اتخذت مصر مؤخرا خطوة مهمة نحو تخفيف أعبائها المالية في ظل فترة صعبة كانت تواجهها بسبب أزمة النقد الأجنبي. تلك الخطوة تمثلت في بيع منطقة رأس الحكمة، الواقعة على بعد 350 كيلومترا تقريبا شمال غرب العاصمة القاهرة، إلى دولة الإمارات العربية المتحدة مقابل 22 مليار دولار، وهي صفقة اعتبرها كثيرون أنها بمثابة خطوة استراتيجية للتغلب على الصعوبات الاقتصادية الحالية في مصر. حسنا! هل يمكن لمصر أن تبيع الإسكندرية ذات الأهمية التاريخية والثقافية الكبيرة لتركيا، التي تبحث منذ سنوات طويلة عن مركز للشحن والإمداد إلى افريقيا؟
الإسكندرية؛ مدينة أسسها الإسكندر الأكبر، واحتضنت العديد من الحضارات عبر التاريخ، وفي عهد الإمبراطورية العثمانية على وجه الخصوص، تأسست روابط ثقافية وتاريخية قوية مع الأتراك المقيمين في المدينة، ولذلك، فإن علاقات الإسكندرية التاريخية والثقافية العميقة مع تركيا تظهر أن مثل هذا البيع أو الإيجار يمكن أن يتحقق بسهولة.
إذا أقدمت مصر على تأجير الإسكندرية لتركيا فإن ذلك سيوفر لها مخرجا اقتصاديا، وقد يؤدي في الوقت نفسه إلى تعزيز الروابط الثقافية والتاريخية
ويمكن القول إن تأجير أو بيع الإسكندرية لتركيا لن يؤدي فقط إلى تعزيز العلاقات التاريخية والثقافية بين البلدين، بل يمكن أن يوفر أيضا مزايا اقتصادية في العديد من الجوانب لكلا الطرفين. كما يمكن أن يساهم تأجير الإسكندرية بشكل خاص في جعلها بوابة تركيا إلى القارة الافريقية، من خلال إنشاء مركز تجاري ولوجستي جديد بين البلدين. وهذا الأمر من شأنه أن يخلق فرصا تجارية واقتصادية جديدة لا تقتصر على تركيا ومصر فقط، بل تمتد إلى دول أخرى في القارة السمراء. وباعتبارها مركزا مهما للتجارة والشحن في منطقة البحر الأبيض المتوسط، تتمتع الإسكندرية بموقعها الاستراتيجي بإمكانات كبيرة للخدمات اللوجستية وإدارة سلسلة التوريد. ولا شك في أن الجمع بين خبرة تركيا وبنيتها التحتية في هذا المجال وموقع الإسكندرية المهم، يمكن أن يمنح المنطقة حيوية وانتعاشا كبيرين على الصعيد الاقتصادي، على ذلك، قد يشكل هذا التعاون أيضا خطوة استراتيجية للتوسع التجاري التركي في افريقيا، إلى جانب مساهمته في إيجاد حل للمشاكل الاقتصادية التي تعاني منها مصر، بالإضافة إلى ذلك، يمكن لمثل هذا التعاون الذي سيتشكل من خلال الإسكندرية أن يؤثر في الوقت نفسه بشكل إيجابي على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. فقد أقامت مصر وتركيا علاقات وثيقة في مراحل مختلفة من التاريخ وعاشتا توترات لأسباب عدة، وفي هذا الصدد، يمكن أن يساهم استخدام الإسكندرية كـ»جسر ثقافي واقتصادي» في تعزيز العلاقات بين البلدين من خلال فتح مجال جديد للتعاون.
في المحصلة؛ إذا أقدمت مصر على تأجير الإسكندرية لتركيا فإن ذلك سيوفر لها مخرجا اقتصاديا، وقد يؤدي في الوقت نفسه إلى تعزيز الروابط الثقافية والتاريخية. ويمكن لهذا التعاون المحتمل أن يقدم مساهمات كبيرة في إنعاش التجارة الإقليمية، وخلق فرص عمل جديدة، ومواصلة تعزيز العلاقات بين البلدين، لكن من المؤكد أن اتخاذ مثل هذا القرار المهم لا يعتمد فقط على الاعتبارات الاقتصادية، بل إنه يتطلب مفاوضات دبلوماسية عميقة ودراسة متأنية للمصالح المشتركة لكلا البلدين.
كاتب تركي