عندما بدأ رعب فيروس كورونا يهدد البشرية في شهر مارس/ آذار الماضي، توقع كثيرون تغير طبيعة العالم عما تعودنا عليه، وان ما قبل كوفيد-19 لن يعود كما كان من بعده، ليعم التشاؤم في كل مناحي الحياة، وفي كل الحقول، بينها كرة القدم، حيث توقع الخبراء أن أبرز التغييرات التي سنلمسها، هو انهيار سوق انتقالات اللاعبين.
اليوم وبعد مرور 7 شهور على التعليمات الصارمة والاغلاق والعزل المنزلي للحد من انتشار هذا الفيروس، وأيضاً مع استمرار انتشار هذا الوباء بتصاعد أعداد المصابين والوفيات مجدداً في كل أنحاء العالم، فان كرة القدم استؤنفت بكل حلتها، ورغم ابتعاد الجماهير عن المدرجات، والذي يؤرق رؤساء الأندية، كونه يجردهم من أهم العناصر الثلاثة للمداخيل، فان سوق الانتقالات ما زالت تعمل بكامل نشاطها وحيويتها وكأن شيئاً لم يكن، رغم تحذيرات الخبراء، وتوقعات المحللين بأن سوق الانتقالات ستفقد على الاقل 30% من قيمتها، وأن أسعار النجوم واللاعبين قد تهبط الى النصف، بل ان كثيراً من الأندية لن يستخدم المال لشراء اللاعبين، لان الصيغة الجديدة المحببة ستكون المقايضة والتبادل عوض دفع المال.
ورغم ان سوق الانتقالات الصيفية ستغلق رسمياً غدا الاثنين، الا انه الى الآن أنفقت أندية البطولات الأوروبية الخمس الكبرى (انكلترا واسبانيا وايطاليا وفرنسا وألمانيا) أكثر من 2.7 مليار جنيه استرليني (نحو 3 مليارات يورو)، بينها أكثر من 1.3 مليار جنيه استرليني أنفقتها اندية الدوري الانكليزي، ما يعد خطوة تفوق المنطق والتوقعات الاقتصادية، التي اعتبرت أن تأثر مداخيل الأندية من حقوق النقل التلفزيوني والحضور الجماهيري الى الملاعب وعمليات التسويق والترويج، ستقود بشكل حتمي الأندية الى التريث واعادة رسم استراتيجياتها، ووضع أولويات جديدة لتتماشى مع متطلبات الوضع الجديد، الى درجة أن أندية مثل توتنهام الانكليزي وضع غالبية موظفيه من غير اللاعبين على المعونة الحكومية، بل ان رئيسه دانيل ليفي اقترض مبلغا بقيمة 750 مليون استرليني لتسيير أعمال النادي خلال هذه الازمة، ومع ذلك نجح مدرب فريقه البرتغالي جوزيه مورينيو في اقناعه بضم 7 لاعبين جدد بقيمة أكثر من 90 مليون جنيه استرليني، ليس بينها قيمة النجم الويلزي غاريث بيل القادم من ريال مدريد على سبيل الاعارة. فيما عزل جاره اللندني تشلسي نفسه عن العالم الحقيقي، وكأنه من كوكب آخر، وكسر الرقم القياسي في قيمة الصرف في نافذة واحدة، بانفاقه أكثر من 225 مليون جنيه استرليني على 7 لاعبين جدد، بينهم صاحب الرقم القياسي للنادي كاي هافيرتز (72 مليون استرليني) ولاعبان بالمجان (تياغو سيلفا ومالانغ سار)، فيما احتفل مانشستر سيتي بانتصاره في محكمة العدل الدولية، بعد اتهامه بكسر قانون العدل المالي، بانفاق نحو 130 مليون جنيه استرليني على المدافعين روبن دياز وناثان آكي والجناح فيران توريس، ليكون المدرب الأسباني بيب غوارديولا قد أنفق 400 مليون جنيه استرليني على مدافعين فقط منذ قدومه الى السيتي في 2016. ونحن ما زلنا ننتظر اللحظات الاخيرة في يوم الانتقالات، والأعين منصبة على مانشستر يونايتد والذي حاول مرارا ضم نجم بوروسيا دورتموند جادون سانشو بأكثر من 100 مليون استرليني، واذا اخفق فانه من المؤكد سينجز صفقة ضم نجم أو نجمين قبل اغلاق السوق.
وفي ايطاليا، البلد الذي كان الأول والأكثر تأثراً من فيروس كورونا، فان أنديته أنفقت نحو 800 مليون يورو على عقد صفقات جديدة، بينها أكبر صفقة في سوق الانتقالات الحالية في كل أوروبا، بالمبلغ الذي دفعه نابولي، الذي لن يلعب في دوري أبطال أوروبا بل في الدوري الاوروبي، والمقدر بـ76 مليون يورو على مهاجم ليل الفرنسي فيكتور أوسيمين، فيما أنفق الانتر 95 مليون يورو، بينها 42 مليوناً على المغربي أشرف حكيمي من ريال مدريد. فيما جاء الدوري الاسباني ثالثاً بنحو 700 مليون يورو، والدوري الفرنسي رابعاً بـ620 مليونا، واخيراً الدوري الألماني، الاكثر منطقية بصرفه نحو 530 مليون يورو فقط.
الآن يتبقى السؤال المهم: هل كرة القدم معزولة عن العالم الواقعي، أم ان الشعبية العالمية الجارفة لهذه اللعبة يحتم استمراريتها مهما كان الثمن؟