هل باتت الأزمة اليمنيّة تمضي باتجاه «نقطة حرجة»؟

أحمد الأغبري
حجم الخط
0

العمومية التي جاءت عليها بيانات مكتب المبعوث توحي بأن غروندبرغ وصل إلى مرحلة يمكن وصفها بالجمود والاكتفاء بالدعوة للحوار والتهدئة، وهي دعوة مراقب وناصح أكثر منه وسيط.

صنعاء ـ «القدس العربي»: في إحاطتيه الأخيريتين أمام مجلس الأمن الدولي بدا المبعوث الأممي لليمن، هانس غروندبرغ، محبطًا بعض الشيء؛ لدرجة قال في إحاطته خلال تموز/يوليو إن التطورات في اليمن منذ بداية العام تسير بالاتجاه الخطأ، وفي حال استمرت فستصل إلى نقطة حرجة؛ وهو ما يشير إلى مدى التعقيد الذي وصلت إليها مهمته جراء التطورات الإقليمية من ناحية، ومن ناحية أخرى أن ثمة ما يُشير إلى صحة ما قاله، وحذر منه؛ إذ باتت الأزمة اليمنية كليًا أقرب للابتعاد ديناميكيًا عن إرادة أطرافها وقدرة وسطائها.

خلال آب/أغسطس أجرى غروندبرغ مباحثات في الرياض ومسقط وعدن، وتركزت في مجملها على الحاجة الملحة إلى حوار بناء يهدف إلى خفض التصعيد على نطاق أوسع في اليمن؛ وهو ما تناولته لقاءاته في مسقط وعدن، وفق بيانات مكتبه. أما مباحثاته في الرياض فقال البيان إن محادثاته مع السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، قد «تركزت حول جهود خفض التصعيد في اليمن في ظل التوترات الإقليمية» وهو ما يتسق مع ما حمله بيانا زيارته لمسقط وعدن ولقاءاته بكبير مفاوضي الحوثيين، محمد عبدالسلام ، ورئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، الأسبوع الماضي.
كما أوضح بيان زيارته للرياض أن لقاءاته مع سفراء الدول دائمة العضوية قد أكدّت «الحاجة إلى نهج موحد لدعم الجهود الرامية إلى تحقيق عملية سياسية ووقف إطلاق النار في اليمن».
وفي بيان موجز عن زياراته ومباحثاته في المدن الثلاث صدر بيان الجمعة، قال إنها «ناقشت التطورات الأخيرة، والتحديات الاقتصادية، والمساعي المستمرة لتهدئة النزاع في اليمن. وتناولت المناقشات قضية الموظفين الأمميين المحتجزين تعسفياً، كما ركّزت على ضرورة السماح بإنقاذ ناقلة النفط المتضررة (إم/تي سونيون)».
لم تتضمن بيانات جولته الأخيرة في المنطقة أي إشارة باتجاه استئناف الجهود ذات العلاقة بخريطة الطريق، باستثناء لقاءاته مع سفراء الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن في الرياض، والتي أشار البيان إلى تأكيد اللقاءات «على الحاجة إلى نهج موحد لدعم الجهود الرامية إلى تحقيق عملية سياسية ووقف إطلاق النار في اليمن».
العمومية التي جاءت عليها بيانات مكتب المبعوث توحي بأن غروندبرغ وصل إلى مرحلة يمكن وصفها بالجمود والاكتفاء بالدعوة للحوار والتهدئة، وهي دعوة مراقب وناصح أكثر منه وسيط؛ فهل نفهم أن «خارطة الطريق» خرجت من المضمار؟!

ما بعد غزة

يرجع نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق، المفكر عبدالباري طاهر، في حديث إلى «القدس العربي» أسباب تركيز المبعوث مباحثاته الأخيرة حول خفض التصعيد ووقف إطلاق النار والدعوة للحوار بعيدًا عن الحديث عن خريطة الطريق، إلى «معرفته بالوضع القائم وارتباطه بالتطورات الدولية والصراعات».
وقال: «المبعوث يشاهد الحالة القائمة، ويعرف جيدًا أطرافها وارتباطاتهم وارتهانهم للنزاع الإقليمي المرتهن هو الآخر للصراع الدولي، فما أن تلوح بوادر انفراجة في اليمن للتفاهم بين العربية السعودية وإيران بوساطة الصين الشعبية حتى تتحرك الأمور ويجري التفاهم بين السعودية و«أنصار الله» الحوثيين. ولكن الرباعية الدولية الفاعلة والأساس أمريكا وبريطانيا، تضغط مباشرةً وبواسطة الإمارات العربية للتعطيل وإعاقة التفاهم، فهذه الأطراف هما الأساس في انتظار الخلاص من قضية فلسطين أولًا، والانتصار في أوكرانيا لإعادة صياغة المنطقة وفق مخططها، وبما لا يخدم مصالح شعوب المنطقة والأقليم ، ولا يقبل حضور الصين في المنطقة».
وأضاف: «تصبح مهمة المبعوث مشاهدة الأوضاع وقراءتها وتقويم الحالة والدعوة للتهدئة والنصح بالسكينة والحوار؛ فهو يعرف أن خريطة الطريق لم تعد مطروحة وعلى الأطراف كلها انتظار ما بعد غزة وتطور الحرب في أوكرانيا».
لكن يبقى أمام المبعوث مهمة النجاح على الأقل في مساعيه التي سبق وأعلن عنها، باتجاه توحيد العملة والبنك المركزي وتجاوز المأزق الاقتصادي الراهن كمقدمة باتجاه تجاوز التعقيدات الراهنة…فهل يستطيع تحقيق خطوة للأمام على الصعيد الاقتصادي على الأقل في ظل ما صارت إليه مهمته من جمود؟
يقول طاهر: «لا يستطيع المبعوث الأممي أن يقدم أو يؤخر حتى في أبسط القضايا؛ فوظيفته الأساس مراقبة الأوضاع والعمل على التهدئة وبقاء الأوضاع على حالها، وعدم العودة للاقتتال، وقضايا العملة وتوحيد البنك المركزي ومعالجة المرتبات والحياة المعيشية للشعب ليست محل الاهتمام».
واستطرد: «ليس بالنسبة للمبعوث فقط، وإنما للأطراف اليمنية الغارقة في الفساد والاستبداد، والمتصارعة على المكاسب والمغانم، أما الأطراف الدولية فمصالحها الأساس إعادة صياغة المنطقة، ونهب ثرواتها، وبالتالي ليس مطلوباً منه ولا باستطاعته تجاوز الوضع الراهن، بل نستطيع القول إن أطراف الحرب الأهلية اليمنية والإقليمية الضالعة في الحرب، لا تستطيع تجاوز الوضع الراهن وتعطيل خارطة الطريق ماثل!».

النقطة الحرجة

مما سبق، يبدو الوضع في اليمن صار أكثر تعقيدًا.. لاسيما لو عدنا لحديث المبعوث خلال إحاطته في تموز.. وهو ما يتأكد بالنظر إلى ما صارت إليه الخيارات المتاحة للوسطاء والقدرات المتوفرة للأطراف.
وهنا يقول عبدالباري طاهر: «بكل التأكيد الوضع في اليمن أصبح أكثر تعقيدًا وأشد خطورةً، لا بخروجه من أيدي اليمنيين فقط، وإنما أيضًا بخروجه من أيدي الأطراف الإقليمية؛ فالسعودية وإيران ليس مسموحاً لهما بالتصالح وحل قضاياهما كبلدين جارين، وتجمع بلديهما عقيدة وحضارة وتاريخ مشترك، والخطر ليس آت فقط من الضغط عليهما وإنما أيضا في طبيعة نظاميهما. وإحاطة المبعوث الأممي صائبة تمامًا فالتطورات تسير بالاتجاه الخاطئ والخطر أيضًا؛ فالمجاعة تعم غالبية السكان، والتعليم منعدم، وتوضع المناهج لنشر الأمية الابجدية والمعرفية، وتسخيره للطائفية والجهوية والسلالية، وكل المعاني الظلامية، والتطبيب منعدم، والتفكك، والتمزيق المجتمعي يتهدد اليمن ككيان وكمجتمع وكشعب، والحالة القائمة تهديد للوجود اليمني خصوصاً، في ظل تغول مليشيات الاحتراب والكوارث الناجمة عن السيول والأمطار، وانتشار الأوبئة الفتاكة والملاريا وتعاظم المجاعة».
وأكدَّ نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق، أهمية «الدعوة إلى الحوار؛ فهي مهمة في كل حال وعلى كل حال بغض النظر عن الدوافع والأسباب؛ فهي في الحالة اليمنية والعربية الطريق الوحيد الآمن للأمة وسلامها وبقائها كشعوب وكأمة».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية