في غمرة انشغال العالم بما يجري من أحداث سياسية وتطورات ميدانية في سورية والعراق ومصر ومنطقة الخليج، تراجع الاهتمام بالشأن الفلسطيني وتطوراته إلا فيما يتعلق بتغطية زيارات وزير الخارجية الأمريكية جون كيري إلى المنطقة، ومحاولاته الدؤوبة إحياء ملف التسوية بين السلطة والحكومة الإسرائيلية، مهما كلف الأمر من تنازلات فلسطينية أو إسرائيلية ‘مؤلمة’ على حد تعبير المؤولين الإسرائيليين. المسجد الأقصى والقدس المحتلة باتت في خبر كان، ولم تعد تحتل المكانة اللائقة بها في نشرات الأخبار المحلية والدولية بسبب كل ذلك، رغم تصاعد وتيرة الاعتداءات على المقدسات الإسلامية والمسيحية فيها، وسرعة بناء المستوطنات والهياكل المزعومة التي يقوم بها اليمين الإسرائيلي المتطرف. القناة الاسرائيلية الثانية بثت قبل مدة وجيزة تقريراً تلفزيونياً حول مراحل بناء الهيكل المزعوم، والخطوات المتدرجة نحو ذلك، وزعمت وجود خرائط ومخططات تفصيلية جاهزة لبناء هذا الهيكل، اضافة الى تحضير أدوات الهيكل في أماكن متعددة لنقلها مباشرة وبالسرعة القصوى إلى داخل المسجد الأقصى تنفيذاً لبنائه. التقرير التلفزيوني يأتي بعد أيام قليلة من اقتحام مجموعة من الاعلاميين الاسرائيليين المسجد الأقصى. ونشر عدد منهم مقالات وتقارير حول المسجد الأقصى ومستقبله، وكان من بينهم مراسل التلفزيون الاسرائيلي (القناة الثانية) الذي أعد التقرير التلفزيوني. المراسل أكد أنه تسلل إلى ساحات الحرم القدسي الشريف والى داخل الأقصى قبل أيام من اعداد تقريره بحراسة قوات الاحتلال، وبمشاركة عدد من المستوطنين والجماعات اليهودية. وقام بتوثيق كيفية الاقتحام وانتهاك حرمته من قبل هؤلاء. ويظهر التقرير ‘صلوات يهودية’ و’شعائر تلمودية’ تقام في أكثر من مكان في المسجد الأقصى تم دعمها بلقطات من الأرشيف. ويظهر التقرير توثيقاً لوجود خرائط ومخططات تفصيلية أعدها المخطط ‘جدعون حرلب’ رهن الاشارة لبناء الهيكل المزعوم على أنقاض الأقصى، بالتزامن مع بناء مذبح القرابين من حجارة البحر الميت، وأدوات أخرى في بعض المستوطنات، وتجهيز أغلب هذه الأدوات ووضعها في مكان قريب على بعد أمتار من المسجد الأقصى، وتحديداً في ‘معهد الهيكل’، لنقلها جميعاً على وجه السرعة في ‘ساعة الصفر’ لبناء الهيكل. التقرير يؤكد أن تصعيد ملف اقتحامات المسجد الأقصى وتنوعها، من خلال مجموعات ضغط فاعلة ومنظمة، تعمل على جعل قضية ‘صلاة اليهود’ فيه قضية جماهيرية عامة من كل قطاعات المجتمع الاسرائيلي الرسمي والشعبي، وهؤلاء بحسب التقرير نجحوا في اقناع الكثير من أعضاء الكنيست ووزراء وقيادات اسرائيلية باقتحام المسجد الأقصى في الأشهر الأخيرة، ومن ضمن التحضيرات لبناء الهيكل بحسب التقرير اقامة القطار الخفيف والقطار الهوائي والأنفاق الأرضية، كما يؤكد وجود 12 منظمة اسرائيلية مختلفة تعمل على بناء الهيكل المزعوم، وتدعو الى هدم الأقصى، منها ما هو مدعوم من الحكومة الاسرائيلية. اقتحامات المسجد الأقصى تتم يومياً، وتحت حراسة قوات الاحتلال، وتأتي ضمن خطة مدروسة ومبرمجة ومعدة سابقاً، وتتم هذه الاقتحامات عبر باب المغاربة الذي تسيطر عليه قوات الاحتلال. ويقوم المقتحمون، وغالبيتهم من المستوطنين المتطرفين، بالتجول بصورة استفزازية، وبتصوير كافة أرجاء الحرم القدسي الشريف بما في ذلك حلقات طلاب وطالبات العلم، وحلقات تحفيظ القرآن الكريم للاطفال والمنتشرة في الأقصى. المسجد الأقصى ومعه كل القدس المحتلة تشهد معركة مصيرية لتحديد مستقبل فلسطين وقضيتها، ومعها كل المقدسات الإسلامية والمسيحية، بينما ينشغل الجميع أو يتشاغل عن القيام بواجبه إزاءها بأمور قد تبدو هامشية إلى حد بعيد، وربما عن قصد بهدف إحياء ملف التفاوض.. والتنازل!