نيويورك-»القدس العربي»: أصدر أعضاء مجلس الأمن الدولي يوم الجمعة 16 من الشهر الحالي بيانا صحافيا صدر بالإجماع أدانوا فيه التصعيد المستمر في مدينة مأرب وضواحيها، وأشاروا إلى أنه «يفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويعرّض أكثر من مليون نازح داخليا لخطر جسيم، ويهدد الجهود المبذولة لتأمين تسوية سياسية في وقت يتحدّ المجتمع الدولي بشكل متزايد لإنهاء النزاع». وطالب المجلس جماعة الحوثي «أنصار الله» بوقف تصعيدهم في مأرب وأدان الهجمات عبر الحدود ضد المملكة العربية السعودية. كما رحب أعضاء المجلس بالمبادرة السعودية التي أطلقتها يوم 22 آذار/مارس «والتي تتماشى مع اقتراح المبعوث الخاص للأمم المتحدة لوقف إطلاق النار في عموم البلاد، وإعادة فتح مطار صنعاء الدولي، والسماح بحرية حركة السفن للوقود والسلع الأخرى إلى ميناء الحديدة وفقا لاتفاق ستوكهولم». وذكر البيان أن أعضاء مجلس الأمن دعوا جميع الأطراف للانخراط بشكل بنّاء مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة والتفاوض، بدون شروط مسبقة، من أجل وقف فوري لإطلاق النار في عموم البلاد، وتسوية سياسية شاملة، وفقا للأحكام ذات الصلة بقرارات مجلس الأمن الدولي بما فيها 2216 (2015) و2565 (2021).
وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت أن نحو 20 ألف يمني نزحوا من محافظة مأرب بين 8 شباط/فبراير و10 نيسان/أبريل، «معظم أولئك الذين أجبروا على الفرار هم من بين المليون نازح الذين يعيشون فعلا في المحافظة، وهو أكبر عدد من السكان النازحين في اليمن».
نزوح فوق تهجير، وانتشار مريع لوباء كوفيد-19 وتعثر وصول المساعدات الإنسانية وتفاقم حدة القتال في مأرب وغيرها، أضف إلى ذلك تعثر الاستيراد والتصدير وانهيار الموسم الزراعي وانتشار الأمراض المعدية الأخرى. ومن جهة أخرى فإن الاستجابة للنداء الأممي لتمويل المساعدات الإنسانية بقيمة 3.85 مليار دولار لمساعدة 16 مليون شخص لم تصل إلا إلى النصف ولم تتسلم المنظمة الدولية فعليا إلا ما نسبته 21 في المئة فقط من هذا المبلغ. والشيء المحير أن بعض دول التحالف التي لم تتبرع هذا العام بأي مبلغ، تنفذ على الأرض خطتها نحو تعزيز انفصال الجنوب واحتلال جزيرة سقطرى وتحويلها إلى قاعدة تنصت وتجسس لأعداء الأمة التاريخيين. إذن نحن أمام أكبر مأساة إنسانية في العالم كما قال مارك لوكوك، منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية أمام مجلس الأمن مؤخرا. ونعجب لليمن على أي جانبيه يميل هذا إذا بقي يمن واحد متماسك بعد كل تلك المصائب؟
الأمم المتحدة والمسألة اليمنية
واكبت الأمم المتحدة المسألة اليمنية منذ انطلاق ثورة 11 شباط/فبراير 2011 وحتى هذه اللحظة. وقد تبدل على اليمن ثلاثة مبعوثين خاصين هم المغربي جمال بنعمر والموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد والبريطاني مارتن غريفيث. أما المسارات التي تعمل عليها المنظمة الدولية منذ بداية الأزمة فتشمل السياسي، والمسار الإنساني لإيصال المساعدات إلى أكثر من 60 في المئة من الشعب اليمني، وملف حظر الأسلحة، وملف انتهاك حقوق الأطفال، واتفاقية ستوكهولم حول الحديدة، وملف الخزان العائم «صافر» الذي يحمل مليونا ونصف الميلون من النفط قد يؤدي في حالة تسرب النفط إلى كارثة بيئية واقتصادية وإنسانية لا مثيل لها.
على المسار السياسي ما زال مارتن غريفيث متمسكا بمبادرته للسلام في اليمن وقد زار مؤخرا كلا من طهران ومسقط والرياض وأبو ظبي وبرلين. وأكد في مداخلته أمام مجلس الأمن يوم 15 نيسان/أبريل أن الشعب اليمني يريد السلام: «هناك جيل من اليمنيين عانى من التعليم المتقطع أو غياب التعليم. فرص العمل محدودة أو غير متوفرة. عانت مؤسسات الدولة من سنوات من التآكل. مشكلات استيراد النفط تتسبب في زيادة أسعار السلع الأساسية. وتمثل الكهرباء صراعا يوميا في بعض أجزاء اليمن. لكن معظم اليمنيين الذين تمت استشارتهم واستطلاع آرائهم والمشاركين في الحوار الوطني حول الحرب يصرون على أن إنهاء الحرب هو الهدف البسيط والأهم». لهذا السبب لم ييأس غريفيث ولا يفكر لغاية الآن بالاستقالة.
تصعيد الحوثيين
من يعتقد أن الحوثيين جهلة في السياسة فهو لا شك مخطئ. فبعد رفع اسمهم عن قائمة الإرهاب من قبل إدارة بايدن منذ 16 شباط/فبراير، عملوا على مسارين أساسيين، تعزيز علاقتهم بإيران من أجل تحديث أسلحتهم ورفع كفاءتها وخاصة في ميدان الطائرات المسيرة، وثانيا حشد أقصى قوة مسلحة ممكنة لمهاجمة مدينة مأرب واحتلالها، وهي المدينة الاستراتيجية الغنية بالنفط والغاز، والتي إن وقعت في أيديهم سيكون كل شمال اليمن تحت سيطرتهم. كان الحوثيون يدركون أن إدارة بايدن ستتدخل في الملف اليمني بشكل جاد وأن مسألة التفاوض والعودة إلى المسار السياسي مسألة وقت خاصة وأنها عينت مبعوثا خاصا لليمن هو تيموثي ليندركنغ. ولم تكن لديهم أوراق قوية ليلعبوا بها. لذلك أعلنوا منذ أواسط شباط/فبراير الهجوم على مأرب وكانت القوات الحكومية في أضعف حالاتها. كادت المدينة أن تسقط تماما لولا أن القوات الحكومية قامت بهجمات معاكسة على كل من تعز وحجة ولوحت بإلغاء اتفاقية ستوكهولم وشن هجوم على الحديدة التي يسيطر عليها الحوثوين ما أدى إلى التخفيف قليلا عن مأرب. لكن التصعيد ما زال مستمرا وإطلاق النار هو الصوت الوحيد المسموع في اليمن. ولا يكاد يمر يوم دون أن نسمع عن إطلاق صواريخ أو طائرات مسيرة نحو أهداف في الداخل السعودي من مواقع عسكرية ومطارات ومنشآت نفطية وغيرها. الحوثيون يبدو أنهم مصممون على جمع أوراق قوية في أيديهم قبل الدخول في مفاوضات سياسية جادة برعاية أممية ودعم أمريكي وسعودي.
المشاريع السياسية
تتقاطع المشاريع السياسية المطروحة لحل الأزمة اليمنية حول نقاط أساسية تقوم على وقف إطلاق النار الشامل وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية ثم الانطلاق نحو المفاوضات. السعودية من جهتها واستعدادا لمرحلة بايدن الذي وعد فيها بمراجعة مسألة مبيعات الأسلحة وسجلات حقوق الإنسان، أطلقت مبادرة سياسية لحل الأزمة اليمينة بتاريخ 22 آذار/مارس تقوم على ثلاث نقاط: وقف إطلاق النار وفتح مطار صنعاء والسماح لميناء الحديدة بإدخال مواد غذائية ثم التوجه للمفاوضات. ولقيت المبادرة ترحيبا واسعا شمل الأمم المتحدة والعديد من دول المنطقة والعالم بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية.
الموقف الأمريكي من حل أزمة اليمن كما عبر عنه ليندركنغ، هو ما أسماه «المسار المزدوج»: مسار المفاوضات السياسية ومسار إيصال المساعدات الإنسانية. وقد ندد المبعوث الأمريكي بالهجمات الحوثية على مأرب وطالب بوقفها فورا والتوجه نحو المفاوضات السياسية والعمل على حل المأساة الإنسانية. كما اتهم المبعوث إيران بتحمل مسؤولية استمرار التوتر في اليمن، مشيرا إلى أنه لم ير «أي دليل أو دور إيجابي في اليمن حتى الآن».
أما إيران فهي من جهة تريد أن تبدد مخاوف المنطقة من تدخلاتها في الحرب لكن لا تستطيع التخلي عن دعم حلفائها كما فعلت في سوريا ولبنان والعراق. ويهمها تماما ألّا تخرج السعودية منتصرة في تلك المواجهة. تدخلاتها في اليمن ليست بنفس الطريقة الكلاسيكية بنقل الحرس الثوري للمشاركة في التدريب وإقامة القواعد والقتال إن لزم الأمر بل بدعم حلفائها الحوثيين لوجستيا وسياسيا، وترى أن من مصلحتها أن يكون اليمن مستقرا موحدا. فقد رحبت بالمبادرة السعودية والتي تتقاطع في عديد من النقاط مع رؤيتها للحل حيث صرح مسؤول في وزارة الخارجية الإيرانية أن إيران تدعم أي خطة سلام في اليمن بشروط. وقالت الخارجية الإيرانية، في بيان بمناسبة الذكرى السادسة للحرب في اليمن، إن إيران «أكدت منذ بداية هذه الحرب أنه لا يوجد حل عسكري للأزمة اليمنية وأن إيران تدعم أي خطة سلام تقوم على إنهاء العدوان، والوقف العام لإطلاق النار، وإنهاء الاحتلال، ورفع الحصار الاقتصادي، وبدء المحادثات السياسية، وفي نهاية المطاف تسليم اليمنيين زمام الأمور لرسم مستقبلهم السياسي دون تدخل أجنبي».
بعد هذا الاستعراض نعود لمبادرة مارتن غريفيث التي أطلقها في تموز/يوليو الماضي والتي تحتوي على أربع نقاط أساسية ونعتبر أنها الأساس السليم لأي حل مقبل:
أولا: وقف شامل لإطلاق النار في جميع أنحاء اليمن، بما في ذلك الجبهات التي تشارك فيها جهات غير حكومية في مواجهات مع الحوثيين. وكذلك في المناطق التي لا يسيطر عليها الحوثيون. ويشمل وقف إطلاق النار كذلك وقف الهجمات الجوية والبرية على الأراضي السعودية. تقوم لجنة مشتركة من أطراف النزاع تحت رعاية الأمم المتحدة بمراقبة وقف إطلاق النار وعقد اجتماعات أسبوعية للمراقبة والتشاور.
ثانيا: يتم تعاون جميع الأطراف مع الأمم المتحدة لتسهيل وصول المواد الغذائية لكل أبناء الشعب اليمني المحتاجين خاصة من الأطفال والنساء على وجه السرعة لتلافي مأساة إنسانية قد تودي بحياة مئات الألوف بسبب المجاعة ونقص الغذاء والدواء وسوء التغذية الحاد لحوالي 2.3 مليون طفل. وهذا يتطلب فتح الطرق البرية الرئيسية للمدن وتسهيل وصول المساعدات الغذائية عن طريق ميناء الحديدة. كما تدعو الخطة إلى فتح مطار صنعاء الدولي، وتسمح للرحلات الإنسانية والتجارية والمدنية بالهبوط دون عقبات.
ثالثا: القيام تحت إشراف الأمم المتحدة بخطوات بناء الثقة مثل تبادل الأسرى والمعتقلين وتوحيد بعض المؤسسات الوطنية ودفع الرواتب لكل موظفي الدولة والتعاون في مجالات مهمة مثل محاربة وباء كوفيد-19 والكوليرا وغيرها.
رابعا: إستئناف المفاوضات بناء على ما تم تحقيقه في جنيف والكويت وستوكهولم. الهدف من المفاوضات هو الوصول إلى توافق على تشكيل حكومة انتقالية تشمل جميع مكونات الشعب اليمني تسيـّر أمور البلاد ضمن خريطة طريق متفق عليها تشمل الاستفتاء على دستور جديد والتوجه نحو الانتخابات الشاملة التشريعية والرئاسية.
لقد كانت السعودية تعتقد أنها ستحسم معركة اليمن في ثلاثة أسابيع وها هي تعود للبحث عن مخرج سياسي بعد أكثر من ست سنوات. والحوثيون يقعون في نفس الخطأ باعتقادهم أنهم قادرون على حسم المعركة عسكريا. لقد آن الأوان أن يستغل الجميع فرصة يتحد فيها المجتمع الدولي على وقف حرب اليمن والتوجه نحو الحل السياسي فقد لا تستمر هذه الفرصة طويلا.
تحليل صحافي شامل وموضوعي وعقلاني..،أحسنت يا دكتور عبدالحميد وخصوصًا في الفقرة الاخيرة التي لخصت فيها ما حصل منذ أكثر من ست سنوات علي هذه الحرب الظالمة والغبيه.