مع الوقت.
في الجزائر يعرف الجميع أن المدرجات هي برلمان الشباب وهي قناتهم الوحيدة دون تضييق، فحرمان الشباب ومناصري الكرة بالأخص من متنفسهم سيدفعهم إلى البحث وبصفة متجددة على مساحة تعبير أخرى لن تكون غير شبكات التواصل والشارع، السلطة في الجزائر لا تعرف او تتعمد التجاهل بأن مساحات التنفيس الكروية إذا تم التضييق عليها ستتوسع في أماكن أخرى غير المدرجات لأن الشباب لن يتنازلوا عن برلمانهم غير المنتخب لأن الصوت فيه صادق وعفوي وفطري..

إعلامي جزائري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Ahmed HANAFI اسبانيا:

    لا يا سيدي دراجي؛ لا نتمنى أن يلغى أو يتوقف الدوري الجزايري، ونرجو إلا يصيب البلد ما اصاب بلدانا في مشرق هذا الوطن العربي التعس والمضطرب.
    نتمنى أن تجرى البطولات الرياضية والموسم الدراسي و .. و .. وإن تجرى الانتخابات في موعدها وان تكون حرة وشفافة، يختار فيها الشعب، من يحكمه، بعيدا عن كل ضغط أو اكراه أو تزوير أو تدليس.
    نتمنى أن يمارس الشعب حقه بكل حرية وان يقرر مصيره بيده لسببين اثنين:
    1- هو شعب قادر على التمييز والاختيار ككل شعوب الارض؛
    2- هو شعب تحكمه سلطة تتغنى في كل المناسبات وبكل اللغات بمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها.

  2. يقول جيلالي من الجزائر:

    مافيا العقار التي ابتلعت اراضي زراعية بجانب الطريق الرئيسي لمدينتي و حولت الناس من الفقر العادي الى البؤس و الحرمان هي من تخاف اليوم من حالة سوريا اما المواطن مثلي فلا يخاف شيئا .

إشترك في قائمتنا البريدية