تظاهروا بأنكم متفاجئون. والناس في معظم عواصم أوروبا، بما في ذلك في بروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي المصابة بكورونا، يصلون لانتصار جو بايدن في الانتخابات للرئاسة الأمريكية ولعودة الديمقراطيين إلى البيت الأبيض. مثل هذا السياق، سيحول اليأس فيجعله أكثر راحة بكثير. اليأس من ماذا؟ من الأمريكيين، بالطبع. اعتادت أوروبا الغربية، تلك التي لا تزال تقود الاتحاد الأوروبي، على أن يبنوا أنفسهم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بالمساعدة الاقتصادية والعسكرية والسياسية للأمريكيين، وفي الوقت نفسه يغضبوا بشدة على التدخل الأمريكي في شؤون أوروبا والعالم.
إن ازدواجية الأوروبيين المريضة تجاه الولايات المتحدة أصبحت منذ زمن بعيد هوساً شبه جماعي: فالأوروبيون يريدون للولايات المتحدة أن تواصل حمايتهم، على حسابها، ولكنهم يركلونها ويحتقرونها في كل فرصة ممكنة. في الموقف الأوروبي من الولايات المتحدة غير قليل من الطفولية والكثير جداً من عدم الامتنان من جانب الأطفال المدللين ممن تلقوا الكثير جداً من أهاليهم. وعليه، سهل أكثر على الأوروبيين مع إدارات ديمقراطية. فهم أكثر توقعاً وانضباطاً.
في نظرة إلى الوراء، على الأوروبيين أن يعترفوا من كل قلوبهم لترامب وأن يتمنوا أربع سنوات رئاسة أخرى له. أولاً، فقد أوضح لهم أنهم إذا كانوا يريدون الدفاع عن أنفسهم ضد تهديدات خارجية، ومثل هذه لا تنقص (روسيا، إيران، الإرهاب الإسلامي، الهجرة غير القانونية) فعليهم أن يوقفوا اعتمادهم فقط على الولايات المتحدة، بل عليهم أن يستثمروا أكثر في أجهزة الدفاع والأمن. وبخلاف كل المخاوف العابثة، لم يترك الناتو (لم تكن له مشكلة في ترك هيئات ومواثيق متعددة أخرى)، وقد طلب من الأوروبيين أن يخصصوا أموالاً أكثر للتسلح وللتحديث العسكري.
لو كان ينبغي لأوروبا أن تدافع عن نفسها اليوم، لهزمت بسرعة. هذا ليس وضعاً طبيعياً مرغوباً فيه. ويجب أن تعتبر الأوروبيون انعزالية ترامب نعمة لهم، في إطار الحلف العابر للأطلسي: ليس تعلقاً مطلقاً للولايات المتحدة بعد اليوم، بل مساهمة في الجهد المشترك للدفاع عن القيم المشتركة. ثانياً، لقد أظهر ترامب للأوروبيين بأن هناك نوعاً آخر من تعدد الثقافات لا يقوم على أساس فتح الحدود أمام موجات من المهاجرين غير القانونيين والاستسلام الثقافي لجهات متطرفة تسعى إلى إغراق التاريخ الغربي في موجات من الضمائر المصطنعة، وشطبه وفرض راديكالية فاشية اشتراكية – إسلامية مكانه.
لقد أعطى ترامب شرعية متجددة لمبادئ الحفاظ على الحدود والحفاظ على الهوية، والأمر أعطى ويعطي مؤشراته أيضاً في “القارة القديمة”. فالمزيد والمزيد من الأوروبيين لا يخجلون من الإصرار على حقهم في الدفاع عن قيمهم القومية والأوروبية في ضوء محاولة الاجتثاث من أوروبا لطابعها وثقافتها. هذه هي الظاهرة الأكثر تخويفاً للمؤسسة السياسية الأوروبية: انتصار آخر لترامب سيعزز التيارات الوطنية في أوروبا.
وهناك النقطة الإسرائيلية أيضاً: تأييد ترامب لإسرائيل بلا هوادة، والذي ينبع من رغبته في تقوية الحلفاء كي يقلل التدخل الأمريكي، هو أمر يدفع المزيد فالمزيد من الأوروبيين للتفكير من خارج العلبة. فقد رأى الأوروبيون بأن الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل، وسيادة إسرائيل على الجولان، وقانونية المستوطنات، وعقد اتفاقات إبراهيم، كلها لم تثر غضب الشارع العربي ولم تؤد إلى سفك دماء متجدد.
هناك مزيد من الأصوات تنطلق في أوروبا للاقتراب من إسرائيل، والاعتراف بالقدس عاصمتها والتوقف عن رؤية “حل الدولتين”. أربع سنوات أخرى لترامب في البيت الأبيض يمكنها أن تساهم في نهج أكثر واقعية لأوروبا تجاه الشرق الأوسط والعالم بشكل عام.
بقلم: الداد باك
إسرائيل اليوم 2/11/2020