هل بدأت أمريكا تدق طبول التدخل العسكري في سورية؟

حجم الخط
0

جميع المؤشرات والمعطيات السياسية في دائرة الأزمة السورية تدل على تسارع أحداث المنطقة بصورة مركبة، تقود إلى استكمال التحضيرات والاستعدادات وتهيئة الاجواء السياسية الدولية المناسبة للسير قدماً باتجاه التدخل العسكري الأمريكي في سورية، حيث نشطت اللقاءات والزيارات السرية والعلنية للمسؤولين المعنيين بالأزمة الســـورية على الساحة الدولية، وبدأت لعبة الاستعراض وعملية الإحمــــاء تنشط في المياه الاقليمية للمنطقة العربية، تحضيراً لوضــــع الأوراق السياسية الدولية المتناقضة والمتداخلة على الطاولة، في لـــقاء أوباما ـ بوتين، والمتضاربة أفقياً وعموديا في اجتماع ‘جنيف 2’ المرتقب، في ظل غياب أفق التوافق والحلول السياسية بين الكبار. ولعل الزيارات الأخيرة التي قام بها كل من وزير الخارجية السعودي والأمير القطري ووزير خارجيته ونائب رئيس دولة الامارات وملك الأردن ورئيس الحكومة التركية، رجب طيب أردوغان، إلى الولايات المتحدة الأمريكية صبت جميعها في إقناع الرئيس الأمريكي أوباما بضرورة الاسراع في التدخل العسكري لإسقاط نظام الأسد، بسبب الانعكاسات الخطيرة الناتجة عن إطالة عمر الصراع في سورية، مع استعداد دولهم لدفع فاتورة التدخل العسكري، والتعهد بالمساهمة في إعادة الأعمار والبناء واحتواء النظام السوري الجديد، بما يضمن إعادة تركيبته الضعيفة والمفككة وفق تبعيته إلى سياسة الاعتدال التي تنتهجها دول الخليج العربي، انتقالاً إلى مرحلة المشاركة والمساهمة في ضرب المفاعل النووي الإيراني. فهل استطاع هؤلاء الوافدون إلى البيت الأبيض في إقناع الرئيس الأمريكي باتخاذ قرار التدخل العسكري في سورية؟
إن جميع التوصيات والتقارير الوافدة من وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) إلى إدارة الرئيس أوباما، أكدت عدم إمكانية إبرام أي مقايضة أو صفقة جديدة مع الأسد أو عودة التحالف والتعاون مع نظامه الأمني من جديد، كما أنه لم يعد هناك أي مبرر سياسي للانتظار، خاصة بعد تحقيق الكثير من الأجندة الأمريكية في سورية، ولم يعد هناك أي مجال سياسي للهروب من خيار الحرب، بعد ضعف النظام السوري عسكرياً واقتصادياً وشعبياً، مع توفر المسوغات القانونية والمشروعية الدولية والدلائل والقرائن باستخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية المحرمة دولياً من جهة، والاستهتار والتحدي بتجاوز المحظورات والخطوط الأمريكية الحمراء، من جهة ثانية، وخطورة تفاقم الأزمة الانسانية للاجئين السوريين وتأثيرها على دول الجوار وأبعادها السياسية والأمنية، والخلل الديموغرافي الناتج عن السياسة الممنهجة للنظام السوري وحلفائه في بعض المناطق السورية، وأن أي تأخير في اتخاذ قرار الحرب ضد النظام السوري، سيساهم في إضعاف مكانة وموقع ومصداقية أمريكا أمام حلفائها قبل أعدائها، ويفسح المجال لحلفاء الضد في تزويد النظام السوري بالأسلحة المتطورة والمتقدمة، وبالتالي إمكانية امتلاك حزب الله لبعض الأسلحة غير التقليدية الكاسرة للتوازن في الصراع الاقليمي، ومن ثم العبث بشكل هستيري أكثر في الساحة السورية المغلقة بشكل نسبي في المرحلة الراهنة، لتنشطر شظاياها وتتناثر في الساحات المجاورة (الانفجارات المتلاحقة في العراق، الانفجارات في منطقة الريحانية التركية)، مما قد يوسع دائرة الارهاب والأعمال التخريبية والانتقامية في المنطقة بشكل أكبر ، الأمر الذي قد يؤدي إلى خلط كافة الاوراق والحسابات وتعقيد الأوضاع، وبالتالي صعوبة السيطرة على الأحداث، وتنتقل الأمور من المبادرة واتخاذ القرار إلى مرحلة الانتظار وردود الأفعال، خاصة في المناطق الحدودية مع فلسطين المحتلة التي لا تحتمل مرحلة المغامرة أو الانهيار.
إن الاستفزازات الروسية من خلال عدم الالتزام بالاتفاق الضمني وغير المعلن مع الأمريكيين بشكل مباشر، والمتضمن خلق توازن عسكري بين النظام والمعارضة السورية، حتى الوصول إلى مرحلة تسليم الطرفين بضرورة الموافقة على ايجاد حل سياسي يحقق مصالح جميع الأطراف الدولية والإقليمية، قد تم خرقه وعدم الالتزام به من الطرف الروسي وتجاهله لهذا التفاهم، والمضي قدماً مع حلفائهم الايرانيين في دعم تصعيد النظام السوري للقتل والمجازر البشعة في حق الشعب السوري ومنحه الغطاء اللازم والدعم المطلوب في امكانية استخدامه للأسلحة غير التقليدية بشكل محدود في بعض المناطق المهمة، شرط تحقيق الحسم العسكري السريع مدعوماً بخبراء من الحرس الثوري الايراني وعناصر من حزب الله اللبناني وبعض المجموعات العراقية المسلحة لقلب كفة الموازين العسكرية ميدانياً على الارض لصالح النظام، ومن ثم فرض الأمر الواقع على المجتمع الدولي، خاصة بعد تقدم قوات نظام الأسد عسكرياً في بعض المحاور الاستراتيجية المهمة. كما أن ارسال الروس لأعداد كبيرة من الخبراء وعناصر البحرية الروسية للتدخل السريع، والمناورات العسكرية الروسية الضخمة القادمة في البحر الابيض المتوسط، بحجة حماية القواعد الروسية في طرطوس، والتصميم على تزويد النظام السوري بالأسلحة النوعية المتقدمة، خاصة منظومة الصواريخ المتطورة ‘أس أس 200’
و’أس أس 300′ بدأ يخلق واقعاً سياسياً وعسكرياً جديداً، خاصة بعد تحرك النظام المصري الجديد في فضاء الاتحاد الروسي والإيراني، وتوقيع اتفاقيات التعاون الاقتصادي والعلمي والعسكري، والتقارب والتنسيق السياسي وإعلان مصر تطابق وتوافق وجهات النظر معهم حيال الأزمة السورية، اضافة إلى النجاح الدبلوماسي للنظام السوري في تخفيض عدد الدول المؤيدة للقرار المتضمن إدانته والاعتراف بالائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية كطرف محاور وممثل شرعي عن الشعب السوري في الامم المتحدة، حيث امتنعت 57 دولة عن التصويت ورفض 12 دولة للقرار، عكس نسبة التصويت ما قبل الأخير في الأمم المتحدة.
هذه التطورات الجديدة أثارت حفيظة ومخاوف الأمريكيين وحلفائهم من فرض أمر واقع جيوسياسي روسي ـ صيني ـ ايراني جديد في المنطقة، يصعب من خلاله فرض أي حلول سياسية قادمة على النظام السوري أو صعوبة اتخاذ أي عمل عسكري حاسم يطيح بنظام الأسد في المرحلة القادمة، مما يعيد فتح بوابة الحرب الباردة في أكثر المناطق حيوية وسخونة في العالم .
فهل باتت السياسة الأمريكية ناضجة ومقتنعة وفق الرؤية والمعطيات السابقة لاتخاذ قرار التدخل العسكري الحقيقي لإسقاط النظام السوري.. أم ما زالت تراهن على الحلول السياسية في إبعاد الأسد عن السلطة والحكم في سورية؟
إن نظام الأسد وحلفائه يدركون أن التحرك الأمريكي ينذر بضباب كثيف قادم إلى المنطقة، وبات جاهزاً ووشيكاً وعلى أهبة الاستعداد للتدخل العسكري، ولا بد من اتخاذ خطوات وقفزات نوعية تحبط المخططات الأمريكية، عبر تغيير موازين القوى على الأرض وقواعد اللعبة النمطية المتعارف عليها سابقاً، قبل رفع الفيتو الاسرائيلي النهائي عن النظام السوري، خاصة بعد فشل نتنياهو في اقناع الروس بعدم تزويـــــد نظــام الأسد بأي منظومة سلاح متطورة، وعدم تقديم أي ضمانات في تجاوز النظام السوري للخطوط الاسرائيلية الحمراء تجاه التعاون العسكري مع ايران وحزب الله اللبناني. فهل يكون الصيف السوري حاراً بما يكفي من المبررات لاتخاذ قرار التدخل الأمريكي والإسرائيلي في سورية؟
إن الشعب السوري الثائر والصامد على الاّلام لا يثق في السياسة الأمريكية المنافقة والمخادعة، ويدرك أن تدخلها العسكري له مآرب خبيثة وأبعاد تتعدى ادعاءات البراءة ودعم الثورة السورية، وتحركها إن حدث فعلياً ستكون له آثار وخيمة أشد فتكاً وقسوة على الوطن، لأن تحركها سيكون نابعاً من حرصها على أمن اسرائيل والدفاع عن نفوذها ومصالحها في العالم والمنطقة، ويعلم الشعب السوري أن أمريكا لن تعلن ختام مشهد نزيف الدماء وموت الأبرياء، حتى تضمن تفكيك وتحطيم منظومة الارتباط (السوري ـ الايراني) من جهة، وتفوق بسط نفوذها السياسي والعسكري، بما يمكنها من إعادة رسم المنطقة جيوسياسياً لصالح اسرائيل من جهة ثانية، والمقايضة السياسية الرخيصة في التنازل عن الحقوق الفلسطينية المشروعة من جهة ثالثة. فهل سيفهم العرب والسوريون أن الغول الأمريكي لم يكن يوماً مدافعاً عن حقوقهم، ولن يكون يوماً صديقاً وفياً وحليفاً مخلصاً لهم، مهما تباكى بدموع التماسيح على نزيف دمائهم ومعاناتهم الانسانية أمام الآخرين في المحافل الدولية؟
كاتب وباحث سوري في ألمانيا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية