هل انتهى دور دونالد ترامب السياسي؟

حجم الخط
0

للفيلسوف الإغريقي أفلاطون نظرة في الحاكم والمحكومية، يقول الملك الفيلسوف هو الحاكم الذي يمتلك كلا من حب الحكمة، والذكاء والموثوقية، والاستعداد لعيش حياة بسيطة، كما ركز كونفيوشيوس في فلسفة الحكم على الجانب الأخلاقي، وقامت فلسفته على مجموعة مبادئ وتعاليم، الهدف منها إصلاح الفرد والمجتمع، فاعتبر الحكم هبة من السماء، وعلى الحاكم أن يتحلى بالأخلاق الفاضلة، ويحترم الأفراد ويحسن اليهم.

أطباء علم النفس

في الإطار نفسه ذهب الكثير من المحللين النفسيين في تشريح شخصية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، فمنهم ما قال إنه صاحب شخصية انبساطية، كثير العلاقات على المستوى الشخصي، وتوافقية يميل إلى الصراع والجدال، وربما الصراع مع الأفكار، ولا يهتم بالآخرين، ولا بتوجهاتهم.
أما على صعيد الضبط القيمي لديه ضعف في المنظومة الأخلاقية، فلا يلتزم بالضوابط والأعراف، ولا يلتزم بالنظام والبروتوكولات ، ولا يعرف السلوك الاجتماعي النمطي المهذب.
وصف السيناتور الأمريكي تيد كروز الرئيسَ السابق دونالد ترامب ذات مرة أنه “نرجسي على مستوى لا أعتقد أن هذا البلد قد رآه على الإطلاق من قبل”.
ويعكس هذا الوصف ما خلص إليه العديد من أطباء علم النفس خلال السنوات القليلة الماضية، فالبروفيسور دان ماك آدمز الذي يُدرس في جامعة ويسترن الشمالية الواقعة خارج مدينة شيكاغو ترامب شخص نرجسي أصيل وبدرجة كبيرة، يحب ويعشق نفسه كأعظم شيء جميل في الكون، ورغم أن معظم النرجسيين يحبون أنفسهم كـ “أشخاص” فإن ترامب يحب نفسه كـ “شيء”، فهو لا يرى نفسه كشخص عادي مثل البشر، فهو حتماً يواجه صراعا مريرا مع نفسه، وهذا ما جعله محط أنظار علماء النفس، وكانت شخصية ترامب مادتهم الدسمة.

الملفات المهمة

وقد ظهر هذا السلوك عندما تناول الملفات المهمة في الشرق الأوسط ومنها القضية الفلسطينية، والتي أمعن فيها لحد التقزيم محاولاً إنهائها بشتى السبل، فكان نقل السفارة الأمريكية إلى القدس خطوة أثارت حفيظة العالم حتى رؤساء البيت الأبيض الذين سبقوه في الحكم، كما اعترف بسيادة الكيان على أرض الجولان الذي احتلته إسرائيل في عام 1967، مثل هذا التصرف الأرعن في إدارة الصراع لرئيس دولة أحادية القطب في العالم، دفع جهابذة التحليل النفسي لتوصيف حالته المرضية النفسية بنتائج كانت متقاربة لحد بعيد بين الاخصائيين النفسيين الذين درسوا حالته النفسية، فنتائج التشخيص كلها أشارت إلى إصابته باضطراب نفسي، فهو بحاجة لعلاج وتوجيه.
في الحقيقة هذه الدراسات التي تتعلق بمرض ترامب غير ملزمة، فرغم تفاوت نتائج الدراسات وطبيعة ما يصاب به الرئيس الأمريكي السابق لم يجد آذانا صاغية لدى داعميه مؤيديه.

الأمن القومي

لا يمكن تجاهل دور المحكمة، فاليوم يوجه لدونالد ترامب 37 تهمة تتعلق باحتفاظه دون وجه حق بوثائق مرتبطة بالأمن القومي عندما ترك منصبه، وفضلاً عن الكذب على مسؤولين سعوا إلى استعادتها، كما يتهم ترامب بالاحتفاظ بوثائق تضمنت معلومات حول البرنامج النووي الأمريكي السري، وثغرات محلية محتملة لدى الولايات المتحدة في حالة وقوع هجوم.
تقول لائحة الاتهام المؤلفة من 49 صفحة، إن ترامب أظهر بعض الوثائق لأشخاص ليست لديهم تصاريح أمنية لمراجعتها، وتتضمن اللائحة أيضا صوراً تظهر الصناديق التي كان من المفترض أن تكون في الأرشيف الوطني مكدسة في قاعات رقص وغرف نوم وحمام في منتجع مارالاغو، مقر سكن ترامب في بالم بيتش.
ويتهم المستشار الخاص جاك سميث، ترامب بالمخاطرة بالأسرار الوطنية، من خلال أخذ آلاف الأوراق الحساسة معه عندما غادر البيت الأبيض في كانون الثاني/ يناير 2021، وتخزينها بطريقة عشوائية في منزله في فلوريدا ونادي الغولف في نيوجيرزي.

الحيّل الدفاعية

نفى دونالد ترامب عشرات التهم الجنائية الموجهة إليه والمتعلقة بتعمد إساءة التعامل مع وثائق سرية للحكومة الأمريكية، والتخطيط لعدم إعادتها، في أول مثول تاريخي لرئيس أمريكي الثلاثاء قبل الماضي أمام محكمة فدرالية وهذا ما يعزز ما قاله المحلل النفسي البروفيسور دان ماك آدمز حول نرجسية ترامب، فهو يصر على إنكار التهم المنسوبة إليه، ليس فقط من أجل البراءة فحسب، فالدافع النرجسي له دور كبير أنه لا يخطئ، وسلوكه فوق البشر، ويفوقهم في قدرته التفكيرية والعقلية وكأنه الإنسان المختار كشعب الله المختار النعت الذي ينعت به اليهود أنفسهم زوراً.
قد يكون عدم خضوع المرشح لانتخابات الرئاسة الأمريكية وغيرها لاختبارات نفسية وعقلية سقطة كبيرة في نظام الانتخابات، وهذه النقطة تحسب من ضمن عجز ما أنتجه الفلاسفة في الميدان السياسي، فكان لا بد من وضع الأولوية للقياس النفسي والاختبارات التي تبين خلو أي مرشح من الأمراض النفسية، وكان يجب أن يرفق عند تقديم أوراق الترشح ” السيرة الذاتية” شهادة خلو المرشح من الأمراض الجسدية والنفسية في آن واحد.
حتى اللحظة لم تخرج المحكمة بقرارات تدين ترامب، وهذا مرهون بهيئة الدفاع عن ترامب، وتجميع الأدلة لإدانته، علماً أن بداية الدعاية الانتخابية للانتخابات المقبلة قد حان، وحسب استطلاعات الرأي أشارت لتفوق ترامب على بايدن بفارق ست نقاط.
ويرى محللون أن “توجيه اتهامات إلى الرئيس السابق ترامب السابق لم يكن له أي تأثير على تقدمه ضد جو بايدن الذي لا يزال تصنيف الرضا عن وظيفته عند 43 في المئة”.
لهذا يبقى حسم مصير ترامب السياسي ضبابيا حتى اللحظة.

كاتب فلسطيني

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية